رافع الناصري يرسم لوحة الغياب الأخيرة

تاريخ النشر: 11/12/13 | 9:02

صدمت الأوساط التشكيلية العراقية بخبر رحيل الفنان العراقي رافع الناصري في عمان عن عمر يناهز الـ73 عاما، بعد رحلتين متناقضتين أطّرتا حياته: رحلة الإبداع ورحلة المرض الأخيرة. ويعتبر الناصري أحد رموز الفن التشكيلي العراقي والعربي وخصوصا في جانب الغرافيك.

ولد الفنان الراحل في تكريت عام 1940 وانضم إلى معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1956 ليسافر فيما بعد إلى الأكاديمية المركزية في بكين عام 1959 ويتخصص في فن الغرافيك، مؤسسا في تاريخ الفن العراقي الحديث تجربة فنية رائدة بحيث لا يذكر الغرافيك إلا ويذكر معه رافع الناصري.

وعبر الناصري بالتشكيل العراقي من مرحلة الرواد إلى مرحلة الحداثة، حيث أسس في عام 1969 جماعة "الرؤية الجديدة" مع عدد من الفنانين العراقيين، وشارك في تأسيس تجمّع "البعد الواحد" مع شاكر حسن آل سعيد.

وكسر الناصري شكل اللوحة التقليدي إلى شكل جديد بإضافة مواد جديدة وباستخدام الاكرليك بدلا من الألوان الزيتية فضلا عن تعشيق الحرف العربي داخل تكويناته التجريدية، وقد بقي أمينا لهذه التجربة حتى في أعماله المتأخرة.

لم تقف ظروف المرض أو الغربة حائلا بينه وبين إنتاجيته، ففي السبعينيات من عمره أنجز ما لم ينجزه في شبابه من أعمال ربما أرادها بطاقة الوداع الأخيرة. ولعل في معرضه الذي أقيم له في عمان تحت يافطة "رافع الناصري 50 عاما من الرسم والطباعة" ما يعطي الدليل على ذلك.ويقول مؤرخ الحركة التشكيلية العراقية الفنان شوكت الربيعي عن أعمال الناصري إنها "تصور نتائج ويلات الحرب. فصورت حرب سنوات الغزو والدمار والتهجير والغربة.. وعبرت عما فيها من مجازر ووحشية، وما خلفته من تشويه وتعذيب. عبرت عن هذه الأمور بجمالية ورقة وبألوان مفرحة وتوحي بالرقة والرومانسية. وهذا هو أبلغ تعبير لفنان عن الخراب والحرب وضياع الوطن".

ويضيف الربيعي: "لقد ظهرت للمرة الأولى في تاريخ الفنون التشكيلية صفحات مشرقة لتعبر عن موقف ثابت: رؤية الفنان للحرب والإنسان المستهدف بقيمته الإنسانية وبحضارته الشخصية والتاريخية معا، فقد رفضها رافع الناصري أسوة بزملائه الفنانين، مع اختلاف في الفروق الفردية في تناول نوعية الموضوع ووسيلة التعبير عن قضية الحرية، شكلا وموضوعا".

أما الشاعر والناقد التشكيلي فاروق يوسف فيصف الناصري بأنه "رسام حدسي. يضع يده على القصيدة فتبتل أصابعه بمعانيها الداخلية. بالنسبة له فإن الطبيعة لم تكن سوى قصيدة لم تُكتب بعد. من اللغة يستعير أحياناً حروفاً، كلمات، جملاً. ولكنه لا يبحث عن السياق الواقعي الذي يمكنه أن يكون ملاذاً لاستعاراته. يهرب بما قرأه لكي يكون مخلصاً لما رآه في وقت سابق".وتابع قائلاً: "لديه يمتزج الفكر والنظر ليشكلا قوة خلق. لن يكون مجال الصورة هنا محصوراً بالتأويل، سيقع ما لا يمكن أن يتوقعه الفكر. ستتمكن الصورة من القبض على الجمال باعتباره حقيقة مثالية. هنا بالضبط ترتجل حواسه بوصلتها الواقعية".

ويذكر أن الفنان الراحل قد غادر بغداد في أوائل تسعينيات القرن الماضي

ليدرّس في جامعة اربد الأردنية ويساهم في 1993 بتأسيس محترف الغرافيك في دارة الفنون في عمّان، ويشرف عليه لبضعة سنوات.

وفي 1997 ذهب للبحرين ليدرس في جامعتها ثم أدار مركز البحرين للفنون الجميلة والتراث. كما أقام في المنامة معرضه المهم "عشر سنوات.. ثلاثة أمكنة – 1999"، وعاد إلى عمّان ليقيم فيها إقامته الأبدية هذه المرة بعد أن جرت مراسيم دفنه هناك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة