تقرير العفو الدولية لأوضاع أطفال العراق في ظل الحرب

تاريخ النشر: 30/12/16 | 0:26

قالت منظمة العفو الدولية اليوم، استناداً إلى حصيلة بعثة ميدانية للتقصي، إن محنة ستطال جيلاً من الأطفال اليائسين تلوح في الأفق مع اضطرام المعركة الدموية للسيطرة على الموصل وتهدد بأن تتحول إلى كارثة إنسانية.
ففي زيارة إلى المنطقة قامت بها هذا الشهر، التقت المنظمة أطفالاً من جميع الأعمار عانوا من إصابات مروعة عقب محاصرتهم بالنيران المتبادلة بين الجماعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم “الدولة الإسلامية” والقوات الحكومية، مدعومة من الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، قالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة المستشارين لمواجهة الأزمات في منظمة العفو الدولية، التي عادت من بعثة إلى العراق استمرت 17 يوماً، إن “الأطفال الذي حوصروا في مرمى نيران معركة الموصل الوحشية قد رأوا أشياء لا ينبغي لأحد، مهما كان عمره، أن يراها أبداً. فقد التقيت أطفالاً لم تلحق بهم إصابات مرعبة فحسب، وإنما رأوا رؤوس أقربائهم وجيرانهم تقطع بسبب انفجار قذائف الهاون، أو يتحولون إلى أشلاء نتيجة انفجار السيارات المفخخة أو الألغام، أو يسحقون تحت ركام المنازل.
“ويجد الأطفال الذين جرحوا بسبب الحرب أنفسهم بعدئذ في مستشفيات تكتظ بالمرضى، أو في مخيمات للنازحين، حيث تزيد الظروف الإنسانية البائسة من صعوبة تعافيهم جسدياً ونفسياً مما لحق بهم. بينما يستمر حصار آخرين كثر في مناطق يضطرم فيها القتال. والحاجة ماسة إلى أن تقر السلطات العراقية وشركاؤها الدوليون أنظمة أفضل للرعاية، وإعادة التأهيل والحماية للمدنيين المتضررين. فالعناية بالضحايا المدنيين، ولا سيما الأشد ضعفاً بينهم، ينبغي أن يحظى بالأولوية المطلقة- لا أن يؤجل حتى ينقشع غبار المعارك.”

“بيوتنا أصبحت قبوراً لأطفالنا”
في مستشفى بأربيل، تحدثت منظمة العفو الدولية إلى أم أشرف، التي وصفت لنا كيف أصيبت هي وأطفالها السبعة عندما انفجرت سيارة مفخخة، في 13 ديسمبر/كانون الأول، خارج البيت الذي لجؤوا إليه في شرق الموصل، ما أدى إلى دفن عشرات الأشخاص تحت أنقاض عدة بيوت دمرها الانفجار. بينما فقدت ابنتها الكبرى شهد، البالغة من العمر 17 سنة، كلتا عينيها في الهجوم.
وأبلغت أم أشرف منظمة العفو الدولية ما يلي: “لقد أصبحت بيوتنا قبوراً لأطفالنا. فما زال جيراننا مدفونين تحت الأنقاض؛ ولم يتمكن أحد من إخراجهم من تحت الركام. سحبت أطفالي الجرحى من تحت الأنقاض واحداً واحداً. ولكن شقيقتي لقيت مصرعها، لم أستطع مساعدتها. أما جارتي فقطع رأسها جراء الانفجار، ولقي عديدون حتفهم”.
لمشاهدة الفيلم القصير حول معاناة الاطفال في الموصل اضغط على الرابط التالي

مرافق طبية على وشك الانهيار
لم يبق سوى قلة من المستشفيات الصالحة لتقديم الرعاية الصحية، أو التي يمكن للمصابين الوصول إليها في المناطق المتضررة من شرق الموصل، التي تشهد ذروة القتال، وأفضل أمل للجرحى هناك هو تلقي الرعاية الطبية في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق ذي الحكم الذاتي.
ومع أن أربيل لا تبعد سوى 80 كيلومتراً، فإن الوصول إليها يكاد يكون مستحيلاً بالنسبة للمقيمين في الموصل. فلا يستطيع الحصول على تصريح لدخول إقليم كردستان سوى قلة من الأشخاص، وحتى عندما يدخلون، فمن الصعب، وحتى من المستحيل، على أقربائهم أن ينضموا إليهم أو يزوروهم.
وتجد بعض العائلات التي تفر من القتال نفسها عالقة بين خطوط النار وغير قادرة على إكمال رحلتها للوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة إقليم كردستان، وتضطر إلى الانتظار في المناطق العازلة غير الآمنة لأيام.
ومع أنه لم يتم إخلاء سوى بعض من جرحوا في الموصل إلى أربيل، إلا أن مستشفيات المدينة بدت مكتظة بعدد كبير من الإصابات.
وقالت دوناتيلا روفيرا: “استغرقت التحضيرات للحملة العسكرية لاستعادة الموصل مدة طويلة، وكان من الممكن للسلطات العراقية- بما فيها محافظة نينوى- ولشركائها الدوليين، بل كان ينبغي على الجميع، أن يعدوا بصورة أفضل للتعامل مع الإصابات المحتمة في صفوف المدنيين، خاصة مع علمهم بأن مستشفيات إقليم كردستان ستتعرض لضغوط شديدة بسبب التدفق الهائل للجرحى جراء القتال.
“ومن المفترض أنه طالما كانت هناك موارد للقيام بالحرب، فقد كان من الأولى أن تكون هناك موارد للتعامل مع نتائج الحرب أيضاً.”
فيما يتجاوز الجروح الجسدية التي عانوها، يشعر الأطفال بالندوب النفسية والصدمة العميقة التي لحقت بهم جراء العنف المفرط الذي تعرضوا له وشاهدوه. فمن بين آلاف الأطفال الذين تعرضوا للعنف المفرط المتواصل، لم يحظ سوى قسط ضئيل من الأطفال بالرعاية والدعم النفسيين اللذين يحتاجون إليهما بصورة ماسة.
وتمضي دوناتيلا روفيرا إلى القول: “إن الندوب التي خلفتها هذه التجارب الصادمة، على نحو لا يمكن تصوره، نفسية كما هي جسدية، ولكن هذه الجروح التي غيرت حياة هذه الأرواح الغضة لا تجد سوى الإهمال من جانب الحكومة العراقية وحلفائها، الذين تقاعسوا حتى الآن عن ضمان توفير المرافق الطبية المناسبة للتعامل مع هذا الواقع.
“ويتعين على المجتمع الدولي أن يعطي الأولوية لتمويل استجابة ناجعة هدفها حماية الأطفال، بما في ذلك توفير الدعم الصحي النفسي الشامل لمن تعرضوا للعنف المفرط، كجزء من المواجهة الإنسانية للأزمة في العراق.”
وفي الوقت نفسه، فقد مر أطفال الأيزيديين العائدين من أسر تنظيم “الدولة الإسلامية” بمعاناة لا توصف. فلم تسلم بنات لم تتجاوز أعمارهن 11 سنة من الاغتصاب، بينما أكره الصبيان على الالتحاق بالتدريب العسكري، ولُقنوا كيف يقطعون رؤوس البشر، وأجبروا على مشاهدة أشخاص يعدمون أمام أعينهم.

نكث الوعود
أبلغ العاملون في المساعدات الإنسانية منظمة العفو الدولية أن الأطفال النازحين من معركة الموصل وغيرها من المناطق المتضررة بسبب النزاع يظهرون علامات على التعرض لصدمات نفسية، من قبيل البكاء المفرط والخرس والتصرفات العنيفة، ويصعب عليهم الابتعاد عن آبائهم وأمهاتهم أو عن من يعتنون بهم.
ومع ذلك، وعلى ما يبدو بسبب شح الموارد، لا يتلقى هؤلاء الأطفال رعاية صحية نفسية كافية، والدعم الذي يمكن أن يساعدهم على تجاوز التجارب التي تسببت في أزماتهم، والعودة إلى الحياة الطبيعية.
في سبتمبر/أيلول، تعهدت الحكومات المانحة بضمان “دخول المساعدات لإنقاذ الأرواح” و”تسهيل مرور الإغاثة الإنسانية بصورة محايدة وسريعة، ودون عراقيل”. ومن واجب الجميع أن يجعلوا من حماية الأطفال المتضررين من النزاع المسلح ورعايتهم إحدى أولويات المواجهة الإنسانية لآثار الحرب.
وقد أدى ارتفاع أسعار الحاجيات الأساسية، وكذلك شح الطعام والمحروقات والأدوية والماء النظيف داخل الموصل، إلى تعريض الأطفال لخطر داهم بأن يصابوا بسوء التغذية والجفاف، وباعتلالات أخرى تنتقل بواسطة المياه الملوثة.
واختتمت دوناتيلا روفيرا بالقول: “على الرغم من تأكيدات القوات العراقية وقوات الائتلاف بأنها تفعل ما بوسعها لحماية المدنيين، إلا أننا نشهد الأطفال يموتون أو يجرحون يومياً- سواء في منازلهم أو عندما يخاطرون بحياتهم ويفرون طلباً للأمان. ويتعين على جميع الأطراف المنخرطة في معركة الموصل اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لإنقاذ أرواح المدنيين، بما في ذلك بتجنب إطلاق نيران المدفعية وغيرها من أنواع القذائف غير الدقيقة على المناطق الحضرية المأهولة بالسكان.
“فمن دون بذل المزيد من الجهود من جانب السلطات العراقية وحلفائها لإيجاد ممرات آمنة لخروج المدنيين من المناطق التي يدور فيها النزاع في المدينة، وتوفير الخدمات الأساسية للأهالي المحاصرين تحت النيران داخل الموصل، سيظل من الممكن أن نكون بصدد كارثة إنسانية لا يعلم أحد مداها.”

11

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة