تحليل علمي حول إكتشاف كوكب كيبلر
تاريخ النشر: 26/01/17 | 0:12 أعلنت وكالة الفضاء الامريكيةُ ناسا عن إكتشافِ كوكب جديد مرشح ليكون صالحاً لاحتضان الحياة، لكن ما هي الوسائل التي تعتمدها الوكالة في اكتشاف الكواكب و ماذا تعني امكانية وجود الحياة؟
في الفقرة الأولى سأسرد المعطيات التي نبحث عنها بشكل عام في تحديد الكواكب المناسبة للحياة كما نعرفها. ثم سأعملُ على شرح ألية العمل التي يتم من خلالها رصد هذه الكواكب البعيدة و أخيراً سأقيم المعطيات الموجودة لدينا حول كوكبنا الجديد و أُعاين إن كان مرشحاً جيداً للحياة…
الشروط التي نبحث عنها:
النجم:
نبحث عن كواكب في مدارٍ حول نجم يفضل أن يكون النجم من نوع G2 ضمن مرحلة النسق الاساسي (اقرأ مقالي” النجوم هي الوجود ”). نجوم النسق الاساسي عادةً تكون مستقرة لفترات زمنية طويلة جداً مما يساهم في استقرار النظام حولها و يمكن للكواكب المحيطة بها أن تتطور دون التعرض لكوارث عظيمة. النسق الأساسي يعني عملية اندماج الهيدروجين و تشكل الهيلوم تماماً كما هي شمسنا اليوم. نجوم النسق الاساسي تبقى على حالة دمج الهيدروجين إلى هيليوم لعشرات مليارات السنين (بناءً على حجم النجم).
نجوم النسق الأساسي عادة تصدر كميات طاقة صديقة للحياة على شرط أن يكون للكوكب الذي نعاينه غلافٌ مغناطيسي يحميه من الإشعاعات الفوق بنفسجية.
الطاقة:
تنويه: النجوم مصدر جيد للطاقة لكنها ليست المصدر الحصري لها، حيث نجد أمثله مثل قمر زحل يوروبا و الذي نعتبره مرشحاً جيداً للحياة. قمر يوروبا يحصل على طاقته بشكل أساسي من خلال قوة جاذبية المشتري و ليس من الشمس. لهذا يتوجب فهم مفهوم الطاقة فهو لا يعني الطاقة الشمسية حصراً و إنما أي عمل ناتج عن حركة ما.
الطاقة هي عامل مؤثر خارجي على نظام معزول داخلي. البراد عليه أن يبدد طاقة حرارية (المحرك) لكي ينتج برودة داخلية في الصندوق. الشمس عليها أن تحرق الهيدروجين لتبعث بفوتوناتها نحو الأرض و تدفئها. كتلة القمر عليها أن تؤثر بالزمكان الواقع بين القمر و الارض لتتسبب بتحريك مياه المحيطات على شكل مد و جزر و أمواج. لكي يحدث أي شيئ يتوجب وجود حركة و الحركة تتمثل بأنواع الطاقة.
إذاً من شروط الحياة وجود مصدر طاقة قادر على إصدار حركة ضمن البيئة.
أمثلة للطاقة على كوكب الأرض: حرارة الشمس، جاذبية الشمس، جاذبية القمر،الحرارة الكامنة ضمن الطبقات الأرضية و التحركات الجيولوجية و تأثيراتها من براكين و زلازل و أنهار و تعريه مائية.
النطاق الصالح للسكن (مقتبس من مقال الحياة في الكون و المجموعة الشمسية):
كوكب الأرض يبعد عن الشمس مسافة ١٥٠ مليون كيلومتر (هذه المسافة تسمى وحدة شمسية). ضمن أي نظام شمسي و بناء على نوع النجم يوجد مسافة تسمى النطاق الصالح للسكن و التي تحدده المسافة المقبولة لتشكل العناصر ضمن الأشكال الثلاثة (سائل، غاز، صلب). وجود كوكب الأرض ضمن هذه المسافة المناسبة لتشكل الماء هو من الأسباب الأساسية في تشكل الحياة و ذلك لأهميتهِ في تشكل الحياة كما نعرفها. الوحدة الشمسية هي مسافة مناسبة بالنسبة لنجم الشمس و كوكب الأرض لكنها ليست مقياس عام إذ أن حجم النجم و نوعه و عمره و نوع الكوكب و تركيبته الكميائية تؤثر بتقدير مسافة النطاق الصالح للسكن
المغناطيسة و الغلاف الجوي:
البنية الأرضية تتكون من عدة طبقات تشكل الكتلة الكلية للكوكب. نحن نعيش على القشرة و لكن يوجد أسفلنا عدة طبقات أرضية إلى أن نصل إلى النواة. نواة الأرض تتشكل من طبقتين، طبقة سائلة معدنية و طبقة معدنية صلبة. وجود الحديد و النيكل في نواة الكرة الأرضية له تأثير مهم جداً و هو تشكيل غلاف مغاطيسي حول كوكب الأرض. يمتد الغلاف المغناطيسي حوالي ٦٥ ألف كيلومتر عن سطح الأرض. أي أن الأرض محاطة بقبة مغناطيسة محيطها ٦٥ ألف كيلومتر من سطح الأرض إلى الفضاء.
هذا الغلاف مهم جداً للحياة على الأرض لأن الحقل المغناطيسي يعمل على تماسك الغلاف الجوي مما يشكل نظام بيئي مغلق ضمن الكوكب. أيضاً من فوائد الغلاف المغناطيسي أنه يحمي الكوكب من الأشعاعات الشمسية المضرة بالحياة و المتسببه في تفكك الكثير من العناصر العضوية المهمة للحياة لو وصلت للأرض.
الرياح الشمسية التي تصلنا من الشمس هي عبارات عن جزيئات مشحونة إيجابيا و ساخنة جداً تنطلق باتجاه الأرض على شكل بلازما و مع اقترابها من الأرض تلتف حول غلاف الأرض المغناطيسي فتبدو بألوان جميلة نسميها أضواء الشفق. يمكن رصد الشفق القطبي في المناطق القريبة من قطبي الكرة الأرضية.
الجاذبية المناسبة:
الجاذبية الأرضية مناسبة بشكل يتيح تشكل الحياة و تطورها بأشكال لا تنهار على نفسها. مثلاً لو أن الحياة وجدت على كوكب ذو جاذبية أقوى من الجاذبية الأرضية بعدة مرات لما تطورت الحياة بشكل أجسام لها نتوئات مثل الأطراف أو الأجنحة. إذاً حجم الكوكب و نوع كتلته مهم جداً بسبب تأثير الجاذبية على العناصر الموجودة على الكوكب. و هذا طبعاً له تأثير مباشر على تشكل الحياة و تنوعها.
البحث عن كواكب تكون جاذبيتها لا تتجاوز الحد الأقصى من الجاذبية ٣٣ مرة من جاذبية الأرض و إلا تحول الكوكب إلى نجم قزم بني صغير بسبب اندماج ذرات الهيدروجين مع بعضها البعض.
كوكب كبير ضمن المجموعة (كوكب مصد طبيعي)
جاذبية النجم الكبيرة مثل الشمس مثلاً تعمل على جذب العديد من الأجسام المختلفة نحوها مما يشكل خطر تصادم بين هذه الأجسام و الكواكب التي تدور حول النجم. وجود كوكب كبير ضمن النظام النجمي مهم لكي يحمي الكواكب الموجودة ضمن النطاق الصالح للسكن من الاصطدامات التي ان توالت تعمل على زعزعة استقرار النظام البيئي بالكوكب و بالتالي الحول دون تطور الحياة.
كوكب المشتري مهم جداً لتشكل الحياة على الكرة الأرضية إذا أنه يمثل حارس المجموعة الشمسية من المذنبات و الأجسام الكبيرة عبر قوة جاذبيته. كوكب المشتري يشكل مصد للمذنبات و الأجسام الآخرى التي قد تقترب من كوكب الأرض. إذاً وجود كوكب ذو جاذبية قوية ضمن النطاق الخارجي للمجموعة الشمسية يعمل على حماية الكواكب ضمن النطاق الداخلي و يساهم في استقرار و تطور أنظمتها البيئية دون التعرض لكوارث جيولوجية.
يجدر الذكر أن مذنباً ضرب كوكب الأرض قبل ٦٥ مليون سنة و سبب انقراضات شاملة للأحياء و من أهم هذه الإنقراضات كانت الديناصورات. انقراض الديناصورات كان من الأسباب المهمة في تطور الثديات و ثم القرود العظيمة حتى الوصول إلى الإنسان
تعاقب الليل و النهار:
تعاقب الليل و النهار على الكرة الأرضية يعني أن الحرارة ليست باردة أو حارة لفترات طويلة. مثلاً النهار على كوكب الزهره يستغرق ١١٦ يوم من أيام الأرض. أي عامل طبيعي متواتر و متغير ضمن الكوكب هو عامل ايجابي و خصيصاً إذا كان التغير منتظم لفترات طويلة تسمح بتشكل أنظمة طفيلية على طاقة النجم الأم.
الليل و النهار هما نتيجة ظاهرة فلكية بدوران الكوكب حول نفسه، إذاً هما نتيجة طاقة مصروفة بحركة الكوكب. التفاوت في درجات الحرارة بين الليل و النهار يمنع العناصر من اتخاذ شكل معين لفترات طويلة. لو كانت مدة النهار على الأرض شبيهة بكوكب الزهره لتبخرت مياه الكوكب خلال فترة قصيرة من الزمن و لو كان الليل طويل كما الزهره لتجمدت المياه. لهذا وجود تعاقب الليل و النهار مهم للحصول على المادة بأنواعها الثلاث (صلب، سائل، و غاز) و منها الحصول على أنظمة بيئية منوعة على الكوكب.
الصفائح التكتونية الأرضية:
الكرة الأرضية تتكون من عدة طبقات جيولوجية. الطبقة العليا من الأرض هي “القشرة” ا تتشكل من عدة صفائح كبيرة (8 صفائح كبيرة و العديد من الصفائح الصغيرة). هذه الصفائح مهمة في بحثنا عن الحياة. هذه التحركات ضمن الغلاف القشري الصخري تتسب في خلق ظروف مختلفة و تلاقح بين العناصر و المواد و خلق تشكيلات جغرافية متنوعة قد تساهم في نشوء الحياة هنا أو هناك. مثلاً تشكل الأنهار و البحار و الجبال و الوديان كلها نتيجة الإنجراف في القشرة الأرضية الخارجية.
مرصد كيبلر و كيف يتم رصد هذه الكواكب؟
أطلقت ناسا مرصد كيبلبر إلى الفضاء في عام ٢٠٠٩ بهدف العثور على كواكب شبيهة بكوكب الأرض. آلية عمل كيبلر تعتمد على حساسات ضوئية عالية الدقة. يقوم المرصد بالنظر نحو نقطة معينة في الفضاء و يستقبل الضوء القادم من النجوم التي تقع ضمن نطاق الرؤية لديه. مرور أي جسم بين كيبلر و النجم يسبب إختلاف في استشعار الفوتونات الضوئية القادمة من النجم. مثلاً المعيار العام لانخفاض الضوء من كوكب بحجم الكرة الأرضية يدور حول نجم بحجم الشمس يعادل واحد بالالف ٠,٠٠٠١٪ من كمية الفوتونات القادمة.
هذا يعني أن حساسات كيبلر عليها أن ترصد ضوء النجم المستهدف باستمرار و بحساسية عالية جداً. عند رصد تغيرات في كمية الفوتونات القادمة يقوم التيلسكوب بالتركيز و الرصد عدة مرات للتأكد من البيانات. من شروط الرصد أن يكون النجم و الكوكب المستهدف أفقيين بالنسبة لكيبلر ليستطيع الرصد. يستطيع كيبلير رصد حوالي ١٠٠ ألف نجم بنفس الوقت. من هذه العملية يستطيع العلماء استنتاج الكثير من البيانات مثل مقدرا الجاذبية التي يتأثر بها الكوكب بسبب النجم، نوع النجم، مدة مدار الكوكب حول النجم و نوع المدار و غيرها من الأمور الهامة في هذا البحث.