مجنون ليلى لم يكن مجنوناً… خَير الأوكسيتوسين ما زاد ولَم يَقِل

تاريخ النشر: 11/02/18 | 9:15

إن الأبحاث العديدة التي اُجريت في مختلف جوانب المجتمعات الماضية والحاضرة لم تشر الى مُجتمع واحد افراده لم يعرفوا الحب! وكيف لا وهو أساس الاستمرارية لهذه الدنيا ومنبع السعادة لمعتنقيه. نغني للحب، نكتب شعراً في الحب، نرقص للحب، نكتب قصصاً ونسمع خرافات عن الحب. نرتكب اعظم الأخطاء ونعيش ونموت من أجل الحب! سأترك لكم أعزائي روايات قيس وليلى وآخدكم إلى حقبه زمنيه موازيه لأقص عليكم ان “جاسو شان” ملك تيكال-المدينه الأثرية في غواتيمالا- والذي توفي نحو عام ٧٠٠ م كان قد بنى معبدا لزوجته بعد وفاتها إخلاصا لحبه الشديد بها. وأمر ببناء معبد له يواجه معبدها بحيث أن مَرَتين في السنه-أثناء الاعتدال الشمسي- يلقي بظلاله على قبرها عند شروق الشمس. ومن ثم عند غروبها يلقي معبدُها بظلاله على قبره. وهكذا هاذان العاشقان لا زالا يتعانقان بظلالهم على مدار أكثر من ١٣٠٠ سنة !

والحب له جانب علمي تدار حوله أبحاث عديده ومشوّقه في كيمياء وبيولوجيا الدماغ الَتِي تلعب بها جزيئات كيميائية مختلفة دورا أساسيا خلال كل مراحل هذه التجربة. فعلى سبيل المثال هناك دراسات استعملت فيها الأشعة المغناطيسية على أشخاص منخرطين بعلاقات رومانسية أظهرت فعالية مميزه في منطقة الدماغ التي تستعين بهرمون الدوبامين. وهو ماده عضويه بسيطة نسبياً من ناحية المبنى الكيميائي—تحتوي على ثماني ذرات من الكربون المرتبطة مع احدى عشر ذرة هيدروجين، ذرتان من الأوكسجين واُخرى من النيتروجين. والدوبامين ناقل عصبي مهم جدا للإحساس بالمتعة، السعادة والإدمان ومن هنا الحاجة الدائمة التي تجعل العشاق يرغبون بقربهم الدائم.

ومن الهرمونات الذين اقترن اسمهم بالحب هو الاوكسيتوسين (هرمون الحب) المشتق اسمه من الكلمه اللاتينية “اوكسيس” اي الولادة السريعة. ومن الناحية الكيميائية، لجزيء الاوكسيتوسين مَبنى أكثر تعقيدا من الدوبامين به ترتبط تسعة حوامض أمينيه بشكل دائري (مرفق بالصورة). وكان قد منح اكتشافه وتحضيره العالم “دو ڤينيو” جائزه نوبل للكيمياء لعام ١٩٥٥. وعدا عن دوره المهم في عملية الولادة والرضاعة، للاوكسيتوسين دور رئيسي في الحب اذ يؤدي إفرازه الى زيادة الثقة، الهدوء والتفاهم بين الازواج وزيادة في العلاقات الحميمة. ورغم نشر أكثر من ٤٠٠،٠٠٠ مقاله علميه تخص هذا الهرمون لا زالت تدار أبحاث عديده عن دوره في نواحي نفسيه مختلفة.

عالم الحب الذي تُحركه جزيئات مبنيه من ذرات تُحب بعضُها البعض، أسراره ما زالت كثيرة وتشغل محبي العلم على اشكاله. فمثلاً كيف تؤدي هذه الهرمونات عملها من خلال المجسات الخاصة (بروتينات) في الخلية؟ وكيف لشخص ما ان يُحِب أحدهم دون غيره؟ هل يَكمُن ذلك نتيجة إفرازات جزيئات الحب العديدة بنِسَب مطلوبة ومحددة عند رؤية هذا الشخص لتعلو وتتكامل الأحاسيس…فيقع الخيار؟ وفي ذلك لفت انتباهي مقولة انيس منصور : “ الحب ليس اعمى فالعاشق يرى في محبوبته اكثر مما يرى كل الناس.

وغنى قيس بن الملوح:

وأمنع عيني ان تلذ بغيركم…وإني وإن جانبتُ غيرُ مُجانبِ.

أيامكُم حُب،

بروفيسور أشرف إبريق
باحث ومحاضر في مجال الكيمياء – معهد التخنيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة