الأصولي أولا…

تاريخ النشر: 13/04/11 | 0:06

بقلم المحامي وسيم حصري

في ظل ما تعيشه الأقلية الفلسطينية من محاولات لانتزاع شرعيتها في الوجود، وذلك من خلال الممارسات القمعيه التي تنتهجها القوى الاستعماريه المتمثلة برأس مالها ومصالحها التوسعية في المنطقه، يحاول البعض من فلسطينيي الداخل أن يبحث في ذاته وأن يستعد لهذه المعركة الطويلة وأن يبحث عن الأدوات التي تمكنه من الصمود أولا، لا بل والانتصار اذ أراده. يبحث من يريد البحث ويمحص في كتبه وأدواته علّه يجد شيئا، ويكتشف أخيرا أن هنالك من عمل على إخفاء الأدوات وقمع من نادوا بالعمل بها، من خلال زرع بذور الأصولية وتنميتها، بالمال والإعلام، والترويج لها. نعم إنها القوى الاستعمارية مستعبدة من خدرت عقولهم لتحقيق اهدافها.

على من يريد الصمود والانتصار أن يدرك خطورة امتداد واتساع المد الأصولي. يقول الكاتب السوري معتز الخطيب في مقال نشر في موقع الجزيره نت، حيث يبحث دوافع الأصوليين ونشأتهم من منظور كونهم ضحايا للعولمة:

“صحيح أنه لا يمكن الحديث عن وعي كاف بالعولمة وحركة الفكر العالمي لدى القاعدة وغيرها من حركات العنف المسلح، لكن الحس الديني العالي لدى هؤلاء، وتكوينهم النفسي والفقهي الخاص، وظواهر الحداثة الملموسة عمليا، أشعرت الجميع بأنهم مهددون في وجودهم وفي دينهم، وأنهم لابد أن يقوموا بدورهم للالتزام بما يمليه عليهم اعتقادهم بناء على “تصورهم” للمشكلة والحل.

إذا فإن الحس الديني العالي لهؤلاء يدفعهم الى ارتشاف المخدر ليصدق كارل ماركس بقوله إن “الدين افيون الشعوب”, ملخصا بذلك العملية التي عززها الاستعمار لتحقيق مآربه، ولو قدر لماركس أن يعلم الآن أن الاستعمار هو من استفاد من هذه النظرية لما خطها أصلا, ليس ذنب ماركس أنه حذّر أكبر من ذنب اليسار والعلمانيين في استخدام فهمهم للأمور من أجل محاربة الاستعمار.

الأصوليه كإيديولوجيا تمتد وتتغلغل في الدول العربيه بشكل أساسي ومن ثم إلى معاقل الدين في الغرب لتصل بتفرعاتها إلى أكثر المناطق حساسية وحاجة إلى الوحدة الوطنية لمواجهة قوى الإستعمار، كالعمل بين صفوف الفلسطينيين على جانبي جدار الاحتلال. إن الأصولية في فلسطين تعتبر أكبر هدية للاستعمار ولإسرائيل كمشروع صهيوني استعماري، فتزويد وتشجيع من بنى بنية تحتية للأصولية ومن قام بتثقيف الكوادر على الأصولية يؤدي إلى تعطيل عمل هذا الشعب الهدف، وتركه مشغولا بأموره الداخليه كي يصبح اختراقه وهزيمته عسكريا أسهل.

يخفي الإستعمار الاصوليين بين براثن الحركات الدينية (ليس بالضرورة الإسلامية) ويغذي افرادها بالعتاد والسلاح لأن هذه الحركات تشكل تربة خصبة لنمو الافكار المتطرفة وتوسيع نطاق عمل الأصوليين. هذا التخفي تستغله اسرائيل لافشال المشروع الوطني الفلسطيني بالتشبث بذرائع لقمع الفلسطينين من خلال العمليات في الضفة الغربية وقطاع غزه . تدرك اسرائيل جيدا ان خطابها الاعلامي بتصوير تدخل اجندات خارجيه في القطاع المحتل سيخدم مصالحها المتجليه بافشال مشروع اقامة الدوله الفلسطينيه المستقله بعد العزله الدوليه المفروضه على اسرائيل في هذه المرحله, ليس هذا فحسب بل ان اسرائيل تحاول اقناع الفلسطينين انفسهم بانهم يواجهون اجندات خارجيه من ايران وسوريا في في قطاع غزه وتوهمهم بان اسرائيل هي التي ستخلصهم من هذه الاجندات.

فلسطينيو الداخل يشكلون لقمة سائغة في يد إسرائيل، فاضطهادهم المباشر محمي بادعاء الأمور الداخلية والمواطنة، فقلما يصدق العالم أن مواطيني دولة ما يتعرضون لاضطهاد عرقي من قبل دولتهم. ولن يرف جفن لأجهزة الإعلام العميلة للإستعمار حين تظهر المساواة بين العرب واليهود في اسرائيل في برامجها عن تعايش الحمص والفول. من هنا تدرك اسرائيل أن حربها ضد الأقلية الفلسطينية هي حرب مفتوحة لا حدود لها، ومحكمة العدل العليا الإسرائيلية تشرعن هذه الحرب وتصادق على قرارات وتوصيات الشاباك بسن قوانين فاشية بحتة، بتفسيرات قانونية تعتمد بالأساس على التمييز الضمني بين ما هو يهودي وبين أي شيء آخر (انظر ما قاله رئيس الشاباك السابق “ديسكين” لسفير الولايات المتحده في العام 2008 حول أهداف قانون منع الشمل الذي صادقت عليه المحكمه العليا- وثائق ويكيليكس).

تغذية الاصوليه في أوساط الفلسطينيين في الداخل تمهد ايضا لترحيلهم عبر قمعهم وطردهم بادعاء أنهم طابور خامس ويستوردون أفكار القاعدة التي أنشأها الـ(سي أي إيه) أصلا، ليقف العالم في صف العالم الحر الذي ابتدعته امريكا ويصفق للترحيل، وهذا ما نخشاه في هذه المرحلة.

من الضرورة أن تحدد الأقلية العربية أهدافها وأن تتوجه إلى العالم لتجنيد موقف منافٍ للمشروع الصهيوني الإستعماري في المنطقة. على إسرائيل أن تعرف جيدًا أن هنالك من سينتفض ليضرب بيد من حديد على الطاولة أو على أي شيئ آخر إذا استمرت اسرائيل بمشروعها لترحيل الفلسطينيين من شبر واحد من أرضهم.

يتحتم على الفلسطينيين في الداخل أن يوقفوا بأجسادهم هذا المد الأصولي المتمثل بالحركات الدينية من جهة، والرجعية العربية من جهة أخرى. وعلينا أن ندفع الأحرار في هذا العالم ليقفوا معنا في صف واحد أمام إسرائيل في هذه المرحلة لنعزز بقاءنا. وعلينا جميعا أن ندرك حجم المؤامرة التي تحاك ضدنا كأقلية في وطننا المغصوب.

لم أعرف جوليانو مير خميس شخصيا ولكني أعرف أن الاصولية قد قتلته، ولن أحيد عن هذه المعرفة إذا اتضح أن قاتليه ارتكبوا الجريمة بأيدٍ عربية أو إسلامية أو حتى يهودية صهيونية.

فيا رفاقي في الانسانية ويا رفاقي في الأممية، هبوا للجم المخطط الإستعماري وإفشال خططه، ولتوحيد الطبقات المسحوقة وشحن وعيها لحجم المخطط وخطورة المرحلة القادمة.

تعليق واحد

  1. أنا أوافقق الفكر والفكرة، والتنويه الى الخطر المحدق بنا، والذي يجهله الكثير من الناس. فبارك الله فيك على ذلك. إلّا أنّي أخالفك تماما بأخذك لآراء كارل ماركس لبرهنة فكرتك، بيد أن لا علاقة بينهما من جهة، ووجهة نظر ماركس هي ناصية خاطئة كاذبة.
    ثانيا، أنا أخالفك بالنسبة للتعميم وحديثك المغلوط عن الدين. القارئ البسيط يشعر أن نصيحتك هي الابتعاد عن الدين، هذا الغول كما تصوره، ولا أحسبك تقصد ذلك. أخيرا، اعلم اخي انّ فلاح ونجاح هذه الامة هو فقط بنا اعزها الله به، ألا وهو الإسلام الحنيف، ملة ابراهيم وما كان من المشركين.
    في احدى الجامعات الامريكية العريقة، رأيت عمارة خصصت للاديان، وكان منحوتا عليها من الخارج بحروف عظيمة وباللغة الانجليزية واللاتينية انّ “…اقيم للطلاب ليعلم ان الدين والعلم يمشون يد بيد لنماء النفس والمعرفة…”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة