شعائر خطبة وصلاة الجمعة من كفرقرع تحت عنوان “رحمة من الله أودعت في قلب سيد المرسلين”

تاريخ النشر: 06/03/10 | 12:09
الشيخ عبدالكريم مصري

بحضور حشد غفير من أهالي كفرقرع والمنطقة، أقيمت شعائر خُطبة وصلاة الجُمعة من مسجد عُمر بن الخطاب في كفرقرع، حيث كان خطيب هذا اليوم فضيلة الشيخ أ.عبد الكريم مصري “أبو أحمد”، رئيس الحركة الإسلامية في كفرقرع، وكان موضوع الخطبة لهذا اليوم المبارك، “رحمة من الله أودعت في قلب سيد المرسلين”، هذا وأم في جموع المصلين، الشيخ صابر زرعيني “أبو الحسن”، إمام مسجد عمر بن الخطاب.

* الشيخ أ.عبد الكريم مصري: الله جلّ شأنه لحكمة بالغة أراد أن تكون علاقته بعباده علاقة حب لا علاقة إكراه..* الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة..* الله عز وجل لن يعذب المؤمنين ما دامت سنة النبي الكريم مطبقة في بيوتهم و أعمالهم..* معرفة سيرة رسول الله فرض عين على كل مسلم..* هناك حقائق مهمة يجب الإنتباه إليها..* الشيء الخطير التي تقع به الأمة أن يغدو دينها عادة..* النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده وأمته معصومة بمجموعها..* الإستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين الإستجابة لله..* إمتلاء قلب المؤمن إيماناً عند سماع سيرة النبي الكريم وأقواله وأفعاله وإقراره..* على المؤمن ألا يفرح بالدنيا لأنها عرض زائل..* النبي الكريم رحمة مهداة ونعمة مزجاة..* حياة النبي الكريم منهج جليل لأجيال لا منتهى لأعدادها..* رحمة النبي في الكبير والصغير..*

ومما جاء في خطبته:” الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وآل بيته الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وإرضَ عنا وعنهم يا رب العالمين . اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

وتابع الشيخ:” أيها الأخوة الكرام، لازلنا في شهر ربيع الأول، ولكن الموضوع اليوم يحتاج إلى تقدمة ، فأولاً أراد الله جلّ شأنه لحكمة بالغة بالغة أن تكون علاقته بعباده علاقة حب لا علاقة إكراه فقال تعالى:” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ “، أرادك أن تأتيه مختاراً، أرادك أن تؤمن به محبة، أراد أن تكون إستجابتك له بمبادرة منك وليس بالقصر، والذي يؤكد أن الله عز وجل لا يرضى أن يكرهنا على الدين ما البديل قال تعالى:” يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ “، يريد عباداً يحبهم ويحبونه، ولأنه قدم يحبهم فالبطولة لا أن تدعي محبة الله هذه سهلة جداً .

لكن البطولة أن يحبك الله عز وجل ، إلا أن محبة الله لابدّ من دليل يؤكد أنك تحب الله ، قال تعالى:” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ “، أما هؤلاء الذين ادعوا محبة الله بماذا ردّ الله عليهم؟ الذين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه فرد الله عز وجل عليهم:” قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ “.

وأردف الشيخ قائلاً:” ونحن أمة سيد الأنبياء، ونحن الأمة المختارة، ونحن الأمة التي فضلها الله على أمم أخرى، ونحن الأمة التي ورد بحقنا:” خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ “، الرد الإلهي جاهز:” قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ “، أي ما لم نؤكد علة خيريتنا، علة خيريتنا من هذه الآية الكريمة في قوله تعالى:” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ “، لذلك مما أخبر الله به نبيه عن علامات آخر الزمان قول النبي عليه الصلاة والسلام:(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنك ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ، ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً المنكر معروفاً ؟ )). الذي ينفق ماله في سبيل الله يتهم بالجنون، الذي يحضر مجالس العلم يقال له لا تضيع وقتك، هناك قيم تبدلت.

وأضاف الشيخ:” الحقيقة الخطيرة أنه لمجرد أن يقول المسلمون نحن خير أمة يقول الله لهم كما قال لغيرهم:” قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ “، من هذه الآية المحكمة استنبط الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أن الله لا يعذب أحبابه: قل فلم يعذبكم بذنوبكم إن كنتم صادقين في محبتكم:” وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ “، سُنتك مطبقة في بيوتهم، في كسب أموالهم، في إنفاق أموالهم، في حلهم، في ترحالهم، في علاقاتهم، في مناسباتهم، في معاملاتهم:” وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ “.

أيها الأخوة الكرام ، هذه مقدمة ، لكن الحقيقة الأولى، ونحن في شهر ربيع الأول، مولد النبي عليه الصلاة والسلام، أن معرفة سنة النبي عليه الصلاة والسلام القولية أي الأحاديث، والعملية السيرة، والإقرارية ما أقره النبي، فرض عين على كل مسلم، أنت لما تصلي؟ لأن الصلاة فرض عين ، فإذا أكدت لك بالدليل القطعي أن معرفة سنة النبي فرض عين على كل مسلم فما قولك؟ أنت لماذا تتوضأ ؟ لأن الصلاة وهي فرض لا تصح إلا بالوضوء، فما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، هذه قاعدة أصولية فإذا قال الله عز وجل:” وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا “، هذا الأمر متى يمكن أن يطبق؟ يطبق في حالة واحدة إذا علمت ما الذي آتاك وما الذي عنه نهاك، إذاً لا يتم تطبيق هذه الآية المحكمة التي تؤكد إتباع النبي عليه الصلاة والسلام إلا إذا عرفت سنة النبي، إنطلاقاً من قاعدة أصولية ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، فلا بد أن تطلع على سنة النبي القولية، وحينما قال الله عز وجل:” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً “، كيف يكون النبي أسوة لك إن لم تعرف سيرته، علاقته بزوجته، بأولاده، بجيرانه، بإخوانه، بأصحابه، في حله، في ترحاله، في السلم، في الحرب، في السفر، في الإقامة، في الفقر، في الغنى، لذلك معرفة سيرة رسول الله فرض عين على كل مسلم لأن قدوة النبي لا تكون إلا إذا عرفت سنته العملية.

وتابع الشيخ:” الشيء الخطير التي تقع به الأمة أن يغدو دينها عادة، هذه الحقيقة الأولى، الذي ينفعنا فقط أن نحاول أن نتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام، بيوتنا ليست إسلامية، خروج نسائنا وبناتنا ليس إسلامياً، كسب أموالنا ليس إسلامياً، إنفاق أموالنا ليس إسلامياً، تمضية أوقات فراغنا ليس إسلامياً، هذا الشيء الخطير التي تقع به الأمة أن يغدو دينها فلكلوراً، أن يغدو دينها عادات وتقاليد، نحن في ذكرى المولد من أجل أن نتبع سيد الأنبياء والمرسلين .

وأردف الشيخ قائلاً:” النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده وأمته معصومة بمجموعها، هذه الحقيقة الثانية، أن الله عز وجل ما أمرنا أن نطيع النبي عليه الصلاة والسلام في كل شيء إلا لأنه عصمه عن أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي إقراراه، لذلك طمأننا ربنا عز وجل فقال:” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى “، توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام ليست من ثقافته، ولا من خبرته، ولا من إجتهاده، ولا من معطيات عصره، لأن الله جعله أمياً ، أميته وحده وسام شرف له، ليجعل الله وعاءه فارغاً من كل ثقافة أرضية، ليمتلئ هذا الوعاء بوحي السماء، فلو جعل وعاءه فيه وحي وثقافة ففي كل كلمة يقولها يسأل هذا من عندك أم من الوحي، الله طمأننا:” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى “، لذلك قالوا أمية النبي عليه الصلاة والسلام وحده وسام شرف له، وأميتنا وصمة عار بحقنا، من هنا تنطلق هذه الحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده وأمته معصومة بمجموعها، قال عليه الصلاة والسلام:(( أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ )). نحن كأمة النبي عليه الصلاة والسلام معصومون مجتمعين ، بينما نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم معصوم بمفرده.

الحقيقة الثالثة، أن الإستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين الاستجابة لله الآية الكريمة:” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً “، وفي قوله تعالى:” وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ “، يعني إرضاء رسول الله هو عين إرضاء الله، وإرضاء الله هو عين إرضاء رسول الله، وقوله تعالى:” فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ “، وقوله تعالى:” وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ

وأضاف الشيخ:” أيها الأخوة الكرام، الحقيقة الرابعة: أنك إذا قرأت أو سمعت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام العطرة وأقواله وأفعاله وإقراره إزداد قلبك إيماناً بدليل هو بالذات قال تعالى:” وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ “، إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء من باب أولى.

أيها الأخوة ، حقيقة خامسة قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت، الله عز وجل ذكر قارون قال:” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ “، لا تفرح بالدنيا إن الله لا يحب الفرحين، الفرح بالدنيا ضيق أفق، لأن:(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار إستواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ))

إذاً لا تفرح بالدنيا لأن الله لا يحب الفرحين بها لأن أفقهم ضيق، لأنك بضعة أيام كلما إنقضى يوم انقضى بضع منك، لكن بماذا ينبغي أن تفرح؟ قال تعالى:” قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا “، إفرح إذا فهمت كتاب الله، إفرح إذا كنت مستقيماً على أمر الله، إفرح إذا كان بيتك إسلامياً، إفرح إذا كان دخلك حلالاً، إفرح إذا كنت تحب سيد الأنبياء:” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ “، هو رحمة مهداة ونعمة مزجاة ، فإذا فرحت بمحبتك لرسول الله، إذا فرحت باتباع سنته ، إذا فرحت بتطبيق منهجه ، فهذا هو الفرح الذي يريده الله .

وتابع الشيخ حديثه بالقول:” أيها الأخوة الكرام، في تاريخ البشرية كلها بروادها، بأعلامها، بصفوتها، بقادتها، لا نكاد نعرف حياة نقلت إلينا أنباؤها وحفظت لنا وقائعها في وضوح كامل وتفصيل عميم، كما حفظت وكما نقلت إلينا حياة النبي عليه الصلاة والسلام، رسول رب العالمين ورحمته المهداة إلى الناس أجمعين، فكل كلمة قالها، وكل خطوة خطاها، وكل بسمة تألقت على محيّاه، وكل دمعة تحدرت من مآقيه، وكل مسعىً سار لتحقيق أمره، كل مشاهد حياته حتى ما كان منها من خاصة أمره، وأسرار بيته، وأهله ، كل ذلك نقل إلينا بحروف كبار، موثقاً بأصدق ما عرف التاريخ الإنساني من وسائل وبينات ، لقد رحل النبي صلى الله عليه وسلم عن دنيانا من قرابة ألف وأربعمئة عام وزيادة، ومع هذا فنحن إذ نقرأ سيرته وتاريخه اليوم لا نحس أننا نقرأ عنه، بل كأننا نسمعه ، ونراه، ونعيش المشاهد كلها .

وأضاف الشيخ:” أيها الأخوة الكرام ، ولا عجب في هذا فمادام الله قد اختاره ليختم به النبوة والأنبياء ، فمن الطبيعي أن تكون حياته منهجاً جليلاً لأجيال لا منتهى لأعدادها ، وأن تكون هذه الحياة بكل تفاصيلها أشد وضوحاً، نختار في هذا اللقاء الطيب من شمائله رحمته لأن هذا العصر نشهد فيه قسوة ما بعدها قسوة: موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل، ولا المقتول فيمَ قتل، نشهد أسلحة فتاكة صممت لملاقاة الجيوش الجرارة تستخدم لقتل الأطفال والنساء والمدنيين، قسوة ما بعدها قسوة، ظلم ما بعده ظلم:(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً ))، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( إنما أنا رحمة مهداة )) .

وأردف الشيخ قائلاً:” رأى النبي إنساناً يذبح شاة أمام أختها ، فغضب، قال له: هلا حجبتها عن أختها ؟ أتريد أن تميتها مرتين ؟، (( الراحمون يرحمهم الرحمن ))، (( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))، (( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي )).

وتابع الشيخ:” أولاً ارحم نفسك، كان النبي عليه الصلاة والسلام في الجهاد وفي أيام رمضان وكان الحر لا يحتمل، والجهد كبير، والمشقة بالغة، فأمر بكوب ماء وشرب أمام أصحابه الكرام ليستخدم رخصة الإفطار في السفر، بلغه أن بعض أصحابه لم يفطروا فقال أولئك العصاة، ينبغي أن ترحم نفسك.

وقال الشيخ أيضاً:” شيء آخر رحمته بالوالدين، أحد أصحابه جاء ليجاهد معه والجهاد ذروة سنام الإسلام قال له: ألك أبوان؟ قال: نعم، قا : فيهما فجاهد. فضّل النبي عليه الصلاة والسلام بر الوالدين على أعلى عبادة في الإسلام وهي الجهاد في سبيل الله، بهما فجاهد .

رحمته عليه الصلاة والسلام بالأهل أيها الأخوة، الرحمة بالأهل قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ))، جعل النبي عليه الصلاة والسلام الخيرية المطلقة أن تكون خيراً في بيتك، لأن معظم السلوك خارج البيت ينضوي تحت المصلحة، تتجمل، تتألق، تبتسم، تتواضع من أجل أن تكون مقبولاً في دائرتك، في عملك، في تجارتك، ولكن البطولة أن تكون في بيتك كاملاً:(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))، وقال النبي عليه الصلاة والسلام:((إستوصوا بالنساء خيراً))، ((إتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم))، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً:((أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم، وفي زيادة لهذا الحديث، يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون كريماً غالباً)) .

وأضاف الشيخ في حديثه:” رحمته عليه الصلاة والسلام بالأزواج، عاش حياة المتزوج لعله إشتاق إلى أهله، والأصح لعل أهله إشتاقوا إليه فهذا النبي عليه الصلاة والسلام رحمنا كأفراد، رحم آباءنا وأمهاتنا، فضل بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، رحم زوجاتنا وأولادنا. أما زوجة الصحابي الجليل عثمان بن مظعون رضي الله عنه دخلت على السيدة عائشة تشكو بثها وحزنها، فعثمان زوجها مشغول عنها بالعبادة، يقوم الليل، ويصوم النهار، لقي النبي عليه الصلاة والسلام عثمان بن مظعون فقال له:(( يا عثمان أما لك في أسوة؟ قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وماذا ذاك ؟ قال: تصوم النهار وتقوم الليل، قال: إني لأفعل هذا، فقال عليه الصلاة والسلام لا تفعل، إن لجسدك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً ))، وإمتثل عثمان نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزم أمره، وقرر أن يؤدي حق أهله، وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت زوجة عثمان إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم عطرة نضرة كأنها عروس، واجتمع حولها النسوة، وأخذن يتعجبن من فرط ما طرأ عليها، كانت رثة الثياب منذ يومين، قلن لها: ما هذا يا زوج إبن مظعون؟ فقالت وهي تضحك: أصابنا ما أصاب الناس.

فرحم النبي عليه الصلاة والسلام الزوجات، ورحم الأمهات، ورحم الآباء، ورحم المؤمنين، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( إنصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ أي يعدل الجهاد في سبيل الله )).

رحمته بالأولاد، كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى طفلاً أظهر له البشر والسرور، طفل في المسجد يجب أن يكرم، أن يحتفى به، أن تقدم له هدية ، ليربط الهدية ببيت الله ، فكان إذا رأى طفلاً أظهر البشر والسرور إيناساً له. وكان يأخذ أطفال أصحابه بين يديه يحملهم ويداعبهم، كان إذا مرّ بصبية يقرئهم السلام، يقول السلام عليكم أيها الصبية . ورأى صبية يتسابقون فجرى معهم تطييباً لهم، نبي عظيم سيد الخلق وحبيب الحق يلعب مع الصغار إيناساً لهم، يعني إذا شخص في بيته لاعب أطفاله شيء طبيعي جداً وهذا من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يلقى الصبي وهو يركب ناقته، فيدعوه إلى ركوب الناقة ليدخل السرور على قلبه.

وتابع الشيخ:” أيها الأخوة، مات لإحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم طفل صغير، فلما رفع إليه فاضت عيناه، فقال سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا؟ فقال عليه الصلاة والسلام:((هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)).

ورحمته عليه الصلاة والسلام بالصغار عامة، مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بصحابي يضرب غلاماً له، فقال له:(( إعلم أبا ذر أن الله أقدر عليك منك عليه)) . وقد سأله رجل يا رسول الله عندي يتيم أأضربه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: مم تضرب منه ولدك. إجعل إبنك مكانه فإن أردت تأديبه لمصلحته فافعل مع اليتيم ولا شيء عليك، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(( ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه)) .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:(( إني لأقوم إلى الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه)).

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فإستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين أستغفر الله .

ومما جاء في خطبته الثانية، قال فضيلة الشيخ:” الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محم ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

أيها الأخوة، الله عز وجل يقول:” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ “، يعني سبب هذا الخلق العظيم رحمة أودعت في قلب سيد المرسلين، هذه الرحمة من عند الله، وأي عبد مؤمن اتصل بالله يشعر بهذه الرحمة لذلك قال تعالى:” فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ “، يا محمد (صلى الله عليه وسلم) بسبب رحمة إستقرت في قلبك من خلال إتصالك بنا كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة، ولإنعكست القسوة غلظة، فإنفضوا من حولك، هذه الآية يحتاجها كل أب، كل معلم، كل داعية، كل مدير، كل إنسان له منصب قيادي، تتصل بالله يمتلئ القلب رحمة تنعكس الرحمة ليناً، يلتف من حولك حولك، فإذا إنقطع الإنسان عن الله إمتلأ القلب قسوة وانعكست القسوة غلظة فانفضوا من حولك:(( الراحمون يرحمهم الرحمن )).

وإختتم الشيخ خطبته بالقول:” الآن من هو المخاطب؟ سيد الخلق، حبيب الحق، سيد ولد آدم، الذي أوتي وحده الوسيلة:(( سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا )). الذي آتاه الله فصاحة وبياناً وجمالاً وخلقاً حسناً:” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ “..”.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة