العيد موسم التواصل وإزالة ما في النفوس

تاريخ النشر: 01/09/11 | 2:49

تحتفل الأمة الإسلامية بعيد الفطر المبارك الذي تستقبله بعد وداعها لشهر الصيام الذي عطرت أيامه بنفحات الصيام ولياليه بأريج القيام وأفراح المسلمين مستمرة بحمد الله، فهم يفرحون لأنهم أتموا شهر رمضان سائلين المولى أن يكون قد منَّ عليهم بالغفران.

وليوم العيد آداب وسنن ينبغي على المسلم أن يراعيها، وفي ذلك تحدث الدكتور فيصل الرميان، عضو المعهد العالي للقضاء السعودي فقال: للعيد آداب وسنن تسبقه وتوافقه، حري بالمسلم أن يؤديها وهي كثيرة، فمن ذلك ما يلي:

الفُطرة أو زكاة الفطر ” حيث أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، سبب تسميتها بهذا الاسم وهو أنها تجب بالفطر من رمضان فإنما تجب لمن أدركه غروب شمس آخر يوم من رمضان. ثم بين فضيلته الحكمة من تشريعها موضحاً أنها زكاة للبدن فإن المسلم إذا دار عليه الحول وهو يتمتع بصحة وعافية شرع له أن يؤدي هذه الزكاة، فهي زكاة للبدن، ولهذا وجبت على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين جميعاً من كان مستطيعاً لها فاضلاً عن قوته وقوت من يلزمه الإنفاق عليه. روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.

وهذه الزكاة طهرة للصائم من اللغو والرفث، أي أنها تكفر ما حصل من الصائم في صيامه من لغو ورفث، وهي طعمة للمساكين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم. قال بعض السلف عند قوله تعالى (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)، قال إن المراد بالزكاة هنا زكاة الفطر، فعلى المسلمين أن يخرجوها طيبة بذلك نفوسهم متقربين بها إلى الله راجين من الله أن يتقبلها منهم وأن يعيدها عليهم بخير وعافية.

ثم تحدث الشيخ أحمد العماري، إمام جامع المنار بالرياض، حاثاً الأمة على إخراج زكاة الفطر، وأوضح أنها من العبادات التي تشرع للمسلم في نهاية شهر رمضان، وأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرضها على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد، وأوضح أنها زكاة للبدن وطعمة للمساكين ومواساة للفقير. يخرجها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجة وأولاد وسائر من تلزمه نفقتهم.

ثم أضاف فضيلة الشيخ العماري أن محل إخراج زكاة الفطر هو البلد الذي يوافيه تمام الشهر وهو فيه. وأضاف أنه إن كان من يلزمه إخراج زكاة الفطر عنهم في بلد آخر غير البلد الذي هو فيه أخرج فطرته مع فطرتهم في ذلك البلد ويجوز أن يعمدهم ليخرجوا عنه وعنهم في بلدهم.

الأصناف التي تخرج منها الزكاة

من جهته أوضح د. إبراهيم السنيدي، الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الأصناف التي تخرج منها صدقة الفطر، وذكر حديث أبي سعيد المتفق عليه الذي عدد فيه الأصناف التي كانوا يخرجون زكاة الفطر منها على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال أبي سعيد رضي الله عنه «كنا نخرج من زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط…» الحديث.

واستطرد د. السنيدي قائلاً: ذهب الأكثرون من أهل العلم أنها لا تخرج إلا من الأشياء الواردة في الحديث، إذ هي الأقوات المعتادة لغالب الناس، لكن رجح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز إخراجها من غالب قوت البلد، وهذا هو الراجح، إن شاء الله تعالى، فالإنسان يمكن أن يخرجها من الأرز أو الدقيق أو الذرة إذا كانت هي القوت الغالب لدى أهل ذلك البلد.

وعن المقدار الواجب إخراجه في زكاة الفطر أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، أنه صاع وهو يعادل ثلاثة كيلوغرامات وهذا الأحوط.

وقد يعمد البعض إلى طبخ هذا الطعام وإعطائه للفقراء بعد الطبخ، وهنا أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، أن هذا لا يجوز، بل يلزم إعطاء الفقير الطعام قبل الطبخ، وبين أن هذا خلاف السنة، وأن السنة أن يدفع للفقير صاع من البر ونحوه.

وقت إخراجها

من ناحية أخرى بين الشيخ أحمد العماري، أن وقت إخراج زكاة الفطر يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد ويستمر إلى صلاة العيد. ويجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين، وأوضح أن تأخير إخراجها إلى صباح العيد قبل صلاة العيد أفضل، وإن أخَّر إخراجها عن صلاة العيد من غير عذر، أخرجها في بقية اليوم، فإن لم يخرجها في يوم العيد لزمه إخراجها بعده قضاء، فتبين بذلك أن وقت الإخراج ينقسم إلى: وقت جواز وهو ما قبل العيد بيوم أو يومين. ووقت فضيلة وهو ما بين غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد.

ووقت إجزاء وهو ما بعد صلاة العيد إلى آخر اليوم.

ووقت قضاء مع الإثم وهو ما بعد يوم العيد.

وحول من المستحق لزكاة الفطر أكد د. السنيدي أن المستحق لزكاة الفطر هو المستحق لزكاة المال من الفقراء والمساكين ونحوهما، فيدفعها إلى المستحق في وقت الإخراج أو إلى وكيله، ولا يكفي أن يودعها عند شخص ليس وكيلاً للمستحق.

حال الناس

والمتأمل في حال الناس يجد أن بعضهم يرغب بأخذ المال بدلاً عن الطعام بحجة شراء الأمتعة أو الملابس ونحو ذلك. وعليه فهل يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً طلبا للمصلحة؟

وهنا يقول د. إبراهيم الصالح الخضيري، القاضي بمحكمة التمييز بالرياض،: إن شريعة الإسلام تمتاز بالشمول والكمال، وإن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد أطلعه الله على مستقبل هذه الأمة وعلى ما يصلحها، وقد أقسم جمع من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه لن يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولهذا فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام…» الحديث. ولذلك يقول العلماء إنها تخرج من قوت البلد ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عادلها بقيمة نقدية وهو يعلم ذلك، وقد كانت القيمة النقدية موجودة وقد كان الدرهم والدينار موجودين في عهده عليه الصلاة والسلام، يتعامل بهما ولو كان خيراً لسبقنا إليه ولتقدمنا إليه، فلما لم يكن كذلك كان لزاماً علينا أن نقف عند النصوص، وأن نجلها ونحترمها، ونحن لا بد أن نعظم شريعة الله، عزَّ وجلَّ، ومن أعظم تعظيم شريعة الله أن نحترم النصوص، فنقف عندها ولا نجتهد، وقديماً قال الأصوليون رحمهم الله: لا اجتهاد مع النص. وكل قياس يصادم النص يسمى فاسد الاعتبار لا قيمة له، ومن هنا فإنه يجب أن نتحرى سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونقتدي بها، ولو أن المسلمين أدوا زكاة الفطر على الوجه المشروع، وأدوا زكاة أموالهم على الوجه الذي أذن الله به وشرعه رسوله، صلى الله عليه وسلم، لوجدنا أن أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، أغنى الأمم وأعزها، لكن لما كان في هذه الأمة من يخالف ومن يرابي ومن يمنع الصدقة ويمنع زكاة الفطر، حصل الفقر والحاجة، وأن هناك من يتحايل على زكاة الفطر لإماتتها والمطالبة بإخراج النقود بدلاً من الطعام، وهذا من التحايل لإماتة هذه الشعيرة وإظهارها بالمظهر الضعيف، فإنه إذا تحول الناس إلى النقد ذهب منظر هذه الشعيرة وبهاؤها وذهب التاريخ الذي يربطنا بها في سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنك عندما تخرج صاعاً من طعام، تتذكر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أخرجه، وأن الصحابة أخرجوه من بعده، وتذكر تاريخك المجيد وامتدادك الأصيل إلى أعمال الزمن من أوله إلى آخره.

تنبيه وتحذير

وأخيراً حذر فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ من التساهل عند إخراج زكاة الفطر وطالب بدفعها لمستحقيها وقال: الأولى أن نتعاهد بها من يغلب على ظننا انتفاعه بأكلها، أما أولئك الذين يأخذونها ليبيعوها، فهؤلاء متسولون ولا ينبغي أن نعطيها لهم، إنما نعطيها لمن نعلم أنه يكتفي بها وتكفيه قوتاً له وينتفع بها. ثم حذر فضيلته مما فعله البعض من إعطائها لأقارب تلزمه نفقتهم.

– يسن التكبير ليلة العيد ويومه ويستمر المرء في ذلك حتى يصل إلى المصلى، مصلى العيد.

– أن يغتسل المرء ويلبس أحسن ثيابه قبل ذهابه لصلاة العيد، وأن يخرج مبكراً.

– يستحب أن يخرج زكاة الفطر بعد صلاة الفجر يوم العيد وقبل صلاة العيد، وإن أخرجها قبل ذلك في ليلة العيد فلا بأس بذلك، فقد نص العلماء أنه يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.

– أن يؤدي صلاة العيد مع المسلمين فلا ينبغي أن يتخلف عنها إلا من عذر، لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة.

– قبل خروجه لصلاة العيد يسن أن يأكل تمرات وتراً.

– أن يذهب بطريق ويعود بطريق آخر.

– أن يقوم بتهنئة إخوانه بالعيد، سواء كانوا من أقاربه أو من سائر المسلمين، ويظهر المسلم فيه الفرحة والسرور، لكن وفق ما شرع الله عز وجلَّ، فإن هذا عيدنا أهل الإسلام هو وعيد الأضحى، ويفرح المؤمن في هذا العيد أن أكمل الله له النعمة بإتمام شهر الصيام.

موسم للتراحم والتصالح

العيد موسم يقرب القلوب من بعضها ويغسل درنها، لذلك ينبغي للمسلمين أن يحرصوا على هذه المثل، وحول هذه المعاني الجميلة للعيد يقول الدكتور عبد الله بن أحمد العمري، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: يفرح المسلمون بالعيد لأمرين، الأمر الأول لأنه يأتي بعد أداء ركن من أركان الإسلام يجتهد فيه المسلمون في الطاعة ويتبارون في التقرب إلى الله بالصيام والقيام والصدقة فتكون فرحة المسلم من هذا الباب نوعاً من الشكر لله الذي مكَّن المسلمين من عبادتهم، وأمدَّ في أعمارهم حتى أدركوا شهر رمضان، وأعانهم على صيامه وقيامه، ومن حق المسلم أن يعلن فرحه بذلك وأن يشكر ربه عليه، أما الآخر فلأنه مظهر من مظاهر تميز الأمة الإسلامية عن غيرها، فالمسلم في يوم العيد يلبس أجمل ما لديه لترجمة جمال المناسبة، فجمال المظهر يدعو إلى جمال المخبر من حسن الظن ونبذ الكراهية والشقاق والتواصل بين الأقارب والجيران وإعلان التغلب على هوى النفس الأمارة بالسوء، وذلك بالتسامح في ما قد يكون كدَّر صفو العلاقات الأخوية بين الأقارب والجيران والأصدقاء، فالعيد فرصة ثمينة لكل مسلم لكي يفتح صفحة جديدة في مضمار العلاقات الاجتماعية، هذه الصفحة تلغي كل مظهر من مظاهر الضغينة والحقد وتزيل كل رواسب الحزازات والمشاحنات التي لو دقق المسلم في أسبابها لوجد أن ذلك كله ما هو إلا نزوة شيطانية ودافع هوى أرعن لا يحق للعاقل أن يكون أسيراً له، فالعيد مكان لصفاء النفس وشفافية الروح ونبل العاطفة ومن هنا ينبغي للمسلم أن يستغل ذلك للتصافي مع الآخرين وإبداء الصفح إن كان وقع عليه خطأ وإبداء الاعتذار إن كان وقع خطأ منه، والعجيب أن بعض الناس يظهر ذلك كله يوم العيد ثم لا يلبث أن يعود إلى ما كان عليه من القطيعة والبغضاء وكأنه بهذا يحتفظ في داخله بحقده وكراهيته ويظهر أمام الآخرين بخلاف ذلك مجاملة لهم أو سدَّاً لباب الانتقاد من قبل الآخرين حتى إذا ذهبت مناسبة العيد نكص على عقبيه، وهذا الصنف من الناس مريض سيئ الطوية، فإن المؤمن إذا صفح وعفا لم يعد إلى الكراهية والبغضاء إلا بسبب جديد يوجب ذلك، وإني أدعو نفسي وإخواني المسلمين إلى التصافي والتواد وإعلان فرحة العيد مع صادق الود وصريح الصفاء.

لزوم الطاعات

ثم تحدث الشيخ الدكتور فهد بن سعود العصيمي، عضو هيئة التدريس بمعهد تعليم اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قائلا:

في بداية هذه الكلمة أبارك للجميع عيد الفطر السعيد وأسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنهم صالح الأعمال.

ثم أقول ليتفكر كل واحد منا في حاله وليعزم على الاستمرار على ما اعتاد عليه في شهر رمضان من المداومة على عمل الطاعات والتقرب إلى الله بفرائضه ونوافله من صلاة وصيام وبرٍّ وصلة رحم

فرحة العيد لا تكون عظيمة كبيرة إلا لمن اجتهد وعمل في هذا الشهر، فهو يفرح في العيد بالفطر بعد الصيام ويفرح بما وعد الله به عباده المطيعين له من عظيم الأجر والثواب، ولا شك أن الصيام وقيام ليلة القدر من جملة الأعمال الواردة التي وعد الله من عمل بها بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهل هناك أعظم من هذه الفرحة.

وأن العيد فرصة للتودد للناس ووصلهم، وشكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة ومنها نعمة الصحة والعافية والمال والبنون والأمن في الأوطان، فتفكر أخي وأختي واشكرا نعمة الله، فليس العيد لباساً جديداً فحسب، فالمعتبر من الإنسان المعنى والصفات، لا الملابس والذات.

رؤي على سعيد بن المسيب –رحمه الله تعالى- جبة خزّ، أي ثوب واسع من الصوف، فقيل له إنك حسن الجبة فقال: وما تغني عني وقد أفسدها عليَّ أبو عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر حين قال لي: أصلح قلبك والبس ما شئت، وما أحسن قول الشاعر في هذا المعنى: قد يدرك المجد الفتى وإزاره.

ونحن في أيام عيد يشرع فيها إظهار السرور والفرحة، لا تنسوا إخوتي أننا في زمن الإمهال، فاغتنموا أوقاتكم وعمروها بالطاعات، كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: «حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة». وقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»، فالله الله بالطاعات الزموها وداوموا عليها وأكثروا من الأذكار والاستغفار والصدقة وحصنوا جوارحكم عن الفحش قولاً وعملاً ومشاهدة وسماعاً وحافظوا على الصلاة ولا تضيعوها، فهي الركن الأهم من أركان الإسلام، ومن صلحت صلاته صلحت أعماله. فأرجو إن شاء الله أن يصلح سائر عمله، ووفقني الله وإياكم ونفع بكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة