" نعيب زماننا والعيب فينا "

تاريخ النشر: 21/04/11 | 6:05

بقلم: حسني بيادسة -باقة الغربية

من هنا نبدأ … وأولادنا فلذات أكبادنا هم البداية… فإذا أحسنّا تربيتهم، قطفنا -وأيم الحق- الثمار طيبة المذاق… أما إذا تعثرنا في تربيتهم، حصلنا على الحصرم والذي أدنى من الحصرم، وتخلّفنا عن ركب البشرية المتحضرة المتنورة… – وفي نظري، إن الميزان الذي تقاس فيه حضارتنا وتقدمنا هم أولادنا وبناتنا، والصغار منهم بشكل خاص ،- شئنا ذلك أم أبينا -، وهذه هي الحقيقة المؤلمة، والتي قد لا تعجب بعضا منا.

ولنبدأ الحكاية... اليوم هو الأول من عطلة الربيع لمدارسنا العربية في هذه البلاد، الوقت وقت الأصيل، وأنا اجلس في سيارتي الخصوصية – أمام بنك هبوعليم في بلدي – أنتظر عودة زوجتي، التي دخلت المصرف… أراقب المارة وأرد السلام على من يحييني؛ ولفت نظري أربعة أحداث في عمر الورود، واجزم أنهم طلاب مدارس، أكبرهم لا يتعدى الثالثة عشرة من عمره، وأصغرهم بالكاد أنهى العقد الأول من عمره… أربعتهم يرتدون أحدث الملابس، وينتعلون أخر صرخات عالم الأحذية، رؤوسهم تزدان بأغرب قصات شعر رايتها في حياتي ولا اعرف مصدرها!! الأربعة يشتركون في وليمة، بطلتها، كيس صغيرة من عباد الشمس، جلسوا على درجات المصرف الثلاث الصغيرة والضيقة، غير مبالين بزبائن المصرف، ومضطرينهم تجاوزهم، والالتفاف للدخول إلى المصرف.. اخذوا في التهام بذور عباد الشمس وتوزيع قشورها يمنة ويسرة والى الأمام، مستعملين بذلك ألسنتهم وأصابعهم… هذا المنظر المنكر، دفع بأحد المارة الغيورين إلى زجرهم وتوبيخهم على فعلتهم وطردهم من المكان الذي جلسوا فيه… لم يرق الأمر في أعينهم، ابتعدوا قليلا واخذوا بمضايقته، بأن شتموه وبصقوا نحوه، ثم هربوا بعيدا…

هذا المشهد – والذي أزعجني – عاد بي إلى صباح هذا اليوم، عندما تطرقنا أنا وصديقي إلى نفس الموضوع، عندما شاهدنا – ونحن نجلس في احد المقاهي- امرأة تسير في الشارع الرئيسي، ومن ورائها ثلاثة أطفال، هم في أعمار البراعم التي لم تتفتح بعد لتصبح أزهارا. الأول منهم يحمل في يده قطعة من الجليد الملون – والذي نسيمه ” اسكيمو” -، يمصها ثم يعيدها إلى يده، وقد تلطخت كف يده باللون الأحمر، وكذلك بعض من خده، وعلى جانبي فمه… أما الثاني، فقد انتهى من معركته من هذا الاسكيمو، وألقى بعصاها أرضا… أما الثالث، فكان يحمل كيسا ملونا من النايلون، يأكل من حباته وتتساقط بعضها أرضا، والأم – والله اعلم أنها أمهم – لا تلتفت إليهم، وكان أمرهم لا يعنيها – لا بكثير ولا بقليل – …؛ نظرت نحو صديقي وقلت له : هل كتب علينا أن نبقى على حالنا هذا ؟! إلى متى ؟ فإذا كان هذا حال أطفالنا اليوم، فما الذي نتوقعه ؟! ماذا حدث لنا ؟! وهل سنبقى على هذا الحال ؟!

” اللوم كل اللوم على المدرسة”، قالها صديقي… ” ولكنهم أطفالنا، لا زالوا في حضانة والديهم “… قلت ؛ ثم أضفت : البيت هو المدرسة الأولى يا صديقي، الأب والأم هما اللذان يصقلان الطفل ويكيفاه ” …فالطفل يولد على الفطرة، وأبواه يُهوّدانه أو يُنصّرانه أو يُمجّسانه ...”، كما قال رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم) …

هاتان صورتان مؤلمتان – وما أكثر الصور – ( واه أسفاه… ) ، ” نعيب على الغير، والعيب كل العيب فينا “، نعيش ونخادع أنفسنا، ونردد أسطورة المؤامرة التي تعشّش في أدمغتنا، نتهم الغير أننا ضحايا المؤامرة، ونحن السبب… وفقط نحن. وان كنا لا نعفي السلطات البلدية والرسمية من مسؤوليتها ولكن في مجالات أخرى. لنعترف بهذه الحقيقة المرة المؤلمة، أننا فشلنا في تربية أولادنا فلذات أكبادنا، وألا فما معنى أن نجد شوارعنا وساحاتنا ملأى بأنواع الأوراق والأكياس ألورقيه والبلاستيكية الفارغة والمنتشرة هنا وهناك…!!

وما ذنب المرايا الوقائية التي نصبتها السلطة المحلية، من اجل سلامة وحماية السوّاق والسابلة – على حد سواء -، لتلاقي هذا الجزاء السنماري ويقضي عليها أولادنا عن بكرة أبيها…

أما أسلاك الهواتف والكهرباء، فهي ما زالت تإن وتتوجع تحت طائلة الأحذية الصغيرة والدمى والملابس الرثة البالية المعلقة عليها، ولسان حالها يقول: …هل من يزيل عن كاهلي ؟!…

والسؤال الكبير المحيّر: هل سنتغيّر ؟! ومتى ؟! …

وانا أجيب : عندما نغير ما بأنفسنا، (… لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) … هكذا علمنا قرآننا الكريم، وعندما يتوقف الكبار فينا من إلقاء أعقاب السجائر، وعلب السجائر الفارغة على الأرض – والمنافض وسلال النفايات أمامنا – !!

وعندما نكف عن إلقاء القشور والزجاجات الفارغة على الأرض، وأحيانا من خلال شباك السيارة المتحركة…. حينها نستبشر خيرا أن شاء الله…

وكلمة لا بد منها – للآباء والأمهات – ؛ نحن في عطلة ربيع مدارسنا : إتقوا الله في أولادكم وبناتكم… علموهم ليس فقط علم الحاسوب والانترنت، بل علوم النظافة والأناقة والجمال، فانتم المدرسة الأولى ؛ فكما قال شاعرنا : ” الأم …- وأنا أضيف الأب كذلك- …مدرسة إذا أعددتها …اعتدت شعبا طيب الأعراق “

والله من وراء القصد …

تعليق واحد

  1. أحيّي الأستاذ حسني بيادسة على طرحه مثل هذه المواضيع الهادفة، وأوافقه الرأي
    في ضرورة غرس القيم الحميدة السامية في أبنائنا وأحفادنا الصغار، فهم مستقبلنا الواعد،
    والآمال منوطة بهم لنلحق بركب الحضارة، ونشارك في الإبداع والتطوير ولا نكتفي بالاستهلاك والتقليد!
    بورك يراعُك يا أبا إياد، ودام عطاؤُك!
    لك خالص المودّة والتقدير
    “عديلك” – د. محمود أبو فنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة