أدونيس القاعدة والأصول

تاريخ النشر: 11/05/13 | 8:44

في مناسبة شائعة وروتينيّة مُنِح الشّاعر العالمي أدونيس "جائزة باور كا فوسكاري "ملتقى الحضارات" في مؤتمر دولي للكتّاب أقامته جامعة كا فوسكاري في فينيسيا "البندقيّة" بإيطاليا، لهذا العام 2013، بين 10 و14 من شهر نيسان الجاري. وطبعاً، بل من بديهيّات الأمر أن تقام له للمناسبة، "أمسية شعريّة- فنيّة خاصّة مع صديقيه الرّسّام ماركو روتيللي، وعازف البيانو فرنشيسكو ديرّيكو".

اسم الجائزة واسم الجامعة ومكانتها العلميّة واسم صديقيه جاءت تحصيل حاصل ومن مكمّلات الحدث الأساسيّ والشّائع، فأدونيس مُنحَ جائزة.

يرى الشّاعر العالميّ في مقال حديث منشور في جريدة الحياة تحت عنوان "مناسبة تاريخيّة فريدة" وعنوان فرعيّ "خواطر حول الأحداث العربيّة"، أنّ الأحداث العربيّة "وليست الثّورات طبعاً" هي "مناسبة تاريخيّة فريدة لفهم العرب ميدانيّاً كيف يفكّرون، وكيف يعملون؟ من هم في رؤيتهم للآخر العربيّ، والآخر غير العربيّ؟ الخ…

هذه التّساؤلات التي أدمنها طوال خمسين عاما مرّت، ليثبت ريادته وتخلّف العرب. هنا لا يتخلّى أدونيس أبداً عن صورة العالم الذي يدرس الموضوع "العرب"، وكأنّهم فئران في مختبر علمي، حيث يقف باعتداد خارج الصّندوق الزّجاجي الذي تتحرّك فيه الفئران وينظر إليها باهتمام علميّ، ودقّة ملاحظة مع شعور طبيعيّ بنوع من الغثيان المنهجيّ جرّاء إدمانه هذه الحالة الباعثة على الكآبة "دراسة العرب مجدّداً، وتخلّفهم المقرف".

هل من المبالغة القول أنّه يطرح ذات الأسئلة والتّساؤلات والإشكاليّات منذ خمسين عاما ونيف؟ ولكن ثمّة ما هو جديد ومتجدّد، وأقصد ثورات الرّبيع العربي، إذ بدا وكأنّ عدّته النّظريّة والفكريّة باتت قديمة ولا تصلح لتفسير وتحليل ما يحدث. الأمر الذي يستلزم الظّهور الدّوري للشّاعر المتألّه ليدلي بدلوه القديم في الآبار الجديدة. فهاهو يقول:

"ظهر في هذه الأحداث كتّابٌ ومفكّرون يمكن وصفهم بأنّهم طيِّعون سلَفاً لمعتقداتهم، خاضعون لأفكارهم المسبقة، يطبّقونها على نحوٍ مباشر وآليّ من دون تفحُّص، ومن دون تساؤل". هل تراه يتحدّث عن نفسه دون أن يدري؟

الغريب أنّه يبني لنفسه سياقاً أشبه بنشرة أخبار صادرة من قناة رسميّة سوريّة، وليس في القول أيّ مبالغة، "تثبت هذه الأحداث انحسار الخطاب العروبي الوحدوي، أو القومي العربي. الجامعة العربيّة، أو المؤسّسةُ التي تُسمّى بهذا الاسم، مسرحٌ صارخٌ لتلك الهيمنة، ولهذا الانحسار". إلى أين سينتهي الرّدح الأدونيسيّ؟ وإلى أين سيصل؟

بشكل منطقيّ ومتناغم مع السّياق يجب إعادة توصيف الشّعب "ماذا تعني كلمة "شعب" في خضمّ الخطابات الكثيرة الرّاهنة؟ خصوصاً أنّ كلّ خطابٍ يدّعي الانطلاقَ من إرادة "الشّعب" ومن الانحياز له؟

نعرف أنّ لهذا السّؤال أجوبة متعدّدة كثيرة، فليس هناك معنى محدَّدا واحدا لهذه الكلمة "الأيقونة": الشّعب، وهذا يستدعي بالضّرورة أن يُضافَ إلى سؤالِ النّوعِ "مَن الشّعب؟" سؤالُ الكمِّ "ما الشّعب"؟ هما سؤالان يذكّران بما يقوله الفيلسوف الألمانيّ "كانط": "الإنسان حيوانٌ يحتاج إلى سيّدٍ، يحتاجُ هو بدوره إلى سيّدٍ… ".

وإذا كان الفرد في المفهوم الأدونيسيّ غير حرّ فكيف يمكن للشّعب الذي يتكوّن من مثل هؤلاء الأفراد أن يكون حرّاً؟

هل يستبق الحديث عن التّقسيم ويعدّ له عدّته النّظريّة؟

والأدهى من ذلك أنّ هذا الشّعب العربيّ "لا يزال يعيش في "ثقافة" الخلافة، دينياًّ وسياسيّاً واجتماعيّاً" وبالتّالي لن تنجح ثوراته التي لم تكن في السّابق سوى تصارع على السّلطة ما لم يقطع بشكل كامل مع ثقافته، أي ثقافة الخلافة، ليؤسّس لثقافة أخرى.

هنا تتألّق "خارطة الطّريق" الأدونيسيّة والوصفة السّحريّة المكرّرة دائماً والتي باتت لا تعني شيئاً سوى رصف كلمات تحيل دوماً إلى صورة أدونيس كونه "أفهم شخص في عالم عربيّ متخلّف" كما عبّر أحدهم.

أدونيس المحارب الشّرس للأصوليّة يستبطن بعضاً من ضحالة خطابها وأدواتها عندما ينظر إلى هذه الأحداث من زاوية الصّراع بين الغرب والشّرق. ويصفها بأنّها "حروبٌ صليبيّة" معكوسة، لها أهداف ظاهرة:

1 – تعمل "المسيحيّة السّياسيّة" الغربيّة ضدّ "المسيحيّة المشرقيّة" على قيام دول عربيّة-إسلاميّة معتدلة، وما ذلك إلاّ لتعطي مشروعيّة إسلاميّة لتأييدها يهوديّة إسرائيل.

2 – تعمل هذه "المسيحيّة السّياسيّة الغربيّة" على الخلاص من "الأصوليّين" المتطرّفين- الإرهابيّين، ومن "العلمانيّين"- الكَفَرَة، وأعداء الدّين.

3 – تُحقّق في هذه السّياسة "سيادتَها" على العرب المسلمين، وتُحصّن مصالحَها عندهم، و"تتملّك" ثرواتهم، وذلك من داخل، بإرادتهم الكاملة، وبالتّعاون الشّامل معهم.

وطبعاً تحليلات القنوات الرّسميّة السّوريّة ستكون حاضرة في النّصّ الأدونيسيّ لأنّ آخر الأهداف الظّاهرة هو أن:

4 – تُحكِّم اسْتراتيجيّتَها، وقوفاً في وجه روسيا وفي وجه الصّين.

حقّاً إنّها "رؤية سياسيّة بائسة، ضدّ التّقدّم، وضدّ التّاريخ، وضدّ الإنسان". وهذا ما يعرفه أدونيس جيّداً، ويقوله عن نفسه ورؤيته دون قصد ربّما ولكنّها حقيقيّة وصائبة تماماً.

من الممكن القول أنّ متابعة أدونيس لم تعد أمراً ذا بال فالرّجل صار عبارة عن جائزة أدبيّة وكتابة أسبوعيّة مكرّرة، لا هي بالمقال ولا بالشّعر ولا بالنّثر إنّها ما يكتبه الشّاعر والكاتب والمفكّر أدونيس حصراً، نمط خاصّ من الكتابة راج في السّنوات الأخيرة، يكتبه العظماء المتقاعدين من الحداثيّين العرب وهم في خريف العمر، وتلك حال الشّاعر أنسي الحاج وله قصّة أخرى.

تعليق واحد

  1. لم أقرأ بعد ما كتبه أدونيس في مقالته المذكورة الا ان لدي بعض الملاحظات أو التساؤلات:
    1. هل حقا هي ثورات؟ هل نشأت انظمة حكم مختلفة “جوهريا” عما سبقها؟
    2. هل نحن شعوب عربية؟ او امة عربية؟ أم لا زلنا قبائل؟
    3. اورد الكاتب ما توصل اليه ادونيس وهو لا يتفق معه. لكن ما هي نتائج تحليل الكاتب؟ على فرض ان ادونيس قد أخطأ، وهذا ممكن، فما هو التحليل الصحيح؟
    4. ما الخطأ في اتخاذ موقع خارج الحدث لدراسته؟ على العكس، هذا ضروري من اجل علمية الدراسة.
    5. لماذا هذا الحقد على الشاعر-المفكر؟ وعلى نيله الجوائز العالمية؟ أليس من الممكن ان كاتب المقال لا يفهم فكر ادونيس ولا يقدره؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة