لست عبدا للدينار

تاريخ النشر: 07/04/17 | 7:46

الدينار هو عملة مستخدمة في العديد من الدول وعبرت عن المال بالدينار الذي يعتبر قوام الحياة وعليه نهضة الدول وتقدمها فسوف نُسأل عنه من أين اكتسبناه وفيما أنفقناه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ” تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أُعطي رضي وإن لم يُعطَ لم يَرضَ” . رواه البخاري

ففي هذا الحديث دعاء على الذي يعبد هذه الأشياء بالعثرة والإنتكاسة وتلحظ في الحديث نظرة الدين المتوازنة للمال إذ انه لم يقل مالك الدينار ولا جامعه لأنه لا نهي في الجمع والملك أما حينما يتحول العبد من جامع ومالك للدينار الى عبد له فهنا حلت عليه التعاسة والشقاء .

تعالوا معي أحبتي الكرام لنتعرف أكثر على نماذج تعاملت مع الدينار وكان لكل واحد منها موقفاً بارزاً للعيان :

نموذج قارون المتبجح :

قارون كان إبن عم النبي موسى عليه السلام صاحب الثراء العريض بلغ ثراؤه لمرحلة ان مفاتيح كنوزه كانت تتعب من يحملها عصبة من الرجال الجلداء الأشداء .

قارون لم يطلب منه الباري عز وجل أن يطلق الدنيا أو ينخلع من ماله بل طلب منه نسبة الفضل الى المنعم سبحانه وأداء حق المال .

لكن قارون المغرور الذي أعماه الثراء نسب الأمر لنفسه وذكائه وتخطيطه وعبقريته وأنكر جميل فضل الله له وليس هذا فحسب بل جره تبجحه إلى إزدراء الناس والنظر اليهم من فوق .

فأخذ حقه في الدنيا وبإنتظار نصيبه في الآخرة .. قال تعالى : ” فخسفنا به وبداره الأرض ” . القصص _ 81

وهنا تجد لمسة القرآن الكريم التي تحذر الإنسان من الطيش والغرور الموهوم والتبجح البغيض لتعيده الى إنسانيته السليمة وإلا كان الخسران حليفه ونصيبه قال تعالى :
” يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون ” . المنافقون _ 9

نموذج عُباد الدينار :

هو من جعل الدينار له الصدارة والمكانة الأبرز في حياته فلديه الإستعداد أن يضحي بدينه وبصديقه وبقيمه ومبادئه من أجل لمعة الدينار فلديه الشراهة المفرطة في جمعه ويجهش بالبكاء لفقدانه .

هذا النوذج تجد الحديث النبوي يرسم لك صورتهم واضحة المعالم محددة الوجهة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أُعطي رضي وإن لم يُعطَ لم يَرضَ ” . رواه البخاري

الخلل الذي وقع به هذا النموذج هو الفهم الخاطىء للمال فقد تحول المال من وسيلة إلى غاية وأصبح هو القيمة التي تُقاس به الأشياء .

وأمثال هذا النموذج لديهم شعار : اجمع القرش الأبيض لليوم الأسود وليتهم عملوا الشيء الصحيح وهو إستثمار القرش الأبيض لدفع اليوم الأسود .

نموذج المستخف بالدنيار :

هو من جعل الدينار الذي هو عصب الحياة تحت قدمه ثم حركها بعنف فوقه يميناً وشمالاً حتى اني لأسمع أنين الدينار تحت وطأة قدمه وهو يستغيث .

لا شك أن هذا جاء ردة فعل ونقيضاً للنموذج الذي يعبد الدينار ويسجد بخشوع للدينار ويتمسح به لتنهال البركات عليه .

فهذه الفئة حاربت الدينار بل أعلنت حرباً ضروساً ضد الدنيا بإجمعها فأعتزلت الحياة ولجأت الى إعتزال الدنيا بالكامل والعيش على هامش الحياة ويحسبون أنهم على شيء .

فهؤلاء لما خاصموا الدنيا والدينار قالوا نحن زهاد الحياة ونسوا أن حمرة الخجل لا تصبغها بعض المساحيق المحلوبة كما قيل .

عمر بن الخطاب يُصحح المعادلة الخاطئة :

وقد رأى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوماً قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون على الله ، فعلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونهرهم وقال : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة وإن الله يقول : ” فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ” . الجمعة_10

نموذج المتوازن :

هو الذي ينظر الى المال نظرة صحيحة سليمة من الإفراط أو التفريط يعلم أن المال وسيلة وليست غاية في ذاته وأن الغنى ليس فحشاً بل المال به نفعل الخير وندخل الجنة وننال رضا الباري عز وجل فقد جاء في الحديث ” نعم المال الصالح للعبد الصالح ” . رواه احمد

ولما ندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج لمواجهة الروم في غزوة تبوك عام 9 للهجرة وأمر الناس بالصدقة وحثهم على النفقة والحملان جهَّز عثمان بن عفان رضي الله عنه ثلث الجيش حيث ساق ثلاث مائة بعير بأقتابها وأحلاسها ، وأتى بألف دينار وألقاها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله يقول : ” ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ” . جامع الترمذي

واشترى عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة بعشرين ألف درهم من رجل من بني غفار وجعلها للمسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من حفر بئر رومة فله الجنة ” . رواه البخاري

فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه غنياً استطاع أن ينال الأجر والثواب والبشارة بالجنة من الصادق المصدوق .

ولله در الشاعر حينما قال :
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا .. .. وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

نعم المال زينة الحياة الدنيا وعصب الحياة وقد فطر الإنسان على حبه ولكنه وسيلة تُقصد وليس إلهاً يُعبد فلنتعامل معه بتوازن وحكمة ونجعله في راحة أكفنا نستعمله في دروب الخير ولا نجعله في سويداء القلب ونحن له راكعون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة