الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة

تاريخ النشر: 31/01/17 | 4:43

قال تعالى(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)إبراهيم،
لو تأملنا الآيات،بين فريق الرسل والمؤمنين، وبين فريق الطغاة المكذبين،ويوضح كيف صبر الرسل على العناد، وكيف تمادى المكذبون في الفساد، فكان الهلاك للمكذب،وكان البقاء لمن خاف الله،
إنه وعد من الله لكل من آمن بما أنزل الله، هذا في الدنيا، أما في الأخرى فالفرق بين الفريقين أشد وأرقى،قال تعالى(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ،مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ،يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)إبراهيم،
إن أعمال من كفر بربه وكذب رسله لا تكون إلا باطلة، مهما طالت الجهود والمحاولة (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ)إبراهيم،
في حياة الإنسانية شجرتين،
شجرة المرسلين ومن اتبعهم من المؤمنين،
وشجرة المكذبين المسرفين ومن اتبعهم من الغافلين،
وهكذا يضرب الله المثل لهؤلاء الفريقين بالآيات،لنكون مع الطيبين الذين هم أسمى الشجر،
فكل موكب الرسل وكل من اتبع الرسل يضرب الله لهم المثل بقوله(كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ،تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)إبراهيم،إن الحق والنور ثابتٌ في الخلق كله، وهو في فطرة الإنسان ثابتٌ أصيل، لكن الهوى هو الذي يجعله عن الحق والنور يميل، ولهذا أرسل إليه الله الرسل ليعود إلى سبيل الله الجليل، وليتبع الحق ويستنير بنور الله،
فإذا استجاب استقام، يعطي كل حينٍ بلا انقطاع،وثماره في كل حالٍ طيبة اليناع، يتمتع بها كل واحدٍ أجمل متاع،
هكذا هو المؤمن المتبع المرسلين، وهكذا هو موكب المؤمنين السائرين على صراط رب العالمين، عطاءٌ بلا توقف،
وبهذا العطاء يزداد طيباً وجمالاً، ويزيد سمواً وجلالاً،لأن شكره لربه يتوالا، وقد تعهد الله لهم بالزيادة وأذن، فقال(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)إبراهيم،
وهنا لا بد أن نوقن بالمؤمن يزداد كلما أيقن، ويعلو كلما اطمأن، ويثبت كلما شكر،
فالنعمة تبقى للشاكرين،فلنكن من الشاكرين الذاكرين،
لكن الذين لا يستجيبون للرسل، ولا يحبون هدي الله، فإنهم بلا أمل، ولهم أسوأ مثل(كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)إبراهيم،
ومصير هذا الفريق ،لأنه انفصل عن نور ربه الكريم، وأعرض عن ذكره، واستهزأ بعلمه الحكيم، فكان جديراً بأن ينقطع عن الخير،
فالاجتثاث،هو المصير لمن كذب الرسل وانفصل عن نور الله ذي الجلال،
فشبه سبحانه وتعالى،الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة،لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح،والشجرة الطيبة تثمرالثمر النافع،
وفي تفسير علي بن أبيطلحة،عن ابن عباس قال،كلمة طيبة شهادة أن لا إله إلا الله،كشجرة طيبة وهوالمؤمن،أصلها ثابت قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن،وفرعها يرفع بها في السماء،هذامثل الإيمان فالإيمان الشجرة الطيبة وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه وفرعه في السماء خشية الله،من الأعمال الصالحة الصاعدة إلى السماء ولا تزال هذه الشجرة تثمرالأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب،
فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه بها ،فعرف حقيقة الإلهية التييثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه،
فلاريب أن هذه الكلمة من القلب على اللسان، لا تزال تؤتي ثمرتها منالعمل الصالح الصاعد إلى الله،
قال تعالى(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ،وأن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت ( فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل ،أصلها ثابت راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت ،
ومن السلف من قال إن الشجرة الطيبة هي النخلة ويدل عليه حديث ابن عمرالصحيح،
وقال عطية العوفي في قوله(ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة)
قال ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إلى الله،
وقال الربيع بن أنس (أصلها ثابت وفرعها في السماء)قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له أصلها ثابت قال أصل عمله ثابت في الأرض وفرعها في السماء،
ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة، فالنخلة من أشرف أشجار الجنة،
حكمة تشبيه المؤمن بالشجرة، فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر، فكذلك شجرة الإيمان والإسلام،فعروقها العلم والمعرفة،واليقين،
وساقها الإخلاص،وفروعها الأعمال،وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحةمن الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى، وعلى غرس هذه الشجرة وثبوتها في القلب،
فإذا كان العلم صحيحاً مطابقاً لمعلومه الذي أنزل الله كتابه به،لما أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله والإخلاص قائم في القلب والأعمال موافقة للأمر والهدي،مشابه لهذه الأصول علم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء،
وإذا كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار،
أن الشجرة لا تبقى حية إلا أن تسقيها وتنميها فإذا قطع عنها السقي أوشك أن تيبس فهكذا شجرة الإسلام في القلب،إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر،وإلا أوشك أن تيبس،
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة،قال،قال رسول الله صلى الله عليه(إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبك)
فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك،وتعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده،وجعلها مادةلسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم،
فالمؤمن دائماً سعيه في شيئ ينسقي هذه الشجرة وتنقية ما حولها فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حولها تكملوتتم،
عن أبي هريرة ،رضي الله عنه،قال،قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم(والكلمة الطيبة صدقة) متفق عليه،
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ )
الكلمة السيئة مُنفرة،قال تعالى(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )آل عمران،
والكلمة السيئة نقص في الإ‌يمان، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هَجَر ما نهى الله عنه) رواه البخاري، ومسلم،
وهي سبب لدخول النار،عن أبي هريرة عن النبي ،صلى الله عليه وسلم،قال(إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم)رواه البخاري،
إن هارون الرشيد جاءه رجل فأغلظ له القول، فقال،إن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني،فقال(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى،فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا )
عن صالح بن عبد الكريم، قال،مثل القلب مثل الإناء إذا ملأته، ثم زدت فيه شيئاً فاض، وكذلك القلب إذا امتلأ من حب الدنيا لم تدخله المواعظ.

23

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة