قامت تظللني

تاريخ النشر: 27/05/17 | 16:17

قامت تظللني

…………………
من القائل؟
قَامَتْ تُظَلِّلُنِي مِنَ الشَّمْسِ *** نَفْسٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي
قامَتْ تُظَلِّلُنِي ومِنْ عجَبٍ *** شَمْسٌ تُظَلِّلُنِي مِنَ الشَّمْسِ
..
كنا نشرح المجاز في موضوع البلاغة، فنستشهد بهذين البيتين، فنذكر أن (الشمس) استعملت في معنيين، أحدهما المعنى الحقيقي للشمس التي نعرفها، والثاني بمعنى إنسان وُضّاء الوجه يشبه الشمس في التلألؤ، وهذا المعنى غير حقيقي.
هناك علاقة أو صلة بين المعنى الأصلي للشمس والمعنى الجديد الذي استُعملت فيه، وهذه العلاقة هي المشابهة، لأن الشخص المشرق يشبه الشمس في إشراقه، فنحن نعرف أن معنى- “شمس تظللني” أنه غير حقيقي، فالشمس الحقيقية لا تظلل، فكلمة (تظللني) تمنع من إرادة المعنى الحقيقي، ولهذا تسمى قرينة – دالة على أن المقصود هو هذا المعنى الجديد.
نسمي االلفظ الخارج عن معناه الأول مجازًا،
فإذا كانت العلاقة في هذا المجاز هي المشابهة فهو استعارة.

البيتان لابن العميد (ت. 970م)- وعلى ذلك جرت المصادر الكثيرة. أما ابن العميد فهو الذي قيل إن الكتابة خُتمت به- أي بترسّله.
..

قال ابن العميد ذلك في غلام حسن قام على رأسه يظلله من الشمس.
وقال ابن النجار في تاريخه: …..أنشدنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي الواعظ في ولده أبي العباس، لأنه كان يقوم إذا جاءت عليه الشمس ويظلله فقال:

قامت تظللني من الشمس *** نفسٌ أعزُّ على من نفسي
قامت تظللني ومن عجب *** شَمْسٌ تظللني من الشمس
لمَّا رَأيْتُ الشمسَ بارزةً *** ستَّرتُ عين الشمسِ بالْخَمْسِ
ثم اسْتَعنتُ على التي اخْتَلست *** من الفؤاد بِآيةِ الكرْسي

(العباسي: معاهد التنصيص على شواهد التلخيص ص 231
الثعالبي: يتيمة الدهر ج3، 160، في ذكر ابن العميد- حيث يورد البيتين:
ظلت تظللني من الشمس *** نفس أعز علي من نفسي
فأقول واعجبا ومن عجب *** شمس تظللني من الشمس)

..

في تصفحي لكتاب الجرجاني (أسرار البلاغة) رأيت أنه تناول البيتين ليبيّن قوة التشبيه إلى درجة الإيهام:

قامت تظللني من الشمس *** نفس أعز علي من نفسي
قامت تظللني ومن عجب *** شمس تظللني من الشمس

يلاحظ عبد القاهر الفعل التخييلي نفسه، فيرى أنه يثير عجب الشاعر وتعجبه. وأهم ما يميز هذا الصنف (غير المعلَّل) أن درجة التناسي والادعاء تبلغان مداهما الأقصى:
“وذلك أن تنظر إلى خاصية ومعنى دقيق يكون في المشبه به، ثم تثبت تلك الخاصية وذلك المعنى للمشبه، وتتوصل بذلك إلى إيهام أن التشبيه قد خرج من البين وزال عن الوهم والعين، أحسن توصل وألطفه”.
يقول الجرجاني:
“فلولا أنه أنسى نفسه أن ههنا استعارة ومجازًا من القول، وعمل على دعوى شمس على الحقيقة لما كان لهذا التعجب معنى، فليس ببدع ولا منكر أن يُظلّل إنسانٌ حسن الوجه إنسانًا ويقيه وهجًا بشخصه”.
الجرجاني: أسرار البلاغة 303 (فصل: في تخييل بغير تعليل).

البيتان في رواية أخرى:
الشاعر هو الصابئ (ت. 994 م)

“كان أبو إسحاق الصابئ واقفًا بين يدي عضُد الدولة، وبين يديه كتب قد وردت عليه من ابن سَمْجور، صاحب خراسان، وعلى رأسه غلام تركي، حسن الوجه، جميل الخليقة، وكان مائلاً إليه، ورأيت الشمس إذا وجَبت عليه حجبه عنها، إلى أن استتم قراءة ما كان في يده، ثم التفت إليه، فقال له: هل قلت شيئًا يا إبراهيم؟ فقال:
وقفت لتحجبَني عن الشمس *** نفسٌ أعز علي من نفسي
ظلت تظللني ومن عجب *** شمس تقنّعني عن الشمس

فسر بذلك، وطوى الكتب، وجعله مجلسًا للقرب”.

(ياقوت: معجم الأدباء ج2، ص 56- مادة إبراهيم بن هلال الصابئ).

من الطريف في هذا السياق أنني ما زلت أذكر شعرًا بالعامية قرأه أمامي صديق، وهو في وصف جميلة كانت تحمل مظلة في يوم مشمس:

لو لمستِ الميّت لـمْـسْ
بيحيا لو كنّو بالرمسْ
حرقتي دين الشمسية
فوقا شمس وتحتا شمس

ب.فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة