عيد الفطر في الأدب ألعربي

تاريخ النشر: 09/09/10 | 10:41

إن قراءةً واعيةً لشعرنا العربي تظهر بما للشعراء من عناية فائقة بالعيد ملمحاً إسلامياً ذا أبعاد نفسية واجتماعية ، وما يرتبط بها من تجليات الفرح والحزن ، مما أكسبه أهمية خاصّة لارتباطه بأحاسيس الناس فرادى وجماعات ، في ضوء ما يعتريهم من مواقف وأحداث ، تلعب دوراً كبيراً في الإحساس به ، قُرْباً وبُعْداً ، حدّةً وفتورا .

تجلت عنايةُ الشعراء العرب بالعيد في رصد هلاله رصداً لا يخلو من طرافة ، ويُعَدُّ ابن المعتز (ت296هـ) أول من ربط بين الهلال وبين عيد الفطر ، فقال :

أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أنـافَ هـلالُـه

فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ

وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ

قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ مــن عَنْبَـرِ

ويصف ابن الروميّ (ت283هـ) أيضاً هلال شوّال وصفاً لا يخلو من طرافة وحُسْنِ بديع ، فقال :

ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله

كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه

تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ

يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ

وقد اقترن العيد بعادات اجتماعية كثيرة ، تأتي التهنئة في مقدمتها ، يُزْجيها الإنسانُ لمن يُحِبُّ ويودُّ ، وقد وجد الشعراء في العيد متكأ ، عليه يتقرَّبون من بلاط الملوك ، تحركهم غاياتٌ تكسبية خاصة ، فاقترن العيد بعدد لا يحصى من عيون الشعر العربي، مثال ذلك قولُ البحتريّ (284هـ) للمتوكل الخليفة العباسي (ت274هـ) مهنئاً ومادحاً :

بالبِـرِّ صُمْـتَ وأنتَ أفضلُ صائـمِ

وبسنَّـةِ اللهِ الـرَّضيَّــةِ تُفْـطِـرُ

فانْعَـمْ بعيـدِ الفـطـرِ عيـداً إنّـَهُ

يـومٌ أغـرُّ مـن الزمـانِ مُشهَّـرُ

وقد أكثر شاعر العربية الأكبر (المتنبي ت354هـ) من قصائده التي أزجاها لممدوحيه مهنئاً إياهم بقدوم العيد، مثال ذلك قوله يمدح سيف الدولة عند انسلاخ شهر رمضان عام 442هـ :

الصَّـوْمُ والفِطْـرُ والأعيادُ والعُصُر

منيـرةٌ بـكَ حتى الشمسُ والقمـرُ

وقوله من أخرى يبدؤها بقوله :

لكـلِّ امـرىءٍ من دهـره ما تعوّدا

وعادةُ سيفِ الدولةِ الطَّعْنُ في العِـدا

ثم يهنئه بالعيد قائلاً :

هنيئـاً لـكَ العيـدُ الذي أنتَ عِيدُه

وعيـدٌ لمـن سَمَّى وضحّى وعيّـدا

ولا زالـتِ الأعيـادُ لُبْسَـكَ بعَـده

تُسَلِّـمُ مخـروقـاً وتُعْطى مُجــدّدا

ومثل ذلك يمكن تلمُّسـه لدى كثير من شعرائنا العرب القـدامى : كتميم بن المُعِـزِّ (ت374هـ) وابن المعتز (ت296هـ) ، وابن سكرة الهاشمي (385هـ) ، وابن زيدون (ت463هـ) وابن هانئ الأندلسي (ت362هـ) .. وغيرهم كُثْرُ .

وتأرْجُحُ الإحساس بالعيد لدى المتنبي يجعل تجربة العيد لديه تجربة فريدة ، أوقعته بين الشيء ونقيضه ، فإذا كان قد خلّد بقصائده العيديات (إن جاز هذا التعبير) ذِكْرَ ممدوحيه ، فإنه جَسَّد – في الوقت ذاته – عمق مأساته ، فقال :

عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـدُ

بمـا مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ

أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم

فليـت دونــك بيـداً دونهـم بيـدُ

ويُشْبِهُ المعتمدُ بن عباد (ت488هـ) المتنبي تبدُّلَ حالةٍ ، وإحساساً فادحاً بوَقْعِ المأساة، فقد أدركه العيدُ مكبلاً في أغمات يرى هوان نفسه وأهله ، فقال يخاطب نفسه راثياً إياها :

فيمـا مضى كنـتَ بالأيامِ مسروراً

فجـاءكَ العيـدُ في أغماتَ مأسـورا

تـرى بناتِـكَ في الاطمـارِ عاريةً

يطأنَ في الدَّيْنِ ما يملكـن قطميـرا

وإذا كانت التهنئةُ بالعيد قد أضحت سلوكاً يحرص الشعراء عليه منذ وظَّفوا ملكاتهم لغايات تكسبية ، فراحوا يُطوِّقون جِيدَ ممدوحيهم بقلائد شعرية خالدة ، فإن ثُلَّةً من الشعراء وجدت في التهنئة بالعيد وقبولها لَذْعَ ألم وأثرَ لهيب ، إذ كيف للمُعَنَّى بآلام وطنٍ مازال قيْدَ القَيْدِ أن يهنأ له بالٌ ، وأن يكتحلَ له جَفْنٌ بوَسَنٍ ، من بين هذه الطائفة يأتي الشاعر عمر بهاء الدين الأميري (ت1356هـ) نسيجَ وحدِه ، إذ يقول :

يقولـونَ لـي : عيـدٌ سعيـدٌ ، وإنَّهُ

ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ

أعيـدٌ سعيـدٌ !! يالها من سعـادةٍ

وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ

وينطلق الشاعر من العام، اوطاننا، إلى الخاص، الى فلسطين ، قضية العرب الكبرى، فيقول :

يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّاً مضرَّجـاً

بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ

عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً

ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة