تهديد وجود الأنظمة السياسية العربية القائمة ومقومات الأمة الإسلامية

تاريخ النشر: 29/04/16 | 7:34

إن القيادة السياسية، وبخاصة القيادة الجماهيرية الكاريزمية، تعبر في نشأتها عن تفاعل عوامل شخصية واجتماعية وتاريخية. تتعلق العوامل الشخصية بالسمات النفسية والسلوكية للقائد من قبيل: السيطرة أو الخضوع، الذكاء أو عدمه، القدرة الابتكارية أو عدمها، الثقة بالذات أو عدمها، قوة الشخصية أو ضعفها، سعة الأفق أو ضيقه، الميل للعنف أو التسامح، الاستعداد أو عدم الاستعداد للمخاطرة، وتتأثر هذه السمات بعملية التنشئة الاجتماعية خاصة على المستوى الأسري وبالخلفية التعليمية والمهنية للقائد. وتتعلق العوامل الاجتماعية بطبيعة البناء الاجتماعي والأزمة التي يعاني منها المجتمع. وتتعلق العوامل التاريخية والثقافية بطبيعة الخبرات التاريخية للمجتمع. وترجع الفاعلية النسبية التي تميزت بها القيادات الكاريزمية مثل جمال عبد الناصر ونهرو و ماوتسي تونج إلي قدرة كل قيادة منها على أن تحقق التفاعل بين خصائصها الشخصية وخصائص الإطار الاجتماعي والثقافي وقدرتها على تكتيل الجماهير وتقدمي القدرة الصالحة لها وقدرتها على التعبير عن الوعي الجماعي
منذ إعادة انتخاب أوبا ما رئيسا” للولايات المتحدة الأمريكية أي 2012 تغيرت إستراتيجية إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحيث خرجت هذه المنطقة من بؤرة الاهتمام وتحول الاهتمام إلى جنوب الباسيفيك أي أمريكا الجنوبية وشرق آسيا الصين والهند واليابان ولم يعد يهم الأمريكان والعالم الغربي الربيع و لا الخريف العربي و لا حتى أنظمة حلفائهم من دول الخليج. إذن لا يهم أمريكيا والغرب -ربيع العرب- وهما القوتان الأكثر نفوذا” وتأثيرا” في العالم ومنطقتنا العربية- وربما سيتحول الاهتمام نحو بيعهم لجهة أكثر قوة وتأثير مثلا” إيران – وربما سيقوم حلف جديد بين الهلال الشيعي وأمريكيا على أن تكون نجمة داوود السداسيه في بؤرة الاهتمام.
أي بعبارة أخرى ستتخلى أمريكيا عن العرب ولن تهتم بهم وستتركهم كالأيتام على موائد ألئام : الصينيين وروسيا وإيران، والصهاينة – فهل الاستشفاء برحيل الإخوان عن حكم مصر وربما عن المنطقة العربية يجدي وكذلك تنامي النظرة السلبية الدونية للاجئين السوريين والفلسطينيين هل يجدي – وهل ستهتم أمريكيا والصهاينة وترضى عن المصريين والخليجيين والأردنيين وتدعم توجههم – أين العرب ومن سيهتم بهم – ومن سيحميهم ويدافع عنهم ويرسل المارينز والأسطول السادس والسابع والفرق العسكرية ووحدات القتال الخاصة فهل سيصحوا يوما ما؟ – هل سننتظر أمريكيا وبريطانيا وفرنسا لتنقذنا نحن العرب الأمة العريقة أم نصحوا فورا” ونبادر إلى لم الشمل وتبني إستراتيجية أمن قومي عربي سياسي ودفاعي واقتصادي تقود الأمة نحو القوة والهيبة والكرامة فإلقاء للأقوى لأنه منطق الطبيعة والحياة في المستقبل مستقبل العالم ما بعد الديجيتال.
وقد بدأ هذا البرنامج برعاية أمريكية وقد كان يمثل جزءاً من جهود الشاه الرامية إلى تحويل إيران إلى قوة إقليمية عظمى، حيث كان الشاه يعتمد بقوة على الولايات المتحدة لدعم حكمه ولمساعدته في تحقيق التنمية والنهضة الشاملة التي كان يطمح إليها، كما ترافق ذلك مع قيام الجانبين بتطوير درجة عالية من التعاون السياسي والاستراتيجي، بحيث أصبح نظام الشاه حليفاً للولايات المتحدة في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفييتي السابق والكتلة الاشتراكية، ويذكر أن التعاون النووي بين إيران والولايات المتحدة قد استهل من خلال برنامج الذرة من أجل السلام
الذي على أساسه وقعت إيران في عام 1957 مع الولايات المتحدة اتفاقية للتعاون النووي في المجالات المدنية، مدتها عشر سنوات، حصلت إيران بموجبها على مساعدات نووية فنية من الولايات المتحدة، وعلى عدة كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب للأغراض البحثية، كما تعاون الجانبان في البحوث المتعلقة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. إلا أن هذا التعاون قد توقف على إثر قيام الثورة الإيرانية سنة 1979، حيث تجاهل نظام الحكم الثوري البرنامج النووي بصورة شبه كاملة في السنوات الأولى لقيام الثورة، بيد أنه هناك تخوفاً عربياً وخليجياً ملحوظاً من امتلاك إيران سلاحاً نووياً تعتبره ذا تأثير فاعل يُخلّ في نوع التوازن والاستقرار الإقليمي، ولدرجة قد تؤدي إلى نفوذ كبير لإيران في منطقة الشرق الأوسط على حساب مصالح الدول العربية المختلفة،
وهذا من شأنه أن يهدد وجود الأنظمة السياسية العربية القائمة ومكونات الأمة الإسلامية، لكون إيران لها موروث تاريخي يستند إلى الرغبة في تدشين إمبراطورية فارسية تتنافس بها مع التوجهات التركية الصاعدة، خاصة بعد وصول حزب “العدالة والتنمية” للسلطة في تركيا عام 2002، ونظراً لغياب مشروع عربي له القدرة على المواجهة، باتت معظم الدول العربية عامة، والخليجية خاصة- نتيجة لتشعب توجهاتها وانقساماتها وتغليب المصالح القطرية على مشروع التكامل الإقليمي- تعمل على تقوية مواجهتها من خلال تدشين اتفاقيات أمنية ثنائية مع الدول الأجنبية، وتفعيل إمكاناتها العسكرية بتزويد ميزان المدفوعات العسكري لشراء الأسلحة، خاصة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية والصين، كما أنها تبحث عن وسائل تدفع بالتأثير الدولي على إيران لمقاومة مشروعها النووي وٕإضعاف استمراريتها في تخصيب اليورانيوم، بغض النظر عن إعلان إيران بأن برنامجها يحمل الطابع السلمي وليس لإنتاج السلاح النووي، مع إدراكها بأن قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بتحجيم توجهات إيران عن طريق نهج الحصار الاقتصادي يؤثر حتماً في فاعلية أداء الميزان التجاري عند الدول العربية، إلا أنها ترى أولوية الملف الأمني في المنطقة يجب أن يبقى ضمن الإستراتيجية الآنية والمستقبلية لديها.
ولم يكن هذا التجاهل عائداً فقط إلى طبيعة الأولويات التي كانت تحكم هذا النظام، لا سيما فيما يتعلق بإعطاء الأولوية لتأمين الثورة وحمايتها ونشر مبادئها وأفكارها في المحيط الإسلامي، بل كان عائداً في الوقت نفسه إلى شيوع قناعات فكرية محددة لدى قادة الثورة (وبالأخص الإمام آية الله الخميني) لا تعطي اهتماماً كبيراً للقضايا المرتبطة بالطاقة النووية، وهذه القناعات كانت تنبع غالباً من عدم الإدراك الصحيح بالإمكانيات العلمية والإستراتيجية التي يوفرها امتلاك خبرات وقدرات هامة في المجال النووي إلا أنه سرعان ما شرعت إيران في إحياء برنامجها النووي بعد سنوات من اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية. وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية تزايدت جهود طهران في المجال النووي؛ حيث ركزت تلك الجهود وقتذاك على اتجاهات محددة تتمثل في: استكمال محطة بوشهر للطاقة النووية، واستكمال البنية النووية الأساسية، والعمل على استعادة الطواقم البشرية العاملة في المجال النووي، ومواصلة إجراءات التقاضي لتسوية الخلافات حول الصفقات التي كان نظام الشاه قد أبرمها مع الشركات الفرنسية، والتعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول في المجالات النووية، وقد اعتمدت إيران في ذلك الوقت بقوة على كل من الاتحاد السوفييتي والصين بعد أن فشلت جهودها في استئناف التعاون مع دول غرب أوروبا، ومن ثم عملت إيران منذ ذلك الحين على أن تمتلك بنية أساسية كافية لإجراء الأبحاث النووية المتقدمة، وقامت الحكومة بنشر المنشآت النووية الإستراتيجية على مساحة واسعة، وأحاطتها بجدار هائل من السرية، وذلك تحسباً لأية ضربات عسكرية.
وليس بخاف إصرار الرئيس الإيراني آنذاك أحمدي نجاد على استكمال أركان البرنامج النووي الإيراني مبرراً ذلك بما يلي من اعتبارات لا زال متقوقع على نفسه ضمن الكيان السياسي القطري وفق منهجية سياسية فرديه في معظمه – لم يطور آليته السياسية وينزل خطوات إلى شعبه ويتصالح مع نفسه ومعهم – يهمه أمنه القطري بمعزل عن الأمن القومي العربي المتكامل – يركز فقط هنا على مقاومة الإرهاب المدان محليا” وعالميا” دون التعمق في معالجة أسبابه بعمق وجرأة سواء” من الداخل أو على مستوى إقليم الشرق الأوسط وبحيث يحجم الأصوليين والسلفيين ليرتقي بالدين لعقيدة روحيه تهذب الإنسان وتطور مفاهيمه وتحدثها وكذلك أخلاقه ويفصل الدين عن السياسة بشكل حازم.
لا شك أن العالم العربي يعيش مخاضا غير مسبوق فيما بات يُعرف بالربيع العربي أو الثورات العربية،ولكن،ككل مخاض تبقى التخوفات واردة،ليس بالضرورة من باب التشكيك بالثورة بل من باب الخوف عليها وأحيانا منها . تدل الشواهد التاريخية بأن الحكم على الثورات لا يكون من خلال خروج الجماهير للشارع ضد النظام ولا من خلال إسقاط رأس النظام ،بل من خلال مخرجاتها النهائية بمعنى التغيير الجذري للنظام: سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ،أيضا أن الثورات لا تؤتي أكلها مباشرة فقد تحتاج لسنوات حتى تستقر أمورها ويشعر الشعب بأن تغييرا إيجابيا قد حدث،إلا أن مؤشرات تظهر في بدايات الثورة يمكن من خلالها تبليغ رسائل طمأنينة أو رسائل قلق وخوف من المستقبل إن كانت الثورة في تونس ومصر موجهة ضد أنظمة حليفة لواشنطن
وغير معادية لإسرائيل وتندرج في إطار ما يسمى بمعسكر الاعتدال ،مما يرفع من سقف توقعات القوى المعارضة للغرب، فإن الثورة امتدت لأنظمة من معسكر الممانعة أو قريبة منه كسوريا وليبيا وهذا يدفع للتساؤل عن طبيعة القوى التي ستستلم مقاليد الأمور في حالة انهيار هذه الأنظمة وما طبيعة علاقتها بالغرب وإسرائيل وقد رأينا كيف باتت الثورة الليبية تحت رعاية وحماية حلف الأطلسي والأمم المتحدة. هناك ملاحظة مهمة في الثورات المصرية والتونسية والليبية والسورية وهي أن المتظاهرين كانوا يرفعوا شعارات ويرددوا هتافات تعبر عن مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية محددة وكلها لها طابع وطني بعيدا عن أية أيديولوجية،فلم يتم رفع شعارات معادية لواشنطن أو للغرب ولا حتى لإسرائيل ،لم تحرق أعلام أمريكية أو إسرائيلية ،لم يتم ترديد شعارات كبرى كالمطالبة بتحرير فلسطين أو قطع العلاقات مع إسرائيل الخ.بصيغة أخرى كانت مطالب وطنية تندرج في إطار الإصلاح الديمقراطي .

الدكتور عادل عامر
كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة