العطار والعقد

تاريخ النشر: 27/10/16 | 5:46

قَدِمَ رجلٌ إلى بغدادَ في طريقهِ إلى الحجِّ، وكانَ معه عقدٌ يساوي ألفَ دينارٍ فأرادَ بَيْعَه، ولكن لم يجِد له مُشْتَريا. عندئذٍ قصدَ أحدَ العطَّارين المعروفين بحبِّ الخيرِ، وأودعَ عنده العقد.
حجَّ الرجلُ، وعادَ، وأحضرَ هدية للعطار. فقال العطارُ:
من أنت؟ وما هذا؟
أجابَ الحاجُّ: أنا صاحبُ العِقْد.
غضبَ العطَّارُ، ورفسَ الحاجَّ رفسةً جعلتهُ خارجَ الدكَّان.
فاجتمع الناس وقالوا للحاج:
ويلك! هذا العطَّارُ رجلُ خير. ما وجدت من تدعي عليه إلا هذا؟!
فقيل للحاج:
لو ذهبت إلى عضد الدولة، فله في هذه الأشياء فراسة.
فكتب الحاجُّ قصَّته، ورفَعها إلى عضُد الدولة. نادى عضد الدولة الحاج، وسأله عن حاله، فأخبره بالقصَّة. فقال عضد الدولة: اذهب إلى العطار غداً، واقعد على الدكَّة أمام دكانه. فإن منعَك فاقعد على دكَّة تقابِله من الصبح إلى المغرب، ولا تكلِّمه. وافعل هكذا ثلاثة أيام، فإني سأمرُّ عليكَ في اليوم الرابعِ، وأقفُ، وأسلِّمُ عليك، فلا تقُم لي، ولا تزِدني على ردِّ السلام وجوابِ ما أسألُك عنه.
جاءَ الحاج إلى دكانِ العطار ليجلسَ فمنعه، فجلس في الجهة المقابلة ثلاثة أيام. فلمَّا كانَ اليوم الرابع، مرَّ عضد الدولة في موكبه العظيم من الشارع الذي يجلسُ فيه العطَّار. فلما رأى عضد الدولة الحاجَّ صاحبّ العقد وقف، وقال: السلام عليكم!
فقال الحاج دون أن يتحرك من مكانه: وعليكم السلام.
قال عضد الدولة: يا أخي، تقْدُم إلى بغداد، فلا تأتي إلينا، ولا تعرضُ حوائجَك علينا؟!
قال الحاج: هكذا كان، وعضد الدولة يسأله ويهتم، وقد وقف العسكر جميعهم والعطار قد أغمي عليه من الخوف. فلما انصرف الموكبُ التفتَ العطار إلى الحاج فقال: ويحك! متى أودعتَني هذا العقد؟
وفي أي شيءٍ كان ملفوفا؟ ذكرني لعلي أذكره!
فقال الحاجُّ: مِن صفته كذا وكذا.
فقام العطارُ من فوره، وفتَّش، ثم نقضَ جرة عنده فوقعَ العقد. فقالَ: قد كنتُ نسيتُ.
ولو لم تذكرني في الحال ما ذكرت!

10468512_600772483360339_6503420303678798332_n_j

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة