المجرات ذات الأذرع المتعددة تكشف خلل بالفيزياء الحديثة
تاريخ النشر: 12/04/17 | 15:19توجد في الفضاء الكوني خارج المجموعة المحلية للمجرات التي تنتمي لها مجرتنا درب التبانة، مادة لا زالت تعتبر منطقة مجهولة، لكن يعتقد أنها تتكون من وحش مجري مائي وهي عبارة عن مجرة شاذة وغير منتظمة الشكل تسمى NGC 4258 يوجد فيها اثنين من الأذرع يمتدان من منتصفها إلى حوالي نصف مساحة المجموعة المحلية، وهذه الظاهرة الطبيعة يعتقد أنها ستقودنا إلى إحداث ثورة مهمة في الفيزياء الكونية.
في عام 1961م عندما اكتشف الفلكيون ذراعان شاذان للمجرة NGC 4258 التي تبعد عن الأرض حوالي 25 مليون سنة ضوئية، لم يتمكن العلماء آنذاك من تفسير طبيعة هذين الذراعين الغريبين، على غرار الأذرع في المجرات الحلزونية الأخرى التي ظهرت بشكل مغاير عنهما، حيث ظهرت ملتفة بشكل عادي حول المجرة مثل الحلزون، لكن الأذرع في هذه المجرة كانت تمتد لمسافة بعيدة خارج نطاق المجرة بشكل غريب وشاذ.
في البداية أشار الباحثون أن هذين الذراعين الغريبين يعكسان صورة عن طبيعة المجرة المعقدة، وعلى الأغلب لها علاقة بالثقوب السوداء وتمدد الكون، وعندما أجرى الباحثون تكبيرا بواسطة التلسكوبات لهذه الأذرع الغريبة، لاحظوا وجود نقاط ناتجة عن تبخر قطرات الماء الحار التي تعمل على إطلاق موجات الميكروويف نحو الفضاء المجري، وتتحرك هذه النقاط باتجاهنا بسرعة تصل إلى ألف كيلومترا في الثانية الواحدة، وفي منتصف طريقها تنحسر وتتوقف بشكل مفاجئ.
وعلق مارك ريد Mark Reid الفلكي في مرصد سميثسونيان للفيزياء الفلكية Smithsonian Astrophysical Observatory التابع لجامعة كامبردج أنه من السهل على الفلكي تمييز هذه الظاهرة، فالنقاط الغازية عبارة عن حافة لعجلة غازية يصل قطرها إلى حوالي نصف سنة ضوئية، تدور حول محور عمودي تقريبا على مستوى خط البصر من الأرض، وهذه الحالة لا اعتقد أنه تم مشاهدتها سابقا على الأطلاق، ومع ذلك فهذه الظاهرة تخضع لقوانين نيوتن وكبلر التي مضى من عمرها عدة قرون، إلا أنه وفي نفس الوقت يمكن لهذا الهيكل الطبيعي أن يتطور ليصبح مثل الأداة أو الوسيلة التي يمكنها قياس الأشياء الغريبة في الكون.
في منتصف التسعينات توصل العلماء إلى أنه أي مجرة أو قرص ضخم يدور حول نفسه يفترض أن تكون هنالك كتلة ضخمة من المادة في مركزها، ومن هنا تم اكتشاف الثقوب السوداء في مراكز المجرات، أما بالنسبة للنقاط الغازية التي يفترض أن تقطع مسافة تقل عن سنة ضوئية واحدة بسرعة تصل إلى حوالي 1000 كيلومترا في الثانية، فأنه يفترض أن تكون قد تعرضت لقوة جاذبية هائلة من جسم يصل وزنه إلى حوالي 40 مليون مرة أكبر من الشمس، ومكتظة في مسافة صغيرة جدا، وهذه الحالة تتطلب وجود ثقب اسود عملاق لكي يحقق هذه الحالة.
عندما تفترض وجود ثقب أسود عملاق فأن اللغز في هذه المجرة يصبح مفهوما، حيث أن القرص المتسارع سببه وجود مادة تلتف حول الثقب الأسود بسرعة كبيرة تشبه التفاف الماء حول البالوعة في حوض الغسيل في المطبخ، وتلك الأذرع الطويلة المنطلقة بعيدا خارج المجرة تتكون من خلال انطلاق تيارات الغاز الساخن بعيدا عن المجرة نتيجة دورانها السريع فوق وأسفل المجرة.
هذه الظاهرة الغريبة ليست نادرة ولا تختص فقط بالمجرة NGC 4258 فكل المجرات الأخرى لها أقراص مركزية، ولها أذرع أيضا تمتد نحو الفضاء، لكن على ما يبدوا أن قرب المجرة NGC 4258 من الأرض ظهرت تفاصيلها بشكل رائع في المراصد الفلكية، ولكن يمكن أن تحمل لنا هذه المجرة المفتاح الذي يسهل علينا فهم تمدد الكون بشكل أفضل، فهي عملية تعتمد على الجزيئات الطبيعية للمادة، مثل المادة المظلمة dark matter وهي عبارة عن مادة غامضة وافتراضية مثل الطاقة المظلمة dark energy الغامضة أيضا، لكن وجودها شبه مؤكد وتم التنبؤ بها فيزيائيا من خلال وجود مادة وطاقة مجهولة تؤثر على معدل تمدد الكون، ولكي يحل العلماء لغز وطبيعة هذه المادة والطاقة المفقودة فيفترض قياس المسافات بدقة كبيرة بين المجرات وخاصة المجرات البعيدة جدا في الكون، وهذه المعلومات لم تتوفر حتى الآن.
أن قياس المسافات بين المجرات هو الأمر الحاسم للتنبؤ بطبيعة المادة والطاقة المظلمة، ومعرفة معدل تمدد الكون أيضا، وهذه المجرة على ما يبدوا أنها ستحل الجدل بين علماء الفلك وعلماء الفيزياء الفلكية حول مقدار سرعة تمدد الكون، والذي إذا لم يتوصل إلى إيجاد الحلول لها، فأنه قد يتم إعادة النظر بقوانين الفيزياء الحديثة!!