قصة وحكمة
تاريخ النشر: 07/10/16 | 0:21رُوي عن الفيلسوف الإغريقي الشهير سقراط انه قال: لو أن مصائب البشر كلها جُمعت ثم أعيد توزيعها مرة أخرى فيما بينهم بالتساوي لرأى الذين يظنون أنفسهم أكثر الناس بؤسا، إن ما كانوا يعانونه في السابق، اقل مما أصابهم بعد إعادة التوزيع.
و كتب الأديب الانكليزي – جوزيف أديسون – يقول : انه كان يفكر في عبارة سقراط هذه عندما غلبه النوم، فرأى أن الإله زيوس في اليونان قد أمر الناس بان يحمل كل واحد منهم مصائبه وأحزانه ويرمي بها في ساحة المدينة. وسرعان ما نفذ الناس ما أمروا به وإذا تجمع من المصائب جبل شامخ علت قمته فوق السحاب!
وقد تنوعت الاحمال التي القى بها افراد البشر: فهذا يقذف كيسا مملوء بالفقر، وذاك يرمي كيسا يحمل زوجته، والنساء المسنات يطرحن منهن آثار الشيخوخة، والرجال يتخلصن من مظاهر قبحهم وعاهاتهم، وكان الجزء الاكبر من هذا الجبل يمثل العيوب الجسمية.
وقد لاحظ الواقفون حول هذه الكومة ان بعض الاشياء فيها هي من نعم الحياة ومباهجها فكيف باصحابها يرمون بها محاولين التخلص منها، معتبرين انها من اسباب بلاياهم واحزانهم — لكن الناس افاقوا من تأملهم لهذا الخليط من البلايا وهذه الفوضى من المصائب على صوت الاله زيوس وهو يصدر امرا ثانيا يبيح فيه لكل انسان ان يستبدل بمصيبته بمصيبة اخرى مما القاه غيره في هذه الكومة وان يعود الى داره بما يقع عليه اختياره من الجبل الذي امامهم
تقدم رجل اشيب طاعن في السن يريد وارثا لثروته الكبيرة، فأختطف ابنا عاقا القاه ابوه على الكومة وهو غاضب عليه. ولم تمضي دقائق حتى امسك الولد بلحية الرجل المسن وكاد يهشم رأسه – فلما قابل الرجل والد هذا الفتى توسل اليه ان يأخذ منه ولده، لكن احدهما لم يكن في مقدوره ان يرد الى الاخر ما اخذه باختياره.
بعد قليل تبين ان الكارثة التي اختارها الانسان لنفسه كانت اشد وقعا عليه من كارثته الاولى التي اراد ان يتخلص منها. ولعل منشأ هذا ان الكوارث التي تنزل بنا تلائم قوانا وتتناسب معها او لعلنا وقد الفنا ما يحل بنا من الكوارث واصبحنا اقدر على تحملها والصبر عليها.. وفي النهاية تم توزيع جبل المصائب والهموم مرة اخرى بين الرجال والنساء، فكان منظرهم كلهم وهم يسيرون مثقلين باعبائهم الجديدة مما يدعو الى الاسى والحزن ثم الرحمة والشفقة.
وضجّ السهل باصوات الشكوى والتذمر ورق قلب الاله زيوس واخذته الرأفة بهؤلاء المساكين فأذن لهم مرة اخرى: القوا عنكم اثقالكم ! وليأخذ كل منكم حظه الاول ! ولم يكد هذا الامر يصدر اليهم حتى هرعوا مسرعين الى الكومة يلقون عليها احمالهم الجديدة ووجوههم تتهلل بشرا — واسترد كل انسان مصيبته الاولى وحملها وسار بها راضيا يحمد ربه .
ذلك هو – الحلم – الذي رآه – اديسون – وتعلم منه الاّ يحزن على ما يصيبه من الألام او يحسد غيره على ما يناله من اسباب السعادة لان الفرد لا يستطيع ان يحكم حكما صحيحا على بلوى جاره —
أرأيت اذن كيف ان الانسان خُلق هلوعا، اذا مسّه الشر جزوعا .. ؟
فانك لن تجد انسانا خال من الهموم، و اذا ما اراد ان (يستبدل) بها هموم اخرى، كانت الثانية اشد الما وسوءا من الاولى التي الفها..