عاشقان تحت الحرب

تاريخ النشر: 22/12/13 | 7:22

لاجئين، متشردين، ضائعين، باحثين عن الوطن.

استيقظت تلك الفتاة في منتصف ليلة دمشقية مذعورة من صوت وابل الرصاص المنطلق من احدى بواريد الجبناء تجاه شباب الحرية.

لم يسمح لها الخوف بداية ان تتحرك برهة صغيرة نحو النافذة لعلها تعرف ما يجري في الخارج .. إلى ان جمعت قواها ووقفت تهمس للخوف داخلها لا تقلق هنالك رب يحمينا.

تقدمت خطوة خطوة، ومدت اصابعها الرجفة نحو تلك النافذة العتيقة منذ سنين عديدة في حارة سميت أحدى حارات الشام العريقة، اطراف اصابعها تلمس النافذة ويكاد جسدها يرجع للخلف كيلو مترات عديدة الا ان عيناها تود الخروج والقاء النظر على ما حل بأهل حارتها الحميمة ولربما كان قلبها وحده يهتم لرؤية ما ان كان فارسه ما زال على قيد الحياة ام قتلته رصاصة العدو المجنونة.

يخيم المكان صمت كبير فاقد لأي صوت سوى نبضات قلب تلك العاشقة قرب النافذة تبحث عن عشيقها وتخشى ان يكون جثة هامدة في ارجاء حارتها الشامية القديمة.

لحظة صغيرة، جسدها بدأ الاقتراب اكثر لنظر بدقة أكبر بعد لمح عيناها لظل شاب جاء من بعيد على املا ان يكون محبوبها، اقتربت اكثر واكثر ويزداد شوقها اكثر.

ولكن للأسف كان صديق فارسها سرعان ما اقترب وهمست له بصوت يرتجف خوفا، قلقا، عشقا:

جوزيف، "وين علي"؟!

رفع جوزيف رأسه باحثا عن مصدر المناداة والصوت الى ان راها تقف قرب النافذة في الاعلى فرد عليها:

جوزيف: "اهلا فاطمة، كيف حالك؟" وكأنه يتهرب من الاجابة عن سؤالها

فاطمة: "سألتك وين علي؟ ليش مش عم تجاوبني؟ علي صرلو شي؟ علي مات؟! احكي وين علي؟!".

وكأن صاعقة السؤال كانت اكبر من خبر وفاة علي على قلب صديقه المقرب له حينها.

جوزيف: "ما تخافي، علي منيح وبوصلك سلام وبحكيلك ما رح فيو يشوفك هالفترة وبحكيلك ديري بالك عحالك بغيابه".

وكان صوت جوزيف يرتجف كذبا وقلبه يعتصر الما امام نظرات عاشقة تبحث عن ملامح صغيرة من محبوبها لتشفي جروح الحرب والخوف والحنين لأيام لم تعد ولو لحظة صغيرة منذ سنين بعيدة.

تقف فاطمة صامتة امام كلمات وصلتها تحاول تصديقها وتجاهل افكار موت صاحبها وهمست بغصة موجعة على ورقة اعتادا المراسلة العشقية عليها:

"علي .. أحتاج بضع عبوات حرية لأملأ بها رئتاي لأكمل مشوار سعادتي وعشقي جانبك، أشتاق لشذى الياسمين الملقى في كل صباح امام باب بيتي من يداك الحنونة، أتلهف لعودتك بعد ان حملت في رحمي حكايتنا، حكاية الاسطورة العاشقة الموجعة تحت زخات الرصاص وكتل الخوف والضياع والشتات في أرضي.. في أرض وطني سوريا.

سأنتظرك لننجب معا أشجع وأكبر حرية احتفظت بها سر دفين داخل بئرا في احدى بيوت الشام العتيقة، بحجم الرصاص المزخرف في صدور أطفالنا أحبك …".

عاشقتك: فاطمة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة