حاملة الأسرار

تاريخ النشر: 23/09/11 | 7:09

في صباح يوم بارد، تهطل فيه الأمطار الغزيرة، وتهبّ فيه الرّياح الثائرة، استيقظت من نومي بعدما خرجت أخيرا من كهف الكوابيس، وبحر الفزع والهلع، الذي غرقت فيه في منامي. لم أشعر بالسعادة أبدا أثناء ذلك اليوم، فقرّرت أن أجوب في المتنزهات الجميلة أمام الوادي وخريره الشجي الذي يُنسي الروح آلامها وأحزانها، واذ بي أسمعُ أنينا يُثيرُ الشّفقة، فالتفتُّ يمنة ويسرة، فاذا بي ألمحُ شجرة زيتون من بعيد، فهجتُ لمعرفة سبب الأنين.

ذهبتُ مسرعة باتّجاهها، وعند وُصولي اليها، انبهرت بجمال تلك الشّجرة العظيمة، غليظة جذوعها، وارفة ظلالها، قويّة جذورها، وثمارها تلمعُ لمعانا يجذب قاطفها. تساءلتُ باستغراب ودهشة:(( ماذا دهاكِ أيّتُها الشّجرة؟، هل تحتاجين للمُساعدة؟ ))، أجابتني بصوت خافت:(( نعم، نعم أيّتها الصّغيرة، أُريدُ بعض الماء البارد، لأروي نفسي قليلا، وأذهبُ ظمأها، الذي كاد أن يُمزّقني )).

فذهبتُ مسرعة لأغرف غرفة ماء من الوادي النّقيّ الطّاهر، علّ هذه الغرفة ترويها وتُذهب سُقمها.

شربت الشّجرة حتّى رُويت، ثُمّ قالت(مُنتعشة):(( رواكِ اللهُ من ماء زمزم شربة ماء لا تظمئين بعدها أبدا، فلولاكِ أيّتُها الصّغيرة، لكُنت ميّتة )).

فقُلتُ(بفرح وسرور):(( لا شُكر على واجب، فأنت قطعة من بلادي، صبرت وتحمّلت السّناب والظّأب، وعانيت ما يكفي من معاناة كسرت جُذور الخير من تحت الثّرى، من تحت الأرض النّديّة، فانتزعتها من وطنها بقُوّة وقسوة، ولم تُبق لها أثرا)).

الشّجرة: (( أنت صادقة يا صغيرتي، فأنا الشّجرة الوحيدة في هذه الأرض، أبلُغُ من العمر ثلاث مئة عام، وكلُّ أخواتي انتُزعت بالقوّة من بين ذرّات التُّراب الفلسطيني، ونحن شجر الزيتون، سنكونُ دليلا على أنّ هذه الأرض هي أرضُ فلسطين الحبيبة، وطننا المسلوب )).

أنا: (( آآه، ما أجمل هذه الكلمات التي تُوقظُ النّائم، وتُنبه الغافل، وتزرع غضبا في قلوب الفلسطينيين الذين يُحاولون جاهدين حماية الأقصى السّجين الذي انتُهكت محارمه )).

الشّجرة: (( هناك الكثير الكثير من الأعمال الصّهيونيّة الهمجيّة اللا انسانيّة عُملت، ولكنّ الدّول العربيّة المُجاورة لم يهتزّ كيانُها، ولم تغضب أبدا على اخوانها المظلومين في غزّة وغيرها من القّرى المُهجّرة )).

أنا(بحالة من الهيجان والاثارة والفضول): (( حدّثيني، حدّثيني أيّتُها الشّجرة عن بعض أعمال الصّهاينة بالقُدس الشّريفة والأقصى الغالي، فانّي أتألّمُ لسماع هذه الأخبار التي تهزُّ الأبدان، وتُحمّلُ كلّ فلسطيني مسؤوليّة عظيمة تجاه وطنه المسلوب )).

الشّجرة: (( من أين أبدأُ يا صغيرتي، ومتى أنتهي، فجرائمُ اسرائيل لا تُعدُّ ولا تُحصى، فاسرائيل السّلامُ عدُوُّها، والشّرُّ حليفُها، فهناك ما يزيد عن خمس وعشرين حفريّة تحت المسجد الأقصى، والهدف منها هدم الأقصى، فيا لهم من حمقى!، وهناك حوالي ألف مقدسي بدون تعليم، وهُناك جدار حاجز يمنعُ الكثير من النّاس من الوصول الى الأقصى والصّلاة فيه، والعديد العديد من الجرائم البشعة التي ترتكبُها اسرائيل يوما بعد يوم، دون التّفكير بالمُستقبل والعواقب الوخيمة التي ستُحدّقُ بها من كُلّ حدب وصوب، فيا لغباء حُكّام اسرائيل )).

أنا(بتألُّم ودمعة على طرف عيني): (( انّهم أُناسٌ جاهلون، وفي نفس الوقت حاقدون على شعب يُحبُّ الله، ويُحبُّ وطنه، كما ولا يُحبُّ العدوان، فلماذا يفعلون بنا تلك الجرائم الفادحة القبيحة، ألا يعرفون بأنّ الشّعب الفلسطيني يملكُ الجيش العرمرم القويّ، النّابض بالحياة والشّجاعة، الكرامة والرُّجولة؟! )).

الشّجرة( مُتفائلة ومُبتسمة): (( لا تخافي يا صغيرتي، غدا فلسطين سوف تتحرّر، ونرى أشعّة الشّمس ساطعة، والعصافير مُرنّمة بصوتها المعسول، ونسمعُ ثُغاء الأغنام التي تتغذّى من كلأ الأرض، والخراف وراءها، وتجري الينابيع من تحت أرجلنا، ونسمعُ الخرير، الغدير والهدير، ونلمحُ من بعيد ضوءا مستنيرا في وسط الدُجى الحالك، يرسُمُ بسمة على أرض فلسطين، الأرض النديّة، وننظُرُ الى شماريخ الجبال والى سفوح الهضاب، يقف الدّوري والبلابل، السُّنونو والعنادل، في أسراب طويلة على أغصان الشّجر الوارفة ظلاله، تُطلقُ الصّوت الشّادي،وتقول: هل هناك أجمل من فلسطين؟!))

أنا(مُتفائلة مسرورة): (( شُكرا جزيلا أيّتُها الشّجرة العظيمة، لقد استمتعتُ معك، لا تخافي، حُلمُنا سوف يتحقق قريبا، ونرى فلسطين بمُلاءتها البهيّة، مُزيّنة بالحُلى، مُحلّقة بين العصافير الى بلاد الخير والسّعادة،آمين )).

بقلم الطالبة: ميسون أنور طيارة- ثانوية كفر قرع

‫7 تعليقات

  1. بارك الله فيك ..حوار جميل جدا ..ان شاء الله يا رب بتتحرر فلسطين باقرب وقت ..اامين

  2. بارك الله فيك اشهد بانك ابدعت يا اجمل شاعره اتمنى لك مستقبل زاهرا
    ان شاء الله بتتحرر فلسطين ويبقى الاقصى حرا ابيا وينصر كل الاسلام في كل
    مكان

  3. حوارك يا ميسون رائع جدا اكملي في كتاباتك الجميله الله يكون مع الفلسطنيون ويحمي الاقصى ان شاء الله ويدوم السلام على كل البلدان قولوا امين امين

  4. حوار رائع جدا ولكن بدي اسالك هل هذه القصائد من وحي خيالك ام مكتتفات من كتب من شعراء اتمنى لك التوفيق واستمري يا شاعرتي الجميله الى الامام

  5. طبعا من وحي خيالي الواسع، شكرا لك يا ” معجبة “،
    كما واقدم جزيل الشكر والتقدير لجميع المعلقين والمعلقات أعلاه،
    بارك الله فيكم على كلماتكم الرقيقة، ورونقها البديع، وسحرها المتلألأ، وجزاكم الله كل خير ان شاء الله تعالى والله يستجب لدعاءكم ويحقق امنياتكم باذنه تعالى.

  6. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي المختار،
    يا من تغيبتم عنا فترات طويلة ، اشتقنا الى تعليقاتكم المذهلة، وكلامكم المعسول،
    بقجة بانتظاركم، والقلم الواعد باستقبالكم ، وانا باستعداد لسماعكم، وطيب دعاءكم،
    فلتتفضلوا …
    فان غيابكم قد طال…
    هذه الرسالة مقدمة الى:
    عمي أبونبراس، خالتي أم السعيد زيمر، الاخت اخلاص عسلي، الشاعرة الصاعدة سماح،الاخت رامية مصاروة، والاخ قاسم معاوية، والاخ هشام زطام وغيرهم من المتغيبين،
    آمل أن تتقبلوا رسالتي برحابة صدر، وشكرا لكم جميعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة