البروفيسور ادوارد سعيد في ذكرى غيابه
تاريخ النشر: 01/10/11 | 23:22شاكر فريد حسن
تحل في هذه الايام الذكرى الثامنة لغياب المفكر والاكاديمي والمناضل الفلسطيني المعروف والبارز ، واستاذ الادب المقارن بروفيسور ادوارد سعيد .
يعد المرحوم ادوارد سعيد من ابرز مفكري عصره وجيله ، ومن الوجوه الاكاديمية والنقدية والفلسفية المشرقة في الثقافة الفلسطينية والعربية المعاصرة .شغل المثقفين في العالم منذ اكثر من اربعة عقود ونيف بمؤلفاته وارائه وطروحاته ، التي اثارت جدلاً عميقاً وصخباً واسعاً ونقاشات لا متناهية ، خصوصاً كتابه (الاستشراق). وقد شكل رحيله خسارة عظيمة وجسيمة بكل المقاييس للفكر العقلاني والنقدي والفلسفي والعلمي والحر وللثقافة العربية الانسانية والتقدمية الديمقراطية التحررية .
اهتم ادوارد سعيد بالادب المقارن والفلسفة والسياسة والموسيقى ، وانشغل بالنقد الادبي والبحث الاكاديمي العلمي ، وكان بمثابة مؤسسة اعلامية وثقافية مؤثرة . اتصف بتعدد اهتماماته وثقافته الواسعة والشمولية ، وكان مواكباً ومتابعاً للاحداث والقضايا اليومية ، ومعلقاً فطناً ، ومحاضراً لبقاً ، ومتحدثاً آسراً عميقاً ومؤثراً ، سابحاً ضد التيار ،عارضاً للفكرة الصائبة والموقف السديد ، وباحثاً عن الحقيقة . ونجد في كتاباته نظرات نقدية نفاذة.
وبالاضافة الى كونه ناقداُ ادبياً مرموقاً كانت اهتماماته السياسية والمعرفية متعددة ومختلفة ، وتتمحور حول القضية الفلسطينية والدفاع عن شرعية الثقافة والهوية الفلسطينية ،وعدالة قضية شعبه الفلسطيني وحقوقه الثابتة .
كذلك انصبت اهتماماته وموضوعاته على العلاقة بين القوة والهيمنة الثقافية الغربية من جهة ، وتشكل رؤية الناس للعالم وللمسائل المطروحة من جهة اخرى.
كان ادوارد سعيد صوت العرب الحر ، وقلب فلسطين النابض ، يحاور ويحاضر ويدافع بشراسة عن قضايا الامة العربية المصيرية والتحررية في الندوات والاجندة العالمية والامريكية . امتاز بالشجاعة والجرأة الفائقة والعناد في حواره وسجاله مع الآخر وفي طروحاته ومواقفه الفكرية والسياسية والفلسفية والنقدية ، وتجاوز ه لعقدة خنوع المثقف واستسلامه وتهافته ، بخلاف نهج ومسلك المثقفين العرب في المهاجر والمنافي.
ورغم انتمائه الى الديانة المسيحية الا انه لم يأل جهداُ في الدفاع عن الاسلام في وجه اعدائه.
وادوارد سعيد كان من اشد المعارضين والمناهضين لاتفاقات اوسلو ، وانتقد بشدة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، معتبراً اوسلو صفقة خاسرة للفلسطينيين ، وكان من المؤمنين بالحل المبني على قيام دولة ثنائية القومية .
آمن ادوارد سعيد بالفكر التنويري الانساني الكوني ، الذي يحترم حرية وكرامة الانسان ، وظل طوال حياته مسكوناً وملتصقاً بالقضايا والهموم الفكرية والسياسية الفلسطينية والعربية . وقد ترك وراءه ارثاً فكراً غزيراً فضلاً عن الكثير من الابحاث والدراسات والمقالات العلمية والتاريخية والفكرية والسياسية والادبية النقدية .
وفي كتابه “المثقف والسلطة” يتناول ادوارد سعيد قضية المثقف ودوره العلني ، فيرى ان المثقف هو فرد يضطلع في المجتمع بدور علني لا يمكن تصغيره الى مجرد مهني لا وجه له، او كعضو كفوء في طبقة من لا يهتم الا باداء عمله . مهمته ان يطرح علناً للمناقشة اسئلة محرجة ويجابه المعتقد التقليدي والتصلب العقائدي بدلاً من ان ينتهجهما.
ودور المثقف ـ كما يقول ويقترح ـ هو اثارة القضايا الانسانية الملحة داخل موقعه وفي عقر داره ، فليس المطلوب منه ان يصبح مسؤولاً في جهاز ثقافي او مؤسسة اعلامية ، بل ان يكون مستعداً لان يبدع في السياق الذي يعمل فيه مهما بعد عن المرارة.
اما مؤلفه “الثقافة الامبريالية” فيكشف مدى معركته الفكرية ضد الاستعمار الثقافي وغير الثقافي ايضاً . وهذا الكتاب هو استكمال للمسار الفكري الذي انطلق منه كتاب (الاستشراق).
ادوارد سعيد مفكر عميق ومثقف نقدي عضوي واستاذ اكاديمي بامتياز . اتسم بسعة الافق والعقلية النقدية المتوثبة المتوقدة ، خاض معركة الحضور الثقافي وقدم نموذجاً ومثلاً جديداً للفلسطيني والعربي المتعولم ثقافياً ، دون ان يغير جلده وهويته وعنصره ولسانه وانتمائه . تغلغل في روح عصره وعاش ومضى كما يليق بمفكر كبير ومبدع اصيل خلاّق ومناضل عنيد وشجاع غير هيّاب . وهو من قلة نادرة بين مفكري هذا العصر ممن عنوا بالتحليل العلمي للعلاقة بين الثقافة والامبريالية . وشكلت كتاباته وابداعاته وجهوده الفكرية والنظرية والفلسفية والنقدية ثورة معرفية في الثقافة العربية الجديدة ، مؤمناً بان دور المثقف يكمن في اثارة الاسئلة ليقلق الناس ويثير التأمل ويستفز الجدال والتفكير . ورغم غيابه قبل 8 اعوام الا انه لا يزال وسيظل حاضراً بيننا بفكره ووعيه وطرحه ، ونحتاجه اكثر من ذي قبل في زمن الثورات العربية .