تل الزعتر يقاوم التغييب

تاريخ النشر: 20/10/16 | 0:27

تل الزعتر يقاوم التغييب (بسام الكعبي)
قرأتُ كتيب ” تل الزعتر يقاوم التغييب ” للكاتب بسام الكعبي، الصّادرِ عن دار مجد للتصميم والفنون – حيفا لصاحبها ظافر شوربجي، وهو يحوي في طيّاته 38 صفحة، في ذكرى أربعين عامًا على مجزرة تل الزعتر، ولوحة الغلاف للفنّان الفلسطينيّ اسماعيل شموط.
الكاتب بسام الكعبي محرر ومدرّب صحفي في فنون الكتابة. متخصص في القصة الصحافية، الريبورتاج والبروفايل وأصدر عدة كتب تتناول بأسلوب البروفايل الصحفي مسيرة شخصيات ثقافية ومجتمعية فلسطينية.
يهدي بسام كتابه إلى المناضلة الأممية إيفا شتال/سميرة حمد التي بلسمت جراح تل الزعتر وقدمت لفقرائه كل ما تملك، إلى المقاتلين الأشداء الذين لم ينكسروا وصنعوا من تل الزعتر أسطورة في الكفاح والصمود والتحدي وقرعوا باب التاريخ بقامات مرتفعة، إلى الأرواح البريئة التي حصدتها آلة الدمار الفاشية بطبعات متعددة ودون رحمة، وإلى مشردي المخيم في كل بقعة لامست طهر حضورهم الكفاحي.
اعتمد بسام في وثيقته الدامغة شهادات شفوية، عملا بحثيا ومقابلات مع من كان هناك أيام الحصار ونجى بأعجوبة ليروي بعضًا مما رأى ليكون عبرة لمن يعتبر وليذكّر إن نفعت الذكرى.
تطرق بسام إلى المؤامرة التي حيكت بين النظام السوري والكتائب اللبنانية اليمينية التي راح ضحيتها ألاف الشهداء.
يتحدّث بسام عن المخيم وإقامته، جغرافيّته وتاريخه ومحاولات ترحيل أهله قبل المجزرة، ومن ثم الحصار الذي عبّد طريق المجزرة، حيث تم فرض طوق عسكري في الرابع من كانون ثاني 1976 وتبعه حصار تمويني وتزايد الحصار عنفًا بالتدريج حتى بدأ العدوان الغادر في الثاني والعشرين من حزيران 1976 بهجمات المليشيا المسلحة، سبقها قطع شبكة الكهرباء، وحظر وصول الطعام ومياه الشرب للفقراء واللاجئين ! اجتاحت القوات الانعزالية المخيم يوم 12.08.1976 ونفذت سلسلة مروعة من المجازر ضد اللاجئين الفلسطينيين ومنها تمزيق الشهيد محمود كروم إربًا بين سيارتي جيب ! وسقط المخيم بعد يومين من بدء المجازر.
يصوّر بسام موقف الممرضة السويدية المتطوعة إيفا شتال (سميرة حمد) التي تزوجت يوسف حمد الذي استشهد في المجزرة وفقدت كلتا يداها وجنينها وصرخت : ” كان الجنين كل ما أملك لأعيش من أجله وأنجو من مجزرة رهيبة”.
كما ويصوّر بسام معجزة نجاة الأطباء، ومنهم الدكتور يوسف عراقي، وخروجهم من تل الزعتر يوم سقوطه، في أطول طريق قطعها يوسف في حياته وشاهد مئات الجثث الطاهرة للأطفال والنساء والشيوخ على جانبي ممر إجباري لا يتجاوز 300 متر.
استشهد في تل الزعتر أكثر من أربعة آلاف لاجئ وفقير، معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين، ومنهم من توفي عطشًا ! سقط المخيم وشرعت جرافات الكتائب فورًا بتدمير المساكن المهدمة وتسويتها بالأرض وتم تشريد ما تبقى من لاجئين.
بسام ليس بمؤرخ والكتيب لا يصبو أن يكون وثيقة تاريخية، بل هو صرخة مدويّة ومحاولة متواضعة لمقاومة التغييب وتهميش المجزرة ليبقى تل الزعتر رمزًا أسطوريًا للصمود اللبناني الفلسطيني وليظل حاضرًا في الذاكرة حتى ينال شعب فلسطين حقه في الاستقلال.
يختتم بسام وثيقته بنشيد شاعرنا محمود درويش، ليظل أحمد الزعتر ينبض في مخيم “ينمو وينجب زعترًا ومقاتلين”، فيما تردد إرادة المنتصر بصوت مرتفع :
أنا أحمد العربيّ – فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار – فليأت الحصار
و أنا حدود النار – فليأت الحصار
و أنا أحاصركم
أحاصركم
و صدري باب كلّ الناس – فليأت الحصار

نعم يا بسام، لن ننسى، ولن نسامح، ولن نغفر لأحد، مهما تعددت طبعة القاتل، وتغيّرت صورة الجلاد، وستبقى الأجيال حريصة على بناء الروايات الشفوية وقد غابت بفعل صمت الضحية.
الكتيب صرخة في واد وحان الأوان لتوثيق أحداث مجزرة تل الزعتر بالشهادات الشفوية على لسان مَن نجى مِن المجزرة ليروي قصّته وقصّة من استشهد من ذويه لتكون عبرة لمن يعتبر.

المحامي حسن عبادي

unnamed-1

unnamed

تعليق واحد

  1. شكراً للصديق المحامي حسن عبادي على هذا التقديم البارع، لعل ذاكرة تل الزعتر تظل قائمة من أجل أن تبقى لعنة المخيم تطار كل القتلة بتعدد طبعاتهم، ومن أجل أن ينتصر الضحايا على الجلاد. بالفعل لستُ مؤرخاً، وقد جاء الكتيب في سلسلة مقالات توثيقية تزامنت مع السنوية الأربعين للمذبحة البشعة، أكرر الشكر للصديق عبادي والصديق ظارف شوربجي على هذه المبادرة الطيبة بإصدار الكتيب. تحياتي ومودتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة