نتنياهو: هلا بالخميس

تاريخ النشر: 06/01/18 | 10:52

أثار قرار رئيس مجلس قرية عين ماهل منح شهادة تقدير لرئيس الحكومة الإسرائيلية وتنظيم احتفال رسمي وشعبي بهذه المناسبة ودعوة العديد من رؤساء المجالس والبلديات والوجهاء للمشاركة فيه، موجة من الإستياء والغضب المحليين والقطريين؛ ففي القرية عارضه ستة أعضاء مجلس، من أصل أحد عشر عضوًا، ومعهم وقفت فعاليات شعبية وسياسية عديدة، بينما أعلنت ” اللجنة العليا لمتابعة شؤون الجماهير العربية في إسرائيل” رفضها للخطوة وعزمها على إقامة وقفة احتجاجية كبرى في واجهة قاعة البلدة الرياضية التي سيحتفى فيها بالضيف وحاشيته.

كان متوقعًا، كما حصل بالفعل، معالجة هذه الحادثة بتبسيط شعاراتي كسول، ومواجهتها بردود فعل نمطية تقليدية شائعة بين المواطنين العرب ومستحبة عند بعض قادتهم خاصة في حالات الخروج الصارخ عن المألوف الوطني السائد، لكن الذي جرى في عين ماهل تخطى كونه استضافة وزير إسرائيلي في زيارة خلافية كان يعارضها البعض ويبررها آخرون بكونها زيارة عمل قد تفضي إلى نتائج مادية لصالح القرية وسكانها، فتوقيت الزيارة والتكريم المعلن لم يتركا مجالًا للرهان على أهدافها الحقيقية ولا فسحة للالتباس وكونها إشهار موقف سياسي واضح ومستفز.

وإذا ما تمعنا بما سبق الزيارة ورافقها من تداعيات ونشاطات استباقية لم تثن، عمليًا، القائمين عليها عن قرارهم، قد نتوقع تحولها إلى حدث فارق سيستقدم أشباهه في المستقبل، كما وسيؤثر تمريرها كسابقة ناجحة في تعزيز هندسة جينات القيادات المحلية المستقوية على عظام هياكل مجتمعاتنا السياسية الواهنة؛ فقبل الزيارة، والتي جرت يوم الخميس الفائت، شهدنا يوم الإثنين مظاهرة محلية في عين ماهل ندد فيها المشاركون بدعوة نتنياهو لأنه غير جدير بالتكريم وذلك بسبب ممارساته القمعية ضد الفلسطينيين وبحق القدس على وجه التحديد، ومعاداته العقائدية والمنهجية السافرة لشرعية الوجود العربي في البلاد.

في حين أكد قبل ذلك السيد محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة، خلال مظاهرة لنصرة القدس جرت في قرية جديدة – المكر يوم الجمعة الذي سبق الزيارة أن “لجنة المتابعة تنوي اتخاذ قرارات في حال تمت زيارة نتنياهو إلى قرية عين ماهل” ووفقًا لما نشر في المواقع، فلقد وجه بركة رسالة حازمة إلى رئيس المجلس قال فيها ” قبل فوات الأوان، نحن لا نستطيع كشعب أن نمر مر الكرام في الأيام التي يجري فيها انتهاك القدس من قبل نتنياهو وترامب أن يُستقبل (نتنياهو) ويأخذ مواطنة شرف أو مواطنة قرف على رأسه، نحن لا نستطيع أن نقبل ذلك، ولا نستطيع أن نسمح بذلك ولذلك نحن بصدد إتخاذ إجراءات”.

لم يتراجع رئيس المجلس عن قراره، ولم يرتدع لا هو ولا من حضر من رؤساء ووجهاء وشخصيات من صرخات بركة المدوية والمتظاهرين. تم الاحتفال المخطط وشاركوا فيه، فانتقدهم البعض وخونتهم قلة وهاجمهم آخرون، لكن الأكثرية بقيت أسيرة صمتها ومارست حياتها اليومية بروتينية طبيعية وفي مشهد يستدعي التفكر ولا يحتمل الاكتفاء بالشجب ووصف الحدث بالعيب وبالعار وبالخسارة، ففي عين ماهل واجهت المؤسسة القيادية العربية التقليدية “تحرشًا” مقصودًا خدش عفة عجزها العادي، وجسّد بعض عوارض “المنزلق الخطير” الذي حذرنا منه منذ سنوات، حين خذلنا قلاعنا فسقطت واحدة تلو الأخرى.

شعور القيادات بالإكتفاء الوظيفي الوطني بعد كيل الاتهامات للمشاركين في استقبال وتكريم نتنياهو غير كاف وغير مجد وغير مقنع لأنه الأسهل والبديهي والمفروغ منه، واذا لم يبادروا لاجراء تقييم معمق لظاهرة نشوء مراكز قوى محلية متنفذة وخارجة عن طوع المؤسسات العربية التمثيلية، فستشهد مجتمعاتنا استفحالًا متناميًا لهذه الظاهرة وسيصبح تجاوزها في المستقبل عسيرًا ومكلفًا.

نحن نواجه في واقعنا حصيلة هزيمة بنيوية شاملة حلت بمنظومة الحكم المحلي وما فتئت تبعاتها تؤثر وتنعكس في مفاصل حياتنا اليومية، واذا ما أدركت الأحزاب والحركات والمؤسسات الناشطة بيننا هذه الحقيقة وأقرت بخطورتها وبضرورة مجابهتها فسيغرق مجتمعنا أكثر في متاهات الفوضى والعنف والعربدة وستنتشر ظاهرة تكريم “العرابين”، ولسوف يتبع ذلك هزيمة في الانتخابات البرلمانية العامة القادمة.

قد يغضب كلامي الكثيرين لكن ذلك لن يغير من حقيقة كون رئيس مجلس عين ماهل، ومثله رئيس بلدية الناصرة، الذي شارك في الاحتفال، ورؤساء آخرين، قيادين محليين منتخبين من قبل مواطني بلداتهم، واختيار رئيس عين ماهل، في حالتنا، طريق التحدي تم باسم شرعيته المكتسبة ورفضها لتعريفات “المألوف والمأمول”، وباسمها أيضًا قرر ألا يلزم الصمت إزاء ما قاله بركة، رغم أنه قيل باسم لجنة المتابعة العليا، وهي أهم مؤسسة قيادية بين الجماهير العربية، كما أنه لم يحسب حسابًا لكون بركة ابنًا لتنظيم عريق وشخصية وطنية بارزة وصاحب تجربة ورصيد نضاليين مشهودين، فرغم كل ذلك رد رئيس مجلس عين ماهل صاع بركة بصاعين وبنبرة مطوّرة عما صدر في الماضي من بعض رؤساء البلديات والمجالس العربية الذين هاجموا علانية الأحزاب والمؤسسات السياسية وقيادييها، فأكد، كما نشر على لسانه قبل زيارة نتنياهو، أنه لن يتراجع عن قراره باستقبال بنيامين نتنياهو، وأردف قائلًا بكلام استثنائي اللهجة “الله يسامحك ويخليلنا اياك تناضل وتدير بالك علينا، ما تهددنا وتخوفنا، نحن لا نخاف منك ولا من كل أمثالك ولا من جبهتك ولا من أيمن عودة تبعك ولا من كل جماعتك. نحن شعب صامد نعرف الله ونخاف الله، ولا نقسو على بعضنا البعض بهذه الصورة”.

لم يكن رئيس عين ماهل أول المناكفين ولن يكون الأخير، فهو يعرف من يقف معه وفي معسكره ولذلك مضى في مشروعه حتى النهاية مدركًا أنه يمثل حالة تؤطر كثيرين من الرؤساء العرب الأعضاء في اللجنة العليا لرؤساء البلديات والمجالس العربية، الذين انتخبوا بشكل حر وديمقراطي من قبل أهالي بلداتهم في زمن نامت نواطير البيادر عن جناها وغاب “السياسي” على مذابح العمى الاجتماعي والمنافع الخاصة وتآكل دور الأحزاب والحركات السياسية بشكل موجع.

فعلى ماذا تبكي اليوم الأحزاب وقادتها وقد أضاعوا مجدهم وهانوا؟ وكيف سينجحون باستعادة الميادين بعد أن كانوا سببًا في خسارتها، عندما أقنعوا مناصريهم أنهم “مضطرون” للتحالف مع “الشياطين” كي تضمن أحزابهم العريقة دخول مرشح لها في هيئة مجلس بريئة من “ألف” السياسة “ونون” الانتماء إلى البلد، أو أنهم مجبرون على دعم مرشحين عائليين من أجل تأمين “حضور وظيفي” يظلل مصالح مصوتيهم ويضمن أصواتهم في المستقبل، أو أنهم ملزمون للوقوف إلى جانب شخصيات إشكالية و “رمادية هلامية”من أجل القضاء على فرص نجاح مرشح الحزب الغريم، فهذه “القدسية” تبيح كل المعاصي واسقاط “الرفيق” المنافس صار هدفًا أجاز كل المحاذير والكبائر.

ربما نسوا تلك الكوابيس، لكننا لن ننسى كيف صحونا بعد ليلة “سكر أيديولوجية” لنجد “أشرس” الوطنيين و “أنقاهم” يقفون على منصات العبث و”الظفر” ويعانقون بنشوة رؤساء بطعم “المنسف” ويحتضنونهم ورائحة البارود ومعًا يهنئون الشعب والظلام بانتصاراتهم الفريدة

لا أستهين بجميع من أعلى صوته رافضًا دعوة نتنياهو وتكريمه، ولا أستخف بكل من شارك في مظاهرة أو أي فعل إحتجاجي على تلك الدعوة، لكنني راقبت من كان داخل القاعة وما قيل فيها وكان قلبي مع بركة حين وقف خاطبًا على تلك الشرفة، وعيني على من غابوا ولم يقفوا إلى جانبه أو في ساحة البلد؛ فالوقفة والصرخة أوصلتا رسالة واضحة لكنها بقيت منقوصة بسبب غياب القياديين والرؤساء والوجهاء وقباطنة المؤسسات المدنية، وغيابهم كشف مجددًا قدرة الأحزاب الحقيقية وعرى الشروخ العميقة في مرايانا، ونقل في ذات الوقت، نسائم “البشرى” لمن كانوا في القاعة ومن أيدوهم “بالريموت كونترول” أو بصمتهم.

نعيش واقعًا هشًا وخطيرًا، وفي معظم القرى والمدن العربية توالفت المجتمعات مع صوت الرعد الجديد ووعود البرق، وتساوق الناس وفقًا لقوانين السوق والطبيعة، التي لا تسمح ببقاء الفراغ ولا بالعيش من غير مظلات واقية، فلجأوا إلى غرائزهم الفطرية واحتموا في حضن العائلة والمعبد وفي كنف عباءات المخاتير الجدد ومن يقف وراءهم.

مجتمعنا صغير وكلنا يعرف تفاصيل واقع قرانا ومدننا، فعلى الرغم من اقتراب موعد الانتخابات للمجالس البلدية والمحلية لم نشعر بأي مبادرات جدية تبشر بامكانية حصول التغيير المنشود، بل على العكس فيوميًا يتضح أن القوى السياسية الموجودة هي أصغر من حجم المسؤولية وأعجز من مواجهة القوى الجديدة الحاكمة؛ ومع أنني استثنيت في الماضي مرارًا تنظيم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وراهنت على قوتها وخبرتها وكونها المؤهلة الأولى لاستعادة الرشد وإحداث الطفرة، نراها هي أيضًا على الرغم من مرور السنين لم تخط في معظم المواقع خطوتها الأولى حيث ما زالت على الأغلب تخيط بمسلاتها القديمة وتتردد هنا وتتخبط هناك، هذا باستثناء بدايات محدودة ومحمودة في بعض البلدات.

لقد انضمت قرية عين ماهل، وهي تتوسط الطريق بين الناصرة وقانا الجليل، إلى أخواتها، وتصرف رئيسها كمواطن إسرائيلي جيّد، مضيفًا، مثل من سبقه، إلى ساحة الجماهير الواسعة معضلة قديمة جديدة يحتاج حلها لأكثر من صلاة وشتيمة ولأنجع من مظاهرة وشعار. فمن سيواجهها ويحلها وكيف؟
جواد بولس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة