قراءة لقصيدة الماغوط (أيها السائح)
تاريخ النشر: 02/04/14 | 9:19بقلم: أ.د فاروق مواسي
في مثل هذا اليوم الثاني من نيسان سنة 2006 رحل عنا الساخر في أدبه، المميز في قصائده النثرية – الرافض لما يجري في الأنظمة، الجريء في مواقفه- محمد الماغوط
ولا إخالكم نسيتم أنه صاحب المسرحيات “ضيعة تشرين” و “كاسك يا وطن” و “الحدود” وغيرها.
ارتأيت اليوم أن أقدم لكم قراءة لقصيدته “أيها السائح” وهي قصيدة مطلوبة في امتحانات الدراسة الثانوية، لذا فعلى المهتمين أن يحفظوا هذه المادة علها تنفعهم أو تنفع أبناءهم.
قراءة نقدية لنص حديث أو مصاحبة لقصيدة –
أيها السائح – لمحمد الماغوط
قلّما يختلف قراّء الشعراء الجاّدون على أن محمد الماغوط (1934- 2006) أديب مبدع في نصه. ونادرًا ما نجد من ينكر طاقته الشعرية، كما نعدم من ينكر أن نصه الشعري حداثي – على اختلاف مفاهيم الحداثة، ولعل كون هذا النص غير موزون ما يؤكد كذلك على حداثيته (1).
ومادام النص حداثيًا، ومبدعه ذا طاقة شعرية بارزة (2)، فإنني سأعمد الى قراءة هذا النص على أنه شعر – آخذًا بنظر الاعتبار قصدية المبدع (3) أولاً، وكذلك اتفاق الدارسين ونقّاد الأدب العربي الحديث على تميز لغته الشعرية (4).
لنلج إلى قصيدة ” أيها السائح ” للماغوط (5)، وقد استهوتني بسبب ما فيها من عرامة الإحساس بالغربة، وبسبب العزف فيها على وتر الرفض، ولأنني لمست الصدق الفني متلقيًا ناقدًا، فدعتني إلى التفكير والتأمل من خلال اكتشافي أنّ النص له موقف نقدي من الحياة والمجتمع، وأنّ الإنسان فيه وهو البؤرة التي تشعّ حلمًا لحياة أفضل (6).
لن انضبط هنا بمنهج ثابت، ولن افتعل مقاييس هندسية، ولن تراوغني المقولات المعلّبة، وإنما سأصحب النص متلقيًا متقربًا، وسأحاول اقتناص الدلالات من كل لفظة في سياقها – ما استطعت الى ذلك سبيلاً. أمضي إلى النص حرًا إلى فضائه الحر (7). أحاوره ويحاورني، وسبيلي في المصاحبة إيجاد الرؤى أو اكتشافها، وهي تمتص شحنات الحاضر الممض لترسم مستقبلاً مضيئًا، أو على الأقل – وهي تّبين لنا / لي أي حاضر هذا ونحن نستقبل المستقبل (8).
وإليك النص اولاً:
أيها السائح !
( محمد الماغوط )
طفولتي بعيدة… وكهولتي بعيدة…
وطني بعيد… ومنفاي بعيد
أيها السائح
أعطني منظارك المقّرب
علني ألمح يدًا أو محرمة في هذا الكون
تومئ إليّ
صورني وأنا أبكي
وأنا أقعي بأسمالي أمام عتبة الفندق
واكتب على قفا الصورة:
هذا شاعر من الشرق.
ضع منديلك الأبيض على الرصيف
واجلس إلى جانبي تحت هذا المطر الحنون:
لأبوح لك بسر خطير:
اصرف أدلاّءك ومرشديك
وألق إلى الوحل.. إلى النار
بكل ما كتبته من حواشٍ وانطباعات
إن أي فلاّح عجوز
يروي لك ” ببيتين من العتابا ”
كل تاريخ الشرق
وهو يدرج لفافته أمام خيمته.
إلى القصيدة:
أيها السائح:
العنوان فيه دلالة خطابية مركزة (9) على شخص غير عادي / غير مألوف، على الخارج عن اليومي أو المدهش ؛ وسيعود الراوي على هذا الخطاب في السطر الثالث بعد أن يقدم لنا في السطرين الأولين عصارة معاناته.
تقع القصيدة في مقطوعتين أو في مجموعتين من السطور بينها فسحة فراغية. تبدأ المقطوعة الأولى بمطلع استذكاري انفعالي، فيه تنبيه لنفسه أولاً، وفيه بيان للناس ثانيًا:
طفولتي بعيدة…وكهولتي بعيده..
وطني بعيد…. ومنفاي بعيد.
إنه الضياع إذن المتمثل في الأخبار بالبعد – البعد المستمر للأزل ! فالطفولة – وهي بريئة وجميلة – مرّت وانطوت بحرمانها حتى غدت مجهولة أو بعيدة عن ذاكرته، وكم بالحري إذا كادت – هكذا – أن تُنسى، ولا يبقى من أثرها ما يذكر.. وحتى كهولته (10) ( ويعني شيخوخته ) لا تقبل عليه، بل تظلّ بعيدة عنه. وها هو الراوي يتمناها في شبابه ليخلص مما هو فيه من عذاب، مؤملاً أن يكون له هيبة ما، أو أن يكون على شفا النهاية أو الاستقرار، إذن هو في وسط الدوامة – لا يستطيع أن يرجع، ولا يستطيع أن يتقدم (11) ؛ لا يستطيع أن يحظى بعالم له معالم، فهذا فيه منتهى الضياع.
ويعود إلى نفس الفكرة التي يرسّخ فيها معنى الضياع ليقول لنا إن وطنه بعيد ؛ والوطن يعني أولاً البيت والحمى والأهل، فإذا أحسّ هنا بالبعد فإنه يعيش مغتربًا مستلبًا، والأنكى من أنه لا يملك حتى المنفى – هذا المنفى الذي قد يكون استقرارًا بالرغم من هجره وإنكاره.
وعلى ذلك فليسَ له وطن وليس له منفى. (12)
يستعمل الراوي الطباق بدءًا ليعكس مدى الصراعية في قرارة نفسه، وذلك من خلال هذه الغربة الوجدانية التي تتفاعل فيه.
لو جربنا أن نحذف ياء المتكلم ( المضاف إليه )، لوصل إلينا المعنى هكذا: لا طفولة ولا كهولة، لا وطن، ولا منفى – كلها ليست حاضرة، ولكن الياء هذه تخلص الجمل من المباشرة، وتشحن الجمل بالتجربة الشخصية الحيّة، بالإضافة إلى تقديمها الإيقاع الصوتي الموسيقي المتعاقب. بعد هذا الكشف الأولي لغربته في الزمان وفي المكان يتوجه الراوي الشاعر إلى السائح مناديًا إياه: “أيها السائح”.
هكذا مباشرة، ويطلب تلو الآخر من غير أن نرى أو نلمس أي رد فعل منه، لقد انشغل بنفسه فقط، وما عاد يحفل إلا بتوتره وتواتر رجائه. إنه لا يحيي السائح أو يتلطف إليه، بل يباشره – حالاً بالطلب: أعطني منظارك المقرّب ! ولفظة ” المقرب ” جاءت موازية لتقلل من حدة البعد، ولكنها – عمليًا أكدت رسوخ الألم في نفسه، فها هو يطلب المنظار، ويمنّي نفسه: علني ألمح يدًا أو محرمة في هذا الكون تومئ لي !
إذن هو يبحث عمّن يُعنى به، يجيبه، أو على الأقل ينتبه الى وجوده، فهذا الكون الواسع ليس فيه يد تشير إليه، بل ليس هناك حتى محرمة ( بدون أن تظهر اليد ). إنه يطلب المنظار لعله يرى أملاً عن بعد، وذلك بعد أن عزّ ما في القرب واستعصى – وذلك في تنكر مَن حوله وجفائهم، والمنظار من شأنه أن يقرّب، ولكن هيهات، ولذا تواصلت الجملة الشعرية طويلة وتلاحقت من غير توقّف يشي بالأمل. أما لفظة المحرمة، العامية فقد جاءت معبرة أكثر من لفظة ” المنديل ” التي سيستعملها ( بعد أربعة أسطر )، في سياق الحديث عن السائح، وذلك بسبب صدقها وعفويتها، خاصة وهو يعقد الأمل في خلاصه على الناس العاديين، وأنى له ذلك !
ينتقل الراوي إلى الطلب الثاني: ” صورني وأنا أبكي ” !
إنّ الراوي يشير لنا إيحاء أنه دائم البكاء، فالجملة الحالية ثابتة لا متنقلة، فلا يصح المعنى أن ينتظر السائح ساعة بكائه فقط ليلتقط له صورة، وبلغة أوصل – ليصوره.
إنه يقعي وعليه أسمال ويجلس أمام عتبة الفندق، فهذه الألفاظ فيها صورة لغوية لرجل كأنه الكلب، فقير جدًا، ومنبوذ – يقعي أمام العتبة ( ذلك لأنه محظور عليه الدخول بهيئته الزرية ).
يتخيّل الراوي أن الفعل لا بدّ محقق، وأنه سيصوره، فيطلب منه:
” واكتب على قفا الصورة
هذا شاعر من الشرق “.
لم يطلب منه أن يكتب اسمه الشخصي، وها هو قد عرفّنا لأول مرة إلى نفسه، فهو شاعر من الشرق. يقول ” شاعر ” ليرمز إلى كل المثقفين أمثاله ممن يعانون معاناته، ويقول ” من الشرق ” مقابلة للسائح من الغرب – عادة – هذا السائح الذي يجيء إلى الشرق ارتيادً للسحر والمدهش والغريب عن عالمه. قلت – لم يطلب منه أن يكتب اسمًا معينًا، بل طلب منه أن يكتب ” هذا شاعر…” تنكير من غير تعريف، وكأنه يدلّ على شموليّة المصير لدى القطاع الذي يمثله، فهو ليس وحيدًا في معاناته.
ويظلّ تساؤل: ترى لو التقط سائحنا الصورة – وكتب عليها ” شاعر من الشرق “، فماذا عساه فاعل بها ؟ هل تكون للتسلية ؟ للتضامن ؟ أم ستبقى لقطة عابرة ؟!… هل سيريها لشاعر آخر هناك ؟ أم أنه سيمزقها بعد أيام ؟
تأخر تعريفنا أنه ” شاعر من الشرق “، فجاءَ ذلك بعد أن وصف عذابات الإنسان المسحوق عامة ( من غير تخصيص ) ؛ فإذا أدركنا مدى شقاء المثقف ( ومن المفروض ألا يكون بهذه الحدة )، فكم بالحري أن نتساءل: كم سيبلغ شقاء ذلك المسحوق العادي أكثر من ذلك ؟
تنتهي الفقرة الأولى، ونستلخص منها عذاب الراوي وغربته، ومناشدته السائح أن يستعير منه منظاره للحظات، فلعله يرى بصيص أمل في اعتباره كائنًا بشريًا له علاقاته الإنسانية. يطلب منه أن يصوره باكيًا وهو يقعي أمام عتبة الفندق – حيثُ يقيم الغرباء عادةً ممن جاءوا يترفهون، إن الوصف هنا أخذ ينطلق إلى وصف المجموع بعد أن كان يدور حول الفرد.
تبدأ الفقرة الثانية بمناشدة السائح:
” ضع منديلك الأبيض على الرصيف
واجلس إلى جانبي تحت هذا المطر الحنون ”
لم يقل للسائح ” ضع محرمتك “، فالسائح يحمل منديلاً ( لفظة ترتقي ومستوى الخطاب )، وهذا المنديل أبيض – دليلاً على النظافة، فهو لم يكدّ ولم يكدح. وأين سيضع المنديل ؟
على الأرض جانب الراوي ؛ فالسائح لا يقتعد الأرض مباشرة،خوفًا من اتساخ ثيابه الراقية (تذكر الأسمال بالمقابل ). يطلب منه أن يجالسه على الرصيف، وأن يتخلّى قليلاً عن مظاهر ترفه ورفاهيته، وكأنه يقول له: اجلس إلى جانبي – أنا البائس – يا أيها السائح المترف، فقد تكون على استعداد فعلي لأن تفهم إنسانيتي، وفي هذا التوجه يلمس القارئ أنّ هذا الغريب ( وغالبًا – الغربي ) على استعداد لأن يقوم بذلك حقًا.
يسأله أن يجلس إلى جانبه تحت هذا المطر الحنون. ما زال الراوي يقعي ويبكي، وهو في أسماله. وهذا المطر – إشارة لتحقيق صورة واقعية تزيد من حدة المأساوية، ولكن المفارقة هي في اعتبار المطر أنه حنون. ولماذا هو حنون ؟ – لأنه يتعاطف معه، فهو ليس غزيرًا ليقسو عليه، وهو حنون ( يلفظ الكلمة )، فقد يحن ّّّّ السائح إليه كالمطر، إنّّ السائح ليس كالشرطة التي تطارده هنا وهناك – إنه أقل خطرًا وضررًا، والراوي يطلب منه أن يجالسه ليبوح له بسرّ خطير. ولفظة خطير توحي بأنّ الشرطة تطارده وتلاحقه وتلاحق كلماته، أو تلاحق مجرد اتصاله بالغريب – أي غريب.
وقبل ذلك يطلب من السائح أن يصرف ويبعد أدلاءه ومرشديه – وهؤلاء – عادة – هم أشخاص موظفون ورسميون. ولماذا يصرفهم ؟ لأنهم قد – بل – يخدعونه أو يقدمون له معلومات ومواد غير دقيقة أو مغرضة. ها هو يتجرّأ بمخاطبته:
” ألقِ إلى الوحل..إلى النار
بكل ما كتبته من حواش وانطباعات ”
إنه ينّوع المصير الذي ستؤول إليه هذه الانطباعات التي كتبها السائح – وهي موجهة غالبًا. فلتكن إذن في الوحل – مبعثرة متسخة محتقرة… أو لتكن معدومة محترقة إلى الأبد. إنك أيها السائح تتحرى الحقيقة. ولا شك ؛ إذن دعني أفضي لك بالسر الخطير – وذلك بعد أن تصرف المرشدين والأدلاء، حتى لا يسمعنا أحد، وبعد أن تتلف أوراقك وتعدمها، والسر هو:
” إن ّ أي فلاح عجوز
يروي لك ببيتـين من العتابا
كل تاريخ الشرق
وهو يدرج لفافته أمام خيمته “.
يقول: أي فلاح، و” أي” تدلّ على شمولية المعاناة، ومع ذلك فهذا الفلاح العجوز – ابن الأرض يحدو العتابا، وما زالَ الأمل يشمخ في عروقه، فيبتان من العتابا كافيان لأن يرويا كل تاريخ الشرق. ولفظة تاريخ لها ما وراءها، وهي مشحونة باستمرارية قصور العدالة، إنه لم يقل لنا مثلاً ” قصة معاناة ” بل قال ” تاريخ الشرق ” – التاريخ الآخر غير تاريخكم أيها الغربيون !إنه التاريخ الحافل بالعذاب والأسى.
يستطيع الفلاح العجوز أن يقصّ حكاية المعاناة بأغنية أسيانة – يغنيها وهو يدرج لفافته أمام خيمته، أو على الأصح بيتين من العتابا… وقد يثير هذا القول تساؤلنا: ما هما البيتان المحتملان ؟ أو ما مضمونهما ؟ – هذا المضمون الذي سيحمل الأشجان المتساوقة والموسوقة بكل هموم الشرق المؤرخة. وهنا لا ننسى أن الراوي يخفي مضامين العتابا الغزلية أو الوصفية الجمالية ( من فخر وحكم وهجاء ومدح وألغاز )، وكأنها مغيبة، علمًا بأنها هي الغالبة كمًا ونوعًا، وعلى ذلك نجد العتابا وكأنها – بالضرورة – حكاية عذاب مغنّاة مع مدة الصوت الأسيانة. ولا ننسى هنا أنّ نتخيلها: الشيخ يدرج لفافته ( بينما عادة المترفين أن يشتروا الدخان معدًا )، وهو يجلس أمام خيمته ( مقابل جلوسك أنت وأمثالك في الفندق )، وكذلك فهو يغني العتابا – غناءً مشحونًا بالحرمان والاضطهاد.
ونجمل الفقرة الثانية بأنه استمرَ يتحدث عن معاناته الشخصية، ولكنه ما لبث أن انتقل الى المجموع (13)، حيثُ رأى أنّ أبناء الأرض هم الذين يحفظون تاريخها المعذّب، ويصبونه في غناء أو حداء، فما على رواد المعرفة إلا أن يتلمسّوا حياة هؤلاء البائسين – بعيدًا عن أعين الرقباء والمتسلطين الذين يبغون تمويه الحقائق وتزييف الواقع حتى يستمروا في تنكرهم لحقوق العباد ودوس ” الإنسان فيهم.
صاحبتُ هذه القصيدة قارئًا ومنتجًا – ما أمكن – على أثر استشفاف الصدق (14) في بنى الكلمات وعلائقها (15)، فاستوحيت إيحاءات متولدة من النص أو ملازمة له. وكانت اللقطات الموصوفة في النص تتراوح بين الواقع المعيش والواقعية الممكنة – حيث يكون المتخيل، وإلا فما معنى أن يصمت السائح، ولا يكون له أي رد فعل إزاء إلحاح الراوي عليه ؟! إن هذا السلوك لا يحدث في أي واقع حقيقي، ولكن النص يرسمه ليعمقّ مأساة الإنسان الذي يمثله أو يتماثل معه، وكم بالحري المثقف المنبوذ، ولا شك أنّ مأساة الفلاح هي أعمق وأنكى.
لقد صورّ الشاعر ندوبًا من واقع معاصر – في ظرف من المفروض أن يناقض طبيعة الحداثة – هذه التي يفترض – أصلاً ونتيجة – أن تثري حياة الإنسان بالمتعة، ولكن إنجاز الإنسان أو إحباطه لا يقرران إن كان النص حداثيًا أم لا – فالرؤية وشكل الأداء وظروف النص – كلها معًا تسلّم النص أو تقدمّ جواز المرور إلى معالم الحداثة.
إنّ هذه القصيدة في دراميتها المعتمدة على المـفارقات في الموقف والصورة، وفي خيالها المبني على الواقع، وفي استغراقها الشجني لتجعل النص مثيرًا بقدر ما نجعله متجددًا. هي تبني الجمل بقدر ما تفككها. تبقي المتلقي مقيدًا مطلقًا – سيان.
ابتدأت القصيدة بكلانية البعد في الطفولة والكهولة – فيما يخص المفرد – واختمت بكلانية تاريخ الشرق يرويه فلاح عجوز – على لسان الجمع – وفي ذلك استمرارية ودوران وطواف كلّي على الألم، ما لم يكن تغيير وتثوير، وهما محور الرسالة في النص.
——————
1 – يرى علوي الهامشي أن ” من خلال هذا المنجز الشعري – قصيدة النثر – يمكن النظر إلى المصطلحين ( الحداثة، وما بعدها )، أي أنهما يعنيان في تقديري إنجاز قصيدة نثر ناجحة ” دفاتر ثقافية “، مايو 1999، ص 33.
2 – يتحفظ بعض الدارسين والشعراء من كون قصيدة النثر شعرًا،انظر: حوار مع محمود درويش، صحيفة أخبار الأدب، 9/2/1997: حوار مع أحمد عبد المعطي حجازي صحيفة الفينيق،، 1/5/1997، وصحيفة أخبار الأدب،24/1/1999، صحيفة الأيام ( رام الله )، 28/7/1996، حيث نرى أنه يرفض تعبير ” قصيدة النثر ” ولا يراها شعرًا، وانظر جودت نور الدين، مع الشعر العربي – أين هي الأزمة ؟ ص 199، وهو يطلق على قصيدة النثر اسم ” النـثـيـرة ” ! ” حوار مع جوزيف نجيم ” ورد في كتاب: جهاد فاضل، قضايا الشعر الحديث، ص 400-403.
3 – يقول الماغوط في حوار معه: ” الشغلات التي تشع بسرعة قبل أن تنطفئ أكتبها شعراُ “، وعندما سئل الماغوط:- ألم تكتب الموزون المقفى ؟
أجاب ” لا. شغلة مضحكة بدت لي. كان الوضع بالنسبة لي في الماضي كما يلي – بدلاً من أن أدوّر على قافية كان عليّ أن أدوّر على بيت أنام فيه، أدوّر على قافية تضبط ؟! لا عمرها تضبط !!! أنظر الحوار معه في كتاب جهاد فاضل، أسئلة الشعر، ص 285
4 – حتى لو تحفظ بعضهم من اعتبار قصيدة النثر شعرًا – كما أشرت أعلاه. سئل حجازي في حوار أجرته أخبار الأدب ( 24 /1/1999):
– .. لكن هناك اتفاقًا حول شاعر كمحمد الماغوط – مثلاً.
– ..نحن نقرأ الماغوط دون أن نعتبره استمرارًا لأي شاعر عربي. نقرأه. نقرأه في ذاته.
أضيف الىذلك إحساسي الشخصي بطاقته الشعرية، وهنا استذكر ما ذكره شيركو بي. كه. س: ” الشعر شعر، حين يهزّني شعر جميل ويجعل روحي منبع الأسئلة لا يهمني إلى أي مذهب ينتمي هذا الشعر، يكفي أن ينتمي إلى وطن الإبداع “. مجلة نزوى، إبريل 1999، ص 145.
5 – الماغوط محمد، الفرح ليس مهنتي،ص 44 –45.
6 – هذه هي الحداثة التي تنطلق لمعايشة الإنسان في وجوده وصراعه، إنها تعطي قيمة لكيانه وحتى لرفضه، وهي لا ترى المتاهات دليلاً لها: للتوسع في هذه الرؤية انظر: محمد علي الكردي: ” الحداثة وما بعد الحداثة “، مجلة إبداع العدد 7، يوليه 1996، ص 17 – 28.
7 – الحداثة – كما أراها – حرية لا فوضى، وكم بالحري إذا كانت هذه الحرية تدعو ولو إيحاء إلى معانقة الهدف الذي نتشوّف إليه، وإلى الإفادة من إنجازات العصر وعلومه، وهي ترى أنّ الحاضر عماده التجديد المستمر فكرانيًا، وأنها تدرك أن فهم المنظومة الجمالية والمعرفية يتأتى بمعايشة الواقع – لا الوهم، ولا الدوائر الهلامية الفراغية.
8 – يرى عيسى بلاطة أنّ الحداثة لدينا هي “… الغوص في الواقع العربي للوصول إلى معرفة حقيقته بلا مواربة، ثم استنهاضه لمعانقة القيم الجديدة “، مجلة الناقد، العدد 3 ( سبتمبر 1988)، ص 31.
9 – يرى محمد فكري الجزار في كتابه العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، ( ص66)،وهو يتوسع في مقولة أوردها محمد عبد المطلب في إحدى دراساته: ” العنوان له مستواه السطحي كما له مستواه العميق، مثله في هذا مثل عمله تمامًا. وثمة توازن شكلي ودلالي يبن العنوان وعمله – الأمر الذي يجعل العلاقات بينهما أكثر تعقيدًا…”.
10 – الكهل – لغة – من جاوز الثلاثين إلى الخمسين، ولكنها في الاستعمال الشائع تعني الشيخ المسن، وهذا ما يقصده الشاعر في القصيدة، بدليل الطباق الذي عمد إليه ليدلّ على المفارقة، وكذلك بدليل قسوة الاغتراب التي يلقاها الشيخ عادةً.
11 – تذكرني هذه الحالة بحالة سلمى – زوجة صخر بن عمرو، وذلك عندما أصيب وصار في مرحلة ” البين يبن “، فقالت ردًا على من سألها عن حاله: لا هو حي فيرجى، ولا ميت فيغنى “.
12 – لا يرى محمود درويش أنّ الوطن هو بالضرورة نقيض للمنفى، فيقول: ” العلاقة بين المنفى أصبح فيها شيء من الألفة… إني قد أجد المنفى هنا معي في فلسطين “. مجلة الشعراء، العدد 4-5، ربيع 1999، ص 39.
13 – يقول يوسف جابر في معرض حديثه عن الشفوية باعتبارها عنصرًا هامًا في قصيدة النثر: “…قدرة الشاعر على إعطاء بعض من ذاته ودمجها بلغة المجتمع يسمح لها أن تخرج في النهاية ذات نكهة عذبة ألصق ما تكون بمشاعره التي هي في الأصل جزء من مشاعرهم… إن شفوية القصيدة النثرية إنما تسيطر على عالمها مشاعر الحزن العميق التي تكتنف إنسان عصرنا الحالي “. يوسف جابر: قضايا الإبداع في قصيدة النثر، ص 113.
14 – أنظر دراستي ” استشفاف الصدق في القصيدة الوجدانية لدى القارئ” في كتاب هدي النجمة ص 97.
15 – مع أنني أكدت حريتي بدءًا وعدم تقيّدي بمنهج نقدي فقد حلقت قراءتي أو مصاحبتي للنص في أجواء منهج التفكيكية، وذلك بسبب إبعاد المؤلف عن نصه ( ولا أقول موت المؤلف ) أولاً، وكذلك بسبب تركيزي على النص واستخراج أبعاده متلقيًا. ومع هذا وذلك، فإنني لم أقوّض النص لأعيد بناءه كما فعل بارت، ولم أتناول الأبعاد السيكلوجية كما فعل لاكان، كما أنني لم أجارِ جاك دريدا في اعتبار النقد ” لا بنيويًا شكلانيًا ولا مضمونيًا محايثًا ” – دريدا: الكتابة والاختلاف،ص 57، ولعلّ ما يشفع لهذه القراءة أنها صادقة المنطلـق بقدر إحساسي بصدق النص.
المراجع والمصادر
الكتب
الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني،(ج15)، مطبعة أوفست، حيفا – د.ت.
جابر يوسف حامد: قضايا الإبداع في قصيدة النثر، دار الحصار للنشر والتوزيع، دمشق – 1991.
الجزار محمد فكري: العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة العامة المصرية، القاهرة – 1998
دريدا جاك: الكتابة والاختلاف، ( ترجمة كاظم جهاد )، دار توبقال، الدار البيضاء – 1988.
فاضل جهاد: ” حوار مع الماغوط “،أسئلة الشعر، الدار العربية للكتاب، ( لا تفاصيل أخرى ).
…..: ” حوار مع جوزيف نجيم “، قضايا الشعر الحديث، دار الشرق – بيروت – 1984.
الماغوط محمد: الفرح ليسَ مهنتي، دار العودة، بيروت، 1973.
المناصرة عز الدين: قصيدة النثر ( المرجعية والشعارات )، بيت الشعر، رام الله، 1998.
نور الدين جودت: مع الشعر العربي ( أين هي الأزمة ؟ )، دار الآداب، بيروت، 1996.
الصحف والمجلات
(1)مجلة إبداع ( القاهرة )، العدد 7 يوليه، 1996.
(2)صحيفة أخبار الأدب ( القاهرة )، العددان: 9/2/1997، 24/ 1/199.
(3) صحيفة الأيام ( رام الله )، العدد 28/7/1996.
(4) مجلة جامعة ( باقة الغربية )، العدد الثالث، تشرين الأول 1999.
(5)صحيفة دفاتر ثقافية (رام الله )، عدد مايو 1999.
(6) مجلة الشعراء (رام الله)، العدد المزدوج،: 4-5/1999.
(7) صحيفة الفينيق (عمان)، عدد 1/5/1997.
(8) مجلة الناقد (لندن )، العدد الثالث، سبتمبر 1988.
(9) مجلة نزوى ( عمان )، العدد 18، إبريل 19