بكائية… على الصلاة الإبراهيمية

تاريخ النشر: 25/02/14 | 0:04

في الخامس والعشرين من شباط 1994 قام المجرم غولدشتاين باقتحام المسجد الإبراهيمي في الخليل، وأطلق النار العشوائية على المصلين، مما أدى إلى استشهاد تسعة وعشرين فلسطينيًا، وجرح نحو مائة وخمسين.

وقد كتبت في إثرها قصيدة (بكائية على الصلاة الإبراهيمية)، وأرسلتها إلى صحيفة (أخبار الأدب) القاهرية، فنشرتها في مكان بارز في عدد 6 آذار 1994.

إليكم هذه القصيدة ثانية، وهي منشورة في الأعمال الشعرية الكاملة، المجلد الثاني. القاهرة: إصدار كل شيء- 2005، ص 174- 178.

…………………………………………………………………

بكائية… على الصلاة الإبراهيمية

حاورتُ نَجيعًا صامَ وصَلَّى في رَدَهاتِ الفَجْر

هل أنت تَلمُّ النجمَ تضيءُ الهَمَّ وتُردي؟

ألاَّقًا كنتَ وتَروي

(يا أَوَّاه)

يَرقصُ ذاكَ ويَعْوي

في ذِقْنٍ تَيَّاه

ورُويدًا،

كانَ يجدِّدُ ألوانًا للأعناب

وخيوطٌ ثَمَّ على المِحرابْ

اشتعلتْ ألوانٌ أُخرى خَضَّبها من يَقرأُ مُزْمورًا آخَر

مهْرًا قُرآن الفَجْر المشْهود اللاَّمَشْهودْ

والسَّاجدُ يركبُ ريحًا بصلاتِهْ

كانَ حَنيفًا ما أشْرَكَ في نُسُكِهْ

– في مَحياهُ، مَماتِهْ-

والذات العُظْمى فَوقَ عُروشِ البَحْرِ

تُداعِبُ أمواجًا تتوَضَّأُ فيها

– تَأْمُلُ أَن تُدْرِكَ آخِرَ رَكْعَهْ-

في سَطْوَةِ تلكَ النَّارِ تَرَدَّتْ سَجْدهْ

منْ يَسْجُدْ يَخْفِضْ كالأشجارِ الهَامهْ

قَبْلَ صَلاةٍ إبراهيميهْ

سالَ الدمُّ على عَتَباتِ الفَجْرِ الإبراهيميّْ

أسْقاهم كَأسًا قَبْلَ الإفطار

– قبلَ الفرحَهْ–

كان يُقَدِّمُهُمْ للجَنَّهْ

وَدليلُهُمُ "رَضْوان"

وتصاحبهُ رَقْصهْ

(كانَ.. وَمات)

تتراقَصُ مَعْ رقصتِه شَعَراتٌ غَطَّتْهُمْ أَشكالا أَصْواتْ

والسَّاجِدُ يَدعو مَعَ حُزْنٍ

مَن لا تأخُذهُ سِنةٌ أو نَوْم

وإذا الدِّفءُ المَنشودُ على تجويدِهْ

بعضُ لهيبِ يَرْسُمُ للوَطَنِ المَفْجوعِ مَنارَهْ

تَتَسامى- تكسَبُ شَكْلا وعبارهْ

فتصيرُ

بلدُ الرَّحمنِ بلا رَحْمهْ

وقبابٌ عَلَّقناها فَوقَ

جبالِ الشَّكِّ

على جَبَلٍ مجبولٍ بالسِّيرهْ

واللَّيلُ يطولُ زَمانًا ومكانا:

مِن ذاكَ النَّهْرِ إلى ذاكَ البَحْرِ،

ومن تلكَ اللحظةِ حَتَّى ذاكَ الدَّهْر

يبحثُ عن قطرَةِ ضَوْءِ ضَمَّخَها فَوْحُ وضوءِ الشُّهَداءْ

يَبْحَثُ عن إبراهيمَ- أبي الآباء-

لَم يَأْفُلْ مِنْ بَعْدِ النَّجمِ

وبعْدِ الشَّمَس

كانَ بصدرِ النارِ (كَأُسْطورَهْ)

بَردًا وسَلامًا كانَ وكانْ

حتى جاء خَليليٌّ ظلَّ سِنينًا

يَرْعى البَرْدَ سَلامًا وصَلاهْ

يَزَرْعُ كَرْمًا

يَغْزِل للأرْض صِدارًا مُغْبَرًّا أسْيانْ

يَنْطقُها ضَادًا وحُروفًا مألوفهْ

يَعْشَقُها بِصَفاءِ قواريرٍ مَصْفوفهْ

لكنَّ حِبالَ الَموْتِ امتدَّتْ من ذاكَ الْحَرَمِ

المدعُوِّ شَريفًا

وحبالا أُخرى فامتدَّتْ والتَهَمَتْ

حتى قلتُ أَنا من باقهْ:

يا شيطانْ!

في كلِّ نهارٍ أكثرُ مِن قُرْبانْ!!!؟

والقُربانُ بلا كَبْشٍ أو (لا قَرنْان)

فاسمعْ ما أبكي فيه أغني:

صلاةُ دمائِنا شَفَّتْ لهيبا *** على قَلبي فَيَخْفِقُها وَجِيبا

دِماءُ صلاتِنا أضْحَتْ وُرودًا *** وَفَوْحًا عابقًا منها وَطِيبا

لَهيبُ صَلاتِنا رَبٌّ وَيَرْوي *** مُعاناةً تُحيلُ الكَرْمَ ذِيـبا

لَهيبُ دمائِنا صَوْتٌ وَمِنَّا *** وَمِنْهُمْ بعدَ أَن لاحَتْ شُبوبا

دِماءُ لَهيبِنا غَنَّتْ سَلامًا *** بِرَغْمِ الكَيْدِ تَرْقُصُهُ طَروبا

أَمانًا أَيُّها الرَّاوي لِشعبٍ *** سَلِ الْمَجْروحَ هل يُبْدي النُّدوبا

فَهذا العَهْدُ عَهْدُكَ والتَّجَلِّي *** تَجَلَّى يَوْمَ يَرْتادُ الدُّروبا

وهذا الشَّوْقُ شَوْقُكَ نَحْوَ أُنْثى ***عَبيرُ الوَجْدِ يَسْكُبها سُكوبا

وأَرْضٌ مِثْلَما كانَتْ سَتَبْقَى *** لهذي الضِّادِ وَيْحَكَ لَن تَغِيبا

وعُصفورٌ يُغَرِّدُ عِنْدَ شَاةٍ *** وعُشبٌ كُلُّها تَزْهو قَريبا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة