حقوق الأبناء على الإباء

تاريخ النشر: 23/11/16 | 3:24

تعد الشريعة الإسلامية المنبر الذي عنه تشرع العبادات وتُسن المعاملات، أنزلها المولى عز وجل على النبي المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة وأذكى السلام؛ ليتمم مكارم الأخلاق وليوضح لنا شرع الله في الأرض. و قد عنيت الشريعة الإسلامية مع فجر بزوغها بالإحسان إلى الوالدين وإكرامهما، وشددت على إلزام الأبناء ببرهما وطاعتهما؛ لعظم شأنهما وعلو مكانتهما عند الله عز وجل. وتتضح تلك المنزلة بالتدبر في بعض آيات الكتاب المبين، والتي قرن فيها جل جلاله وجوب عبادته بوجوب بر الأبناء بوالديهم في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبـُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيـْنِ إِحْسَاناً)، وقوله جل علاه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانً.
ومن الأمور المهمة التي يجب أن يراعيها الآباء العدل بين أبنائهم، فلا يميزوا أحدًا منهم على أحد دون سبب، لحديث النعمان بن بشير المتفق عليه: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”. وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن أحد أصحابه أعطى أحد أولاده عطيةً، وأراد أن يُشهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، فسأله النبي الكريم: “أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟
فقال هذا الصحابي: لا، فقال عليه الصلاة والسلام: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق”. وبالتدقيق في الآيات السابقة، يبين لنا عظم مكانة الوالدين عند المولى عز وجل، إلى الدرجة التي يقرن اسمهما باسمه في أكثر من موضع؛ فالمولي عز وجل، عندما يأمر الإنسان بالاعتراف بفضله وشكره وعبادته، يردف بشكر الوالدين وطاعتهما، والرحمة بهما، والتواضع لهما، وجعل الإحسان إليهما من العبادة، والإساءة إلى أي منهما أو لكليهما مفسدة تستوجب الإثم.
ومن الأوجه المتعددة للعناية بالأبوين والإحسان إليهما،الإنفاق عليهما عند حاجتهما إلى النفقة؛ إذ من غير المعقول بعد أن عانى الآباء تربية أبنائهم أن يكون جزاؤهم النسيان أو الإعراض عنهم وقت احتياجهم. وبالتعمق قليلا في مفهوم الأصل والفرع والبحث فيه بشكل من المنطق والحياد العلمي.. نجد أن الولد ذكراً كان أم أنثى، جزء من الأصل جاء من صلبه ومن داخله، فهم بعض من تكوين الأب الداخلي اندمج مع بعض من تكوين الأم الداخلي، ليتكون بقدرة الله سبحانه وتعالى كيان ثالث يخرج منهما، دماؤه ونبضه وكل أجهزته وحتى صفاته وجيناته اكتسبها من كليهما، وهما سبب وجوده وخروجه إلى الحياة.
لما كانت مرحلة الطفولة من المراحل المهمة والأساسية في بناء شخصيَّة الفرد إيجابًا أو سلبًا، وفقًا لما يُلاقيه من اهتمام، جاء الإسلام ليُقَرِّرَ أن لهؤلاء الأطفال حقوقًا وواجبات، لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، وذلك قبل أن تُوضَع حقوق ومواثيق الطفل بأربعة عشر قرنًا من الزمان. الطفل في الإسلام هو من لم يبلغ الحلم حد البلوغ، ولا يتجاوز سنة الخامسة عشر. أما تحديد عمره بما لا يتجاوز الثامنة عشرة كما في وثيقة حقوق الطفل الدولية، فترى أن هذا التحديد غير صحيح، وربط الإسلام سنّ الطفولة بالبلوغ أحفظ للطفل والمجتمع والدولة. تميزت حقوق الطفل في الإسلام على حقوقه في القانون الدولي والوضعي بالعديد من المميزات التي يجب علينا تعرُّفها وتعلُّمها وإدماجها في برامجنا التربوية والتعليمية والتدريبية حتى نفعلها في حياتنا تفعيلاً عقلياً شرعياً، وحتى ندافع عن ديننا في ظل التشويه العالمي والمحلي لهذا الدين وشريعته السمحة الغراء، ووسطيته العادلة الفريدة في عالم غابت فيه الوسطية ومعايير العدالة المطلقة.
حق الطفل في تربية حسنة: لقد حمل الإسلام الوالدين مسؤولية تربية الطفل وتعليمه وتهذيب أخلاقه وغرس القيم الدينية لديه، وتنمية قدراته العقلية والجسمية، يقول الرسول الكريم: «أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم» (رواه أحمد والترمذي)، ويقول أيضاً: «ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن» (رواه أحمد والترمذي
الحضانة هي حفظ الطفل الذي لا يستقل بأمر نفسه وكل من لا يستقل بأمر نفسه عن الأشياء التي تؤثر عليه وتضره والقيام بكل مصالحه، ورعايته والاهتمام بكل احتياجاته اللازمة كالطعام واللباس والنوم والتربية والتعليم والتأديب وغيرها وكذلك الاهتمام بجميع شؤون حياته الصحية والنفسية والاجتماعية بدنياَ وأخلاقياَ
وانطلاقاً من ذلك، أتوصل إلى حقيقة مفادها أن حق الوالدين في مال الابن في غير حاجة إلى جهد لإثباته، فهو حق لهما قبل أن يكون لابنهما حقٌ فيه، ومن ثم يكون لكلاهما الأخذ منه دون قيد ولا شرط حتى لو كانا قادرين على الكسب. حق الآباء في النفقة من منظور التشريعات والأنظمة الوضعية.
ويهمنا أن نوضح بادئ ذي بدء كلمة “حق” التي عنيت بها النصوص الإسلامية، فالإسلام يرى أن الوفاء بحاجة الفقير عمل تلتزم به الحكومة ويلتزم به الأغنياء، فليس ما يعطى للفقير منحة أو صدقة، وإنما هو حق كالراتب الذي يتقاضاه الموظف، مادام هذا الفقير عاجزاً عن الكسب أو إذا كانت سبل الكسب غير ميسرة، فالتفكير الإسلامي واضح في إلزام الحكومة الإسلامية بحق الفقير، والحكومة تشمل الرئيس ومن يساعدونه في هذا المجال وقد أوضح الدكتور “محمد شوقي الفنجرى” الآتي:
أما الضمان الاجتماعي، فهو التزام الدولة نحو مواطنيها، وهولا يتطلب تحصيل اشتراكات مقدماً، وتلتزم الدولة بتقديم المساعدة للمحتاجين في الحالات الموجبة لتقديمها متى لم يكن لهم دخل أو مورد رزق يوفر لهم حد الكفاية. ويتمثل الضمان الاجتماعي في الإسلام- كما سبق أن أشرنا- في ضمان حد الكفاية لا حد الكفاف لكل فرد وجد في مجتمع إسلامي متى عجز أن يوفي لنفسه لسبب خارج عن إرادته.
ويختلف حد الكفاية باختلاف البلاد بحسب ظروف كل مجتمع، فهو في مصر غيره في السعودية. وكنتيجة لذلك، فإن حد الكفاية أي المستوى اللائق للمعيشة اليوم في أي بلد خلافه بالأمس، وفي اعتقادنا أن معيار الحكم في الاقتصاد الإسلامي على أية دولة في العالم ليس هو بمقدار ما بلغته هذه الدولة من مستوى حضاري أو تكنولوجي أو ما تملكه تلك الدولة من ثروة مادية، وإنما هو بالحد المعيشي اللائق الذي تضمنه الدولة لأقل مواطن فيها لتحرره من عبودية الحاجة والحرمان، فالله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على عبادته لأنه خلق الخلق لعبادته. و ضمان حد الكفاية لكل فرد يكاد يكون الأساس الذي تقوم عليه مختلف أحكام الاقتصاد الإسلامي. وقد أجمع فقهاء الإسلام – على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم – على إلزام بيت مال المسلمين بالإنفاق على كل فقير عاجز عن الكسب ولا يجد قريباً يعوله. وحيث إن المدعى عليه السالف فقير وليس لكسبه فضل وله عيال ومن ثم فهو غير مجبر بأن يعطي أمه المدعية نفقة على حدة، وعليه فإن المحكمة لن تلزمه بنفقة لها، وقد ثبت فقره من ضآلة راتبه السالف وأن راتبه من عمله بإدارة دسوق التعليمية وقبضه لراتب أوضح أنه ينفقه على زوجه وأربعة أولاد وأخذه لقرض من البنك أثبت أنه لا يفضل من كسبه وراتبه شيء. لن تستطيع المحكمة أن تقضي بإجباره على ضمها إلى عياله كيلا تضيع؛ لأن هذا القضاء غير جائز قانوناً، فهو قضاء بغير ما طلبته المدعية والتي طلبت نفقة نقدية تعطى لها على حدة ولم تطلب إجباره على ضمها إلى عياله. وعدم إلزام الابن بنفقة لن يحرم المدعية من مبتغاها لأننا سوف نلزم بيت المال بالإنفاق عليها؛ لأنها فقيرة وعاجزة عن الكسب وليس لها قريب يعولها، ولأن ابنها الوحيد غير ملزم بالإنفاق عليها وسوف يسد مقدار النفقة حاجة المدعية ويعينها على فقرها وعجزها.
وحيث أن الخصم المدخل وهو وزير المالية بصفته مديراً ورئيساً للخزانة العامة للدولة يمثل بيت المال في العصر الحديث ومن ثم فسوف نلزمه بالنفقة السالفة، وقد ألزمنا الخصم المدخل بالنفقة لأنه طرف في الخصومة ولأن وكيل المدعية قد تقدم ضده بطلب في صحيفة الإدخال عندما طلب إلزامه بنفقة شهرية للمدعية، وعلى وزير المالية بصفته السالفة أن يرسل النفقة في كل شهر إلى بنك ناصر الاجتماعي – فرع كفر الشيخ – لكي تقبضها المدعية هناك. وحيث إن أرجح الأقوال الحنفية لم تحدد تاريخاً معيناً لاستحقاق نفقة بيت المال، ومن ثم فإننا سوف نفرض هذه النفقة منذ تاريخ رفع الدعوى في 17/1/2006م عملاً بقواعد العدالة التي أشارت إليها المادة الأولى من القانون المدني في بندها الثاني. ونحن نؤكد في الأسباب دون المنطوق أن هذا الحكم واجب النفاذ بقوه القانون وبلا كفالة عملاً بنص المادة رقم 65 من القانون الأخير
وأن النفقة المؤقتة السالفة التي حكم بها على المدعى عليه قد أصبحت بلا سند وجديرة بالإلغاء وعلى المدعية أن تعيد إلى المدعى عليه ما قبضته منها، فلهذه الأسباب جاء منطوق الحكم كما أوردناه سابقاً أن اهتمام الشريعة الإسلامية الشديد ببر الوالدين واستنادنا إلى أدلة من الكتاب والسنة، على وجوب نفقة الآباء على الأبناء. وبرغم اختلاف الآراء بين مدى استحقاق الأب القادر على الكسب نفقة الابن، إلا أنه لا ينال من وجوب نفقة الآباء الفقراء على الأبناء. وقد أوضحنا شروط وجوب هذه النفقة وحالاتها، ثم تطرقنا إلى بعض الأنظمة العربية ووجدنا أن الأنظمة العربية والتشريعات الوضعية متوافقة جميعها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وبالرغم من أن بعض الأنظمة شابها قصور في التشريع وتقنين بعض النقاط وإحالتها إلى المذهب الراجح بالدولة كقانون الأحوال الشخصية المصري الذي لم يقنن مسألة نفقة الأقارب وأحالها إلى الرأي الراجح بالمذهب الحنفي، غير أنني أرى أن هذه المسألة يجب أن يتداركها المشرع المصري؛ لتسهيل عمل القضاء ولضمان سرعة الفصل في القضايا. وأما عن غياب الابن وله مال حاضر وأب فقير عاجز وكذلك حالة عدم وجود أبناء ولا أقارب موسرين للفقير، وجدنا أن الشريعة الإسلامية تلزم الدولة – وخصت خزانة الدولة – بالإنفاق على المحتاج الذي ليس له أبناء موسرون ولا أقارب موسرون، استناداً إلى فكرة أن المجتمع بكامله مسئول عن المحتاجين الفقراء العاجزين عن العمل والمجتمع تمثله الدولة هنا ويخصنا من أجهزة الدولة الجهاز المختص بالمالية أو خزانة الدولة والذي أشرنا إليها في أكثر من موضع وأشار إليها الحكم الأخير بالبحث والذي أرى أنه بداية جديدة لنهج جديد أتمنى أن يسلكه القضاء المصري في مثل هذه الحالات وتعاونه الأجهزة المختصة على تنفيذه.

الدكتور عادل عامر

3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة