الجزء الثالث: جمال عبد الناصر والاخوان المسلمون

تاريخ النشر: 28/10/10 | 3:55

بقلم: الاستاذ فؤاد كبها

تحليل ونقد وتقييم: كان اغتيال حسن البنّا عام 1949 (مؤسس حركة الاخوان المسلمين)، وماسبقه من اغتيالات سياسية قد زاد من حدة المرارة التي ذاقها الشعب المصري، الذي ملَ ويأس من الاوضاع الاجتماعية والدينية، والاقتصادية، والسياسية.

كان دم مؤسس حركة الاخوان المسلمين قد جعل بعض الاوساط المصرية في حالة من الاحباط والغليان، بسبب الوجود الاجنبي ومعاونيه أمثال الملك فاروق وحاشيته والطبقات العليا والاحزاب العلمانية التي رأت بحسن البنّا عائقاً في مسيرة التقدم والانفتاح نحو الغرب.

كان السواد الاعظم من الشعب المصري ميالاً الى الدين والتدين سواء كان مؤيداًً لحركة الاخوان او كان بعيداً عن هذه الحركة، ولكنه كان قريباً في وجدانه وقلبه مع روح الافكار التي روّجها حسن البنّا وزملائه من الاخوان الذين زرعوا بذرة هذه الحركة في مدينة الاسماعيلية بالقرب من قناة السويس في عام 1929، وبالقرب من اهم القواعد العسكرية الاجنبية الانجليزية التي رابطت على ضفتي قناة السويس الشريان الحيوي لبريطانيا الذي يوصلها مع مستعمراتها في الشرق

ان اغتيال الزعيم البنّا قد بنى الكثير من المشاعر الساخطة، ووجد ارضا خصبة في جميع المدن المصرية التي رأت بهذا الاغتيال مؤامرة دنيئة خسيسة اشترك فيها الاجنبي ومساعده وتابعه في مصر الذي استفاد من وجود الاستعمار البريطاني بعكس الطبقات السفلى المغلوب على امرها.

ثم ان هزيمة مصر امام اسرائيل قبل عام واحد من الاغتيال قد زاد من اندفاع الاحاسيس القومية والوطنية الدينية لدى الغالبية العظمى من الاوساط المصرية.

كان التعبير عن حالة الغليان، عندما قامت الطبقات الفقيرة فلاحون وعمال بمهاجمة محلات ومتاجر وشركات ومصانع رجال الاعمال الاجانب في يناير 1952، وقد سُميت هذه الاحداث بحريق القاهرة.

وهنا كانت نقطة اللقاء بين الضباط الاحرار والاخوان للتعاون معاً للتغيير والخروج من هذه الحالة السيئة الى حالة تعطي مصر السيادة الكاملة على اراضيها والتخلص من الاستعمار والاحتكار، ومن اسرة محمد علي التي حكمت مصر فترة طويلة، واعتبرت مصر مزرعة رخيصة خاصة بها علما ان هذه الاسرة هي اسرة تركية بالاصل وليست مصرية الجذور، وقد كان الملك فاروق اخر من حكم من هذه الاسرة قبل ثورة 23 يوليو عام 1952.

وعندما قامت الثورة واستيقظ الشعب المصري في 23 يوليو على البيان الاول الذي سمعه المصريون من محمد نجيب، صديق الضباط الاحرار، والاخوان المسلمين في آن واحد، هللّ الشعب المصري بغالبيته لهذا التغيير، وجاب الشوارع فرحا وتاييدا لهذه الثورة، وقف المعارضون مذهولين مصدومين بدون ان ينبسوا ببنت شفه واحدة (كلمة) خوفا ورعبا، فاصبح المرعب بالامس يرتجف خوفا بعد هذه الثورة الناجحة والتي كانت عبارة عن ثورة سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية في آنٍ واحد،صمت المعارضون من الاقطاعيين والملكيين والبرجوازين الكبار امام هذه التيار الجارف.

لهذا مرت هذه الثورة بدون سفك دماء، فقد كانت ثورة بيضاء، بسبب تأييد غالبية الشعب المصري للقيادة الجديدة المصرية قيادة الضباط الاحرار وعلى راسهم جمال عبد الناصر الذي لاقى التاييد والعون من حركة الاخوان المسلمين ومن الطبقات الكادحة من فلاحين وعمال، فكان هذا الشعب متعطشاً لاحداث تغييرات جذرية في جميع المجالات.

وهنا نستطيع القول ان حركة الاخوان المسلمين كانت سنداً آزرت وساعدت حركة الضباط الاحرار بل شجعت الضباط الاحرار ان يختاروا الوقت المناسب للسيطرة على الحكم بدون عناء كبير.

والسؤال هو: لماذا حدثت القطيعة والانفصام بين الاخوان المسلمين وبين حركة الضباط الاحرار التي تزعمها جمال عبد الناصر؟

لكي نجيب على هذا السؤال يجب ان نعيش السياق نفسه ونتذكر بعض الامور والاحداث التي حدثت بعد نجاح الثورة.

اعلن عن قيام الجمهورية، واصبح محمد نجيب اول رئيس للجمهورية، لكن سرعان ما اختلف محمد نجيب مع جمال عبد الناصر، فنرى محمد نجيب يتعاطف مع الاخوان المسلمين ويعترف بدورهم القيادي، الا ان عبد الناصر وزملائه الاخرين يتنكرون بعض الشيء ويتحفظون من هذه الاراء، وبعد ذلك يقوم جمل عبد الناصر بالسيطرة على الحكم معلنا عن تنحية محمد نجيب ليكون تحت الاقامة الجبرية في بيته، وبعد نجاح معظم الثورات يعلمنا التاريخ ان مراكز القوى تبدا في صراعات خفية واحيانا مكشوفة للعيان فكل جهة تدعي بان لها الفضل الاول في التغيير واحيانا تصل الاتهامات حتى المهاترات الشخصية فينقسم الناجحون على انفسهم ويتهمون بعضهم البعض باتهامات تصل الى حد المؤامرة والخيانة العظمى، وسرعان ما ينسون المسيرة معا نحوى النجاح ينسون العناء والرحلة الطويلة وكل في فلكه يسبح فهذا عبد الناصر يتهم الاخوان المسلمين الذين ساندوه بالامس بالتآمروالغدر والعكس هو الصحيح، ويجد جمال عبد الناصر مستمسكا قانونيا لملاحقة الاخوان بعد اتساع الفجوة بينهما بالافكار والمبادئ فهنا لا بد ان تبدأ الخلافات، فكلٍ من جانبه يرى طريقة الاخر مرفوضة، وتبدأ ازمة الثقة بين حلفاء الامس.

ولكن القوي هو الذي ينجح في فرض افكارة ومبادئه، والقوي هو الذي يكتب التاريخ او يصنعه، وعندما يشعر هذا القوي بنشوة الانتصار يذهب بعيداً، ويتهم الاخوان بالتآمر عليه، ويأتي بالدليل ولا ندري نحن هل كان هذا الدليل مفبركاً او حقيقياً، فقد كانت “حادثة المنشية” في الاسكندرية في عام 1954 حين وجهت سبع رصاصات على عبد الناصر بعد ان كان واقفاً يخطب ببراعة يجيد فن الخطابة قائلاً: “لا تقلقوا فاذا مات عبد الناصر، فكلكم عبد الناصر”.

كانت هذه الحادثة قد رفعت من اسهم جمال عبد الناصر وقللت من اسهم الاخوان المسلمين الذين اتهموا بهه المؤامرة التي كادت ان تودي بحياة جمل عبد الناصر.

وفي ظل هذه الظروف اصبح جمال عبد الناصر (قديساً معذباً)، كما روّجت له الصحافة المصرية، والمؤرخون الناصريون التي هللت لنجاته باعجوبة بعد تآمر الاخوان عليه لان الطلقات والرصاصات خرجت من مسدس يحمله احد المنتمين الى حركة الاخوان.

وفي هذه الحالة كان باستطاعة جمال عبد الناصر ان ينفرد بالحكم ويحكم بصورة اوتوقراطية بحجة الحفاظ على الامن والشعب وان يأمر بملاحقة الاخوان وزجّهم بالسجون، معلناً الحرب عليهم كحرب وقائية، فلماذا لا يفترسهم قبل ان يفترسوه؟

ولماذا لا يقدم “سيد قطب” الى المحاكمة السريعة ذلك الرجل الهام بعد حسن البنّا؟ ولماذا لا تحكم عليه المحكمة بالاعدام؟

اسئلة كثيرة يمكن ان تسأل اذا عدنا الى الوراء، وحاولنا ان نعيش الظرف ذاته ونغضب لغضب عبد الناصر، ونتنكر للاخوان المسلمين، الذين قدموا السلطة لجمال عبد الناصر على طبق من فضة.

وهنا يمكن ان نتذكر قصة الشاب الذي اعار حذائه لصديقة يوم عرسه لانه لا يملك ثمن حذاء جديد واذا بالصديق يصيح باعلى صوته امام المدعوين انتبه جيدا وحافظ على الحذاء ولا تبالغ بضرب الارض به اثناء الدبكة، عندها قام العريس بخلع الحذاء ورماه في وجه صديقه ودخل على عروسه حافي القدمين في ليلة البناء، وهكذا فعل جمال عبد الناصر بالاخوان المسلمين الذين ساندوه وذكروه في كل مرة بان الكرسي الذي تجلس عليه كان بفضل الاخوان المسلمين فاراد جمال عبد الناصر التخلص من هؤلاء الذين اصبحوا عبئا عليه والذين ارادوا مشاركته في الحكم وتسييره كيفما شاؤا فكان لزاما عليه ان يرمي الحذاء الذي اعاروه له يوم الثورة.

لقد نجح عبد الناصر في تحقيق انجازات هامة على الصعيد الداخلي والخارجي في جميع المجالات وذهل العالم العربي من هذه النجاحات ناهيك عن احترام الشعب المصري لزعيمه الذي نمى وترعرع بين اسرة فقيرة وهذه الانجازات قد دفعت باخطائه الى الزاوية وتقزمت هذه الاخطاء في ظل هذه الانجازات العظيمة خصوصا بعد توقيع اتفاقية الجلاء واصدار قانون الاصلاح الزراعي وتامييم قناة السويس اي ملك للشعب”والتصدي للعدوان الثلاثي والمشاريع الاستعمارية مثل مشاريع ايزن هور.

(سنتحدث عن مشروع ايزن هاور وجمال عبد الناصر)

فنظرة بسيطة الى الدراسات الحديثة نجد نوع من الاستغراب عند بعض المؤرخين المنتفعين المتسلقين واحيانا قد نجد العذر لهؤلاء المؤرخين الذين يريدون ان ياكلوا خبزا ونعطي مثالا لمثل هؤلاء المؤرخين الذين اشتهروا في مصر في عهد جمال عبد الناصر امثال الدكتور احمد شلبي الذي كتب الموسوعة التاريخية الاسلامية التي اثارت الكثير من الاعجاب عند دارسي التاريخ ولكننا نراه متحمسا للناصرية مؤمنا في الايديولوجية الناصرية عندما كان عبد الناصر حيا يرزق.

ترى لماذا تحولت افكاره في عهد الرئيس انور السادات؟.

وهنا اصبح المؤرخ الكبير الذي يشار اليه بالبنان سادتيا بحتا خالصا يحاول ان يفتش بين السطور والوثائق على الاخطاء التي ارتكبها جمال عبد الناصر ويعتز بفرعونيته ويتنكر لعروبته بين ليلة وضحاها فاصبح هذه المؤرخ على دين رئيسه الجديد كما كان في عهد جمال عبد الناصر.

والسؤال هو: من هو المؤرخ الصادق الامين؟

ولكي نفهم ما كتبه هذه المؤرخ يجب علينا ان ندرسة تاريخ هذا الرجل وتقلباته ثم الظروف التي اجبرته على هذه التقلبات في الاراء والافكار وهنا نصل الى حقيقة يجب ان لا ننكرها نحن دارسي التاريخ ان عدم التحيز بقصد او بدون قصد في كتابة التاريخ لا يمكن ان نلمسه بصورة كاملة فحتما ان يكون المؤرخ ميالا لهذا او ذاك لاسباب تتعلق بالظروف التي يعيشها والمتغيرات السريعة التي تحدث في ايامنا هذه، فهناك مؤرخون وهناك تاريخ ومن الواجب علينا ان ندرس تاريخ المؤرخين قبل ان ندرس افكارهم وميولهم التي وردت في كتبهم.

لنا لقاء في الحلقة القادمة مع مشروع ايزن هاور وافشال عبد الناصر لهذه المشروع ثم لنا لقاء اخر مع هزيمة 1967 ودور جمال عبد الناصر وصهره عبد الحكيم عامر في عام النكسة.

‫5 تعليقات

  1. عنجد موضوع هادف
    انا كثير بهتم بهيك مواضيع جديه وبتعالج تاريخنا الحافل بالاحداث
    تسلم ايديك على هيك فكره وعلى هيك مشاركه
    بتامل تتحفنا دايما
    اسماء عربيه تاريخيه متل هاي ممنوع تموت

    شكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة