منازل القمر
تاريخ النشر: 12/05/17 | 4:26إن الحقائق العلمية التي أقرها القرآن الكريم في آياته، وتوصل العلم الحديث إلى معرفتها ـ تؤكد للبشرية أن الإسلام دين الحق، ودين العلم، وأن معجزته لم تكن معجزة مادية فحسب، بل كانت معجزة عقلية تخاطب أصحاب العقول والفطرة السليمة، لذا فإنه من الواجب على العلماء ـ كل في تخصصه ـ توظيف الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن وأثبتتها العلوم الحديثة في تصحيح صورة الإسلام.
ويتضح أن الكثير من الحقائق العلمية الواردة في القرآن الكريم يكشف عنها العلم يومًا بعد يوم، وأن كتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ تضمن من الحقائق ما يبهر العلماء والمفكرين في العالم على مر العصور، وأنه حجة الله الباقية على الناس كافة.
و فيما يلي سنقوم بتسليط الضوء على آيتين كونيتين من آيات الله؛ وهما الشمس والقمر، ودورهما في تحديد أوقات بعض العبادات وأمور الدين، حيث يحدد هذان الجرمان النيران مواقيت الصلاة والصيام والحج والزكاة والأعياد. وحيث إن الصيام من العبادات التي يهتم بها المسلمون في جميع أصقاع الأرض، ولكل من الشمس والقمر دور أساس في تحديد مواقيته نحو دخول شهره أو طول يومه ـ فسيكون له النصيب الأكبر في الطرح. وتتضح أهميته بصورة أكبر عند اقتراب شهر رمضان المبارك ـ حيث يدور الحوار والنقاش حول اعتماد الرؤية البصرية المجردة للهلال في ثبوت دخول شهر رمضان وخروجه، أو استخدام المناظير الفلكية والوسائل الحديثة لذات الغرض، أو الاستعانة بالحسابات الفلكية أو الأخذ بها مجردة. وسنحاول في هذا المقال توضيح عظمة خالق الكون في تسخير هذين الجرمين العظيمين ودورهمــا في حياة الناس العامة ومواقيتهم التعبدية، وخاصة تحديد شهر رمضان المبارك ومناقشة معايير رؤية الهلال لتحديد دخول الأشهر الحرم، ودقة الحساب في ذلك من جهة، وأهمية التقويم الهجري القمري الموحد من جهة أخـرى. وتتــأتى الأهميـة الكبرى في إنشاء مركز لرصد الأهـلة يُعنَى بدراسة القمر ومنازله بجوار الكعبة المشرفة.
الشمس والقمر دائبان:
يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه العزيز: (وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، (يس: 37ـ40).
إن المتأمل في هذه الآيات الكريمات يجد إعجازًا بالغًا من نواحي عدة؛ لعل منها ما يلي: الترتيب الدقيق في التوجه نزولاً من أسبار الكون حيث الظلام الدامس، الذي يسيطر على جنباته، والمحيط بالمجرة والمجموعة الشمسية، وذلك هو الحال كما رصده رواد الفضاء وصوّرته الأقمار الصناعية، ومن ثم الاتجاه نحو الشمس وهي مركز مجموعتنا الشمسية والتي تجري سابحة بسرعة هائلة نحو مستقرّها الذي قدره العزيز العليم. ثم التوجه نحو القمر، وهو الجرم الصغير الذي يدور حول تابع للشمس (الأرض)، كما تشرح الآيات كيفية تغير منازله الدالة على توالى الأيام حتى يعود هلالاً صغيرًا بسبب تغير موقعه بالنسبة للشمس والأرض.
وقد استدل بعض العلماء من الآية التالية على أن القمر يجب أن يغرب بعد غروب الشمس مباشرة لتحديد أول الشهر ودخوله، وأن هذا التغير الزماني ناتج عن ارتباطه بالمكان لكل من الجرمين، اللذين يسبح كل منهما في فلكه بدقة عالية. ولو تصورنا هذه الأجرام الثلاثة وهي تسبح في مداراتها بأحجامها المتباينة وبسرعاتها العالية وأبعادها الكبيرة لَهالَنَا ذلك التصور.
السراج:
فالشمس لها حجم ضعف حجم الأرض مليون وثلاثمائة ألف مرة، وضعف حجم القمر ثمانية ملايين مرة، وتبعد الشمس 150 مليون كم عن الأرض، إلا أن حجم القمر لقربه منا يرى وكأن له حجمًا مساويًا لحجم الشمس. وهذه الأجرام المتباينة في الحجم لها سرعات تصل إلى مئات الآلاف من الكيلومترات، ومن مئات الأقمار الصناعية وسفن الفضاء التي تم إرسالها لدراسة الكون بشتى أجرامه ـ توجد العشرات منها لدراسة الشمس، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (يوليسيس، وسوهو، يوكوه)، وذلك للاستفادة مما سخره الخالق لبني البشر، ومحاكاة ما في الكون ـ بالمعامل الأرضية، ومن ثَم التعرّف عليها بشكل أكبر وأدق مما سبقت معرفته.
ومن المعلوم أن الشمس تجري (ومعها مجموعتها الشمسية) بسرعة تقدر بحوالي 220 كيلو مترًا في الثانية حول مركز مجرتنا (درب التبّانة) لتتم هذه الدورة في250 مليون سنة. وهي تدور حول نفسها دورة كاملة كل 27 يومًا. كما أنها نشطة بذاتها فهي تشع الطاقة كمفاعل نووي (الحرارة ـ والضوء) لجميع أنحاء المجموعة الشمسية بنشاط دائم منقطع النظير بدأ منذ قرابة 4,5 بليون عام. ولموقع الشمس ارتباط وثيق بتحديد مواقيت بعض أركان الإسلام كالصلاة والصيام والحج.
ويتضح دور الشمس في عبادة الصلاة عن طريق تحديد أوقاتها (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا). وكوجبت الشمس، وغاب الشفق، وزوال الشمس. ويأتي دورها في الحج في تحديد مشاعره في كل من عرفة ومزدلفة ومنى. وفي الصيام حين ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وغروب الشمس في تحديد طول فترة الصيام اليومية، وتحديد أول الشهر بغروبها قبل القمر.
النور:
كما أن القمر دائب الحركة حول نفسه؛ فهو يدور حول الأرض مرة كل 29.53 يومًا، وذلك متوسط الشهر الاقتراني، وهذا يعني أن القمر يتحرك في السماء بالنسبة للنجوم كل يوم بمقدار 13 درجة تقريبًا نحو الشرق، أو نصف درجة كل ساعة، وهذا مساو لقطره تقريبًا.
والقمر عبـارة عن جرم سماوي مظلم، وما الضوء الذي نراه منه إلا انعكاس لضـــوء الشمس عن سطحه، وللقمر نصف مضيء ونصف مظلم تقريبًا، وتختلف أطواره التي نراها تبعًا لموقع النصف المضيء من القمر بالنسبة للأرض، فإذا وقع القمر بين الأرض والشمس تمامًا فعندها ستضيء الشمس النصف المواجه لها، في حين يكون النصف المواجه للأرض مظلمًا ولا نرى القمر في ذلك الوقت، وهذا ما يسمى بالاقتران أو تولّد الهلال، ثم بعد بضعة أيام يأتي التربيع الأول، ثم البدر، ثم التربيع الثاني، وأخيرًا يعود مرة أخرى إلى طور المحاق.
توضح الدائرة الخارجية أطوار القمر كما ترى من الأرض، أما الدائرة الداخلية فتبين أن للقمر فعليٌّا نصف مضيء ونصف مظلم في جميع الأوقات.
ولا يحدث الكسوف عند كل اقتران بسبب ميلان مدار القمر بمقدار خمس درجات تقريبًا عن مستوى مدار الأرض حول الشمس.
وبالتالي قد يقع القمر بين الأرض والشمس، ولكن ليس بالضرورة على نفس مستوى مدار الأرض حول الشمس، فقد يكون أعلى أو أدنى من ذلك المستوى. أما إذا وقع على نفس المستوى فعندها يحدث الكسوف، وهذا يسمى اقترانًا مرئيٌّا. ولا يعني تولد الهلال أنه بداية ظهور الهلال؛ بل تولّد الهلال هو وقوع القمر بين الأرض والشمس تمامًا، وتكون نسبة إضاءة القمر وقتها بالنسبة للراصد 0% تقريبًا. وباستمرار دوران القمر حول الأرض فإنه سيبتعد قليلاً عن الشمس، لتبدأ أشعة الشمس بالانعكاس عن سطحه لنراه على شكل هلال نحيل.
وحيث إن الهلال في صفحة السماء يقع بالقرب من قرص الشمس، إذن علينا أن نتحراه بعد غروب الشمس قرب المنطقة التي غابت عندها، إذ لا يمكن رؤية الهلال النحيل جدٌّا أثناء وجود قرص الشمس فوق الأفق، لأن وَهَجَ الشمس الشديد سيتغلب على ضوء القمر الخافت. كما هو الحال بالنسبة لرؤية النجوم والشمس في رابعة النهار.
التقويم القمري في الحضارة الإنسانية:
تُعَدُّ عملية قياس الزمن قديمة قدم الحضارة الإنسانية. ولا زلنا إلى اليوم نستخدم الشمس لهذا الغرض استخدامًا كبيرًا. ولم يكن استخدام الشمس أكثر من القمر في هذا الأمر إلا حديثًا، والسبب في اختيار القمر في العهود القديمة للاستخدام كتقويم يرجع لقيمته الفلكية والعلمية أكثر من الشمس لأنه يعطي نظامًا سهلاً ودقيقًا لقياس الزمن. لذا فليس من المستغرب أن معظم الحضارات القديمة استخدمت التقاويم القمرية مثل:
(البابليين، الإغريق، اليهود، المصريين ـ في منطقة الشرق الأوسط ـ والصينيين، والهنود ـ في الشرق). وقد استخدم كل هؤلاء تقاويم قمرية خالصة، وقد تم التحويل منها لتقويم قمري شمسي معتمد على دورة القمر الشهرية. لكن السنوات القمرية تم تعديلها دوريٌّا بإضافة شهر إضافي للمحافظة على الفصول لتتفق مع أشهر معينة، وهنا مَكمن الخطأ والذي لم يرتضيه الإسلام. ويستخدم المسلمون النظام القمري الخالص (مثل ما كان يستخدم سابقًا) المعتمد على عدد ثابت من الأشهر، وهو اثنا عشر شهرًا كل سنة.
وكذلك فإن العالم الغربي والكنيسة المسيحية الذين يستخدمون السنة الشمسية لتقاويمهم ـ يستخدمون النظام القمري لأهم تواريخ الكنيسة وهو عيد الفصح!. وهكذا فإننا نلاحظ أن النظام القمري لا زال يستخدم حتى اليوم على مستوى العالم أجمع بشكل أو بآخر. لهذا فإن كل التواريخ الدينية المهمة لمختلف المجتمعات مثل الأعياد، ويوم الفصح، بداية السنة الصينية ويوم خيبر وغيرها ـ قد تتزحزح سنويٌّا خلال الفصول.
وفى تاريخ التقاويم واجه التقويم القمري ـ باعتباره منتظم الوقت ـ مشكلة خطيرة وهو ما قرره جوليان قيصر ـ 46 قبل الميلاد وهو ما عرف أيضًا بتذبذب السنة ـ وذلك بتثبيت الفصول في التقويم القمري لتتفق مع التقويم الشمسي البحت، وقد انتهج ذلك كل من اليهود وعرب الجاهلية. ومن المُجدي أن نتذكر أنه لم تكن هنالك مشكلة كبيرة مع التقويم القمري في حد ذاته، لكنه سوء استخدام الكهنة سلطتهم في عملية الكبس جعل القيصر يقتنع باتخاذ هذا القرار. ولا يُعَدّ هذا أمرًا ذا أهمية للتقويم القمري حتى العهد الحديث ـ وبالأخص ما قبل وصول الحضارة الغربية إلى أمريكا ومناطق أخرى من العالم مثل استراليا وآسيا وأفريقيا. حيث تم الاستعمال التدريجي للتقويم الشمسي المسيحي مما جعله عالميٌّا.
ولقد حظي التقويم القمري بدعم عظيم عندما استخدمه المسلمون كنظام قمري بحت (732م)، وكان ذلك في أبسط صيغة الثابتة والمحتوية على 12 شهرًا قمريٌّا.
وقبل هذا كان أهل مكة أثناء الاستخدام السيئ لعملية الكبس يغيّرون الأشهر الحُرُم (التي كانت الحروب فيها محرمة) لتناسب أهواءهم مثلما كانت الكنيسة الرومانية تفعل. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا، وقد أبطل موضوع الكبس في الآيات التالية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة 189)، (إِنَّ عِدَّةَالشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (التوبة 36). ومما جعل التقويم الإسلامي أكثر بساطة واستقلالية ـ استخدام الرؤية للهلال معيارًا واضحًا.
ومن الملاحظ أن الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل من حركة القمر الدؤوبة هذه حركةً ظاهرةً جليَّةً واضحةً لتحديد الأشهر الاثني عشر، مما يجعل التقويم الهجري تقويمًا طبيعيٌّا يمكن أن يشهده ويستنتجه بيسر وسهولة كل من الإنسان البسيط العامل، والمتعلم، والعالم، والذكر، والأنثى ـ كل على حد سواء، لذا كانت الرؤية المجردة هي التوجيه المباشر، والذي يمكن لكافة البشر القيام به. ثم تأتي بعد ذلك الرؤية بمساندة الأجهزة البصرية باللإضافة إلى الحسابات الفلكية الدقيقة.
ومن المعلوم أنه منذ بداية العصر الإسلامي تم تطوير التقويم الهجري القمري والذي مَرَّ بمراحل عديدة من التعديل حتى وقتنا الراهن، وفيما يلي سنذكر مختلف المعايير لتحديد رؤية الهلال وموقعه في السماء، وبالتالي ترجمة ذلك إلى معادلات لحساب التقاويم.
معايير رؤية الأهلة:
هنالك معايير عدة تحدد رؤية الهلال وهي:
1) البابلي:
تكون رؤية الهلال ممكنة إذا زاد عمر الهلال لحظة غروب الشمس عن 24 ساعة، وغروب الهلال بعد أكثر من 48 دقيقة من غروب الشمس، وهذا معيار جِدُّ غير دقيق.
2) البتاني:
تكون رؤية الهلال ممكنة إذا كان انخفاض الشمس لحظة غروب القمر بين 9 و10 درجات تحت الأفق ـ أي ممكن رؤية الهلال ما بين الشفق المدني والبحري (الشمس أسفل الأفق من 6 إلى 12 درجة).
3) محمد إلياس:
هذا المعيار يربط بين بُعد القمر عن الأفق وفرق الاتجاه الأفقي (البعد الزاوي)، وهو يعطي إمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة فقط، وحدد أقل ارتفاع هو 5 درجات.
4) معيار شيفر:
الذي أدخل العوامل الجوية في عين الاعتبار، بالإضافة إلى الأبعاد الفلكية.
5) معيار مرصد جنوب أفريقيا الفلكي SAAO
الذي يربط بين ارتفاع الهلال وفرق الاتجاه الأفقي (البعد الزاوي).
6) معيار يالوب: وقد وضعه البريطاني يالوب (وهو مدير لمرصد جرينتش ورئيس لجنة الأزياح الفلكية التابعة للاتحاد الفلكي الدولي) حيث يربط معياره بين فرق الارتفاع الزاوي المركزي للشمس والقمر مع السُّمك السطحي للهلال حيث قسم إمكانية الرؤية إلى (أ) ممكنة بالمرقب أو المنظار فقط، (ب) قد تحتاج إلى منظار أو مرقب، (ج) ممكنة بالعين المجردة في حالة صفاء السماء كليٌّا، (د) ممكنة بسهولة بالعين المجردة.
وبناء على أرصاد عبر مئات السنين لم تثبت رؤية هلال يقل عن المعايير التالية:
معيار عمر الهلال: لم يُر هلال بالعين المجردة يقل عمره عن 15 ساعة و24 دقيقة، وتمّ ذلك من قبل العالم يوليوس شميت عام 1871م.
أما بالمنظار فقد كان عمر أصغر هلال تمت رؤيته 12 ساعة و42 دقيقة، وبالمرقب 12 ساعة و7 دقائق، وتمت رؤيته من قبل الراصد ستام يوم 20 يناير 1996 عن طريق مرقب قطره 8 بوصات.
معيار المكث: لم يُر هلال بالعين المجردة يقل مكثه عن 22 دقيقة.
معيار البعد الزاوي: لم يُر هلال يقل بعده الزاوي عن 7 درجات.
إن دخول أشهر: (رمضان، وشوال، والحج) ـ تعتمد على وجود الهلال في وقت ومكان معيَّنين، ويجب توفر شروط ثلاثة، وهي شروط بداية الشهر الهجري القمري:
1 ـ أن يكون الهلال كاملاً فوق الأفق من غروب الشمس.
2 ـ أن يكون غروب القمر بعد غروب الشمس (لا الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَر) في مكة المكرمة.
3 ـ أن يولد الهلال ـ ويسمى الاقتران، أو التقاء النيرين ـ وذلك بوقوع الشمس والقمر والأرض على خط واحد.
دقة الحسابات الفلكية:
لقد أصبح من المسلَّمات البدهية أن الحسابات الفلكية غاية في الدقة، وما ذلك إلا لأنها تعتمد على الفلك الرياضي أو ديناميكا الفضاء في تحديد مواقع وحساب حركة الشمس والأرض والقمر والتي يسيِّرها العليم الخبير (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ).
ومن الأدلة على دقة الحسابات:
إطلاق الأقمار الصناعية وسفن الفضاء إلى الأجرام السماوية المختلفة، وحساب موعد وصولها بدقة متناهية تصل إلى أجزاء من الثانية، ولولا ثقة العلماء في دقة الحسابات الفلكية ـ لما تمت المخاطرة بحياة رواد الفضاء ومليارات الدولارات لإرسالهم إلى الفضاء الخارجي. ودليل آخر هو قيام الفلكيين برصد الاستتارات القمرية باستمرار، والمقصود بها اختفاء أحد الأجرام خلف قرص القمر نتيجة دوران القمر حول الأرض.
ومن الأمثلة على ذلك:
في يوم 22 مارس 1996 دلّت الحسابات الفلكية أن نجم الدبران سيختفي خلف قرص القمر في تمام الساعة 9 مساءً و35 دقيقة و41 ثانية، وتمّ التجهيز للرصد بالاستماع إلى إذاعة إشارات بث الوقت من موسكو (يمكن التقاطها على موجات 2.5، 5، 10، 15، 20 ميجاهيرتز، حيث يتم بث إشارة كل ثانية)، وما إن وصلت الثانية 41 حتى اختفى نجم الدبران وراء القمر.
ودليل آخر هو دقة حساب حدوث الخسوف والكسوف والمتوفرة لعشرة آلاف من السنين؛ فمثلاً حدث كسوف للشمس 11/ 8/ 1999، حيث كان موعد الكسوف في الساعة الـ1 ظهرًا و16 دقيقة و17 ثانية، وينتهي في 4 عصرًا و1 دقيقة و21 ثانية، وحدث الكسوف في نفس الوقت تمامًا. وفي رمضان المنصرم حدث خسوف للقمر في منتصف الشهر، وتحديدًا في 9 نوفمبر 2003، حيث بدأ الساعة 2:30 صباحًا، وذروته 4:18 صباحًا، ونهايته 6:03 صباحًا، كما شهدت بعض الدول كسوفًا كليٌّا للشمس بتاريخ 23 نوفمبر وكذلك في 4 مايو 2004 كما في شكل (2).
التقويم الإسلامي الموحد:
احتضنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا ـ ولسنوات طويلة ـ تقويم أم القرى. وقد قامت حكومة المملكة العربية السعودية، باحتضان الدورة الثامنة لِلَجْنة التقويم الهجري الموحّد في الفترة من 18 إلى 20 رجب 1419هـ الموافق 7 إلى 9 نوفمبر 1998م، بحضور علماء شريعة وفلك، وتمّ الاتفاق على المعايير التالية لاعتبار دخول الشهر القمري وهي:
1) استخدام إحداثيات الكعبة المشرفة (مكة المكرمة ـ المملكة العربية السعودية) أساسًا لهذا التقويم.
2) أن يكون توقيت مكة المكرمة أساسًا هذا التقويم.
3) أن تكون لحظة غروب الشمس في مكة المكرمة هي بداية اليوم الهجري القمري.
4) أن يغرب الهلال بعد غروب الشمس في مكة المكرمة بعد ولادة الهلال فلكيٌّا بالنسبة للكرة الأرضية، شريطة أن تكون ولادة الهلال فلكيٌّا قد تمت قبل غروب الشمس في مكة المكرمة.
5) مقارنة موعد غروب الشمس في مكة المكرمة مع موعد غروب القمر في مكة المكرمة.
وعليه:
أ) إذا كانت لحظة غروب الشمس في مكة المكرمة بعد غروب القمر في مكة المكرمة فإن اليوم التالي هو من الشهر السابق، ويكون اليوم الذي يليه هو أول أيام الشهر الهجري.
ب) إذا كانت لحظة غروب الشمس في مكة المكرمة قبل غروب القمر ففي هذه الحالة فإن القمر يكون قد وُلِد شرعيٌّا; حيث يكون القمر فوق الأفق بعد غروب الشمس، ويكون الهلال قد وُلِد فلكيٌّا قبل غروب الشمس، وبذلك يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، وهكذا.
وقد قامت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا بترجمة هذه التوصيات إلى معادلات، وأصدرت التقاويم الدقيقة اللازمة، ويلاحظ أن هذه المعايير تتماشى مع كافة شهادة الشهود، وتراعي القدرات الفسيولوجية للراصدين.
وخلاصة القول:
أولاً: تتجلى عظمة الخالق ـ تبارك وتعالى ـ في خلقه موضحًا ذلك في كتابه، لذا فإن الاهتمام بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة من قبل المتخصصين ـ ضرورة في عصر أصبح الهجوم عليهما شديدًا، والتشكيك فيهما يتخذ صورًا متعددة، كما أن الحقائق العلمية التي لم تعرفها البشرية إلا في العصر الحديث وأشار إليها القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية ـ تعد دليلاً محسومًا وبرهانًا ساطعًا عند كل ذي عقل أن خالق هذه الحقائق هو الذي أنزل القرآن على عبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: إنه لمن المهم جدٌّا الشروع في إنشاء مركز لرصد الأهلّة يهتم بدراسة القمر ومنازله ـ على أن يكون بجوار الكعبة المشرفة لما له من أهمية علمية وقدسية في قلوب أكثر من مليار ونصف من المسلمين في جميع أنحاء كوكبنا (الأرض).
ثالثًا: الشروع في توحيد التقويم الهجري القمري لجميع الدول الإسلامية؛ لما له من أهمية قصوى في حياة المسلمين، وذلك باعتبار ولادة الهلال قبل غروب الشمس شريطة مغيبة بعد غروبها حسب توقيت مكة المكرمة.