سلامي لكَ مطرًا

تاريخ النشر: 02/12/13 | 3:55

على ثرى أثيري

حطّتْ عصفورةُ ضوءٍ

تهُزُّ عَرشَ أساطيري

مِن ذاكَ المدى

رفرَفَتْ وَهَلّتْ تُنبيني

بهديّةٍ مَختومةٍ بعِطرِ الشّعرِ

مُظَلَّلةٌ.. بوَحْيِ حَرْفي

"سلامي لكَ مطرا".

كَشذى بتولٍ خاشِعٍ

دغدغَتْ لفتَتُهُ المَلائكيّةُ

سُحُبي

عذبةَ الجُروحِ

تُكلِّلُ روحِيَ

بأريجِ أجنحةِ السّماءِ

وأُفُقي الشّفيفُ.. ما انفكَّ يَنضُجُ رهفةً

على ضِفاف شُكرٍ

لهديّةٍ تغلو ترَفًا بالشّعرِ..

وتظلُّ عقاربُ الأيّامِ ضَبابيّةً

تُماحكُ سُويْعاتُها ثوانيها

لتختالَ خطى البهجةِ

على بساطِ الغبطةِ

بمُنتهى حرارةِ عفوّيةِ طفلٍ

تكمّشَ براحةِ يدي

كمَن يَقبضُ على ماسّةٍ زئبقيّةٍ

يَخشى أنْ تنزلِقَ.. تزوغَ مِن أناملِه

وبجُنونِ سعادتِهِ الباعثِ على إرباكي ودَهشتي

ترجّلَ عن صهوةِ التّحايا حياؤُهُ الجهوريُّ

يتهدَّجُ نبضُ قلبهِ على مسامَعِ الحُضورِ

وما درى أنّي ابنةُ بلدِهِ المَبتورِ..

قال وهيب نديم وهبة:

أيّتُها الفراشة آمال

بحقِّ كرومِ زهرِ اللّوزِ وحقولِ العصافيرِ والبيادرِ

بحقِّ أغنياتِ الحصّادينَ وحبّاتِ القمحِ

تعودُ القناديلُ مُضاءةً

وأنتِ هنا على الكرملِ بشفافيّةِ الرقّةِ

وعذوبةِ الكلمةِ والحضورِ.

كلُّ المَسافاتِ فوقَ وطنِ الكلماتِ قريبةٌ

لهذا أوّلُ الوردِ أنتِ

تمنحينَ للإبداعِ قيمةً ووجودًا وكيانًا

بتواصُلٍ يمنحُ الحياةَ قيمةً ومعنًى

وحقيقةً أدبيّةً إنسانيّةً

أنّنا ما نزال نحيا المعاناة. هذا الشّعورُ الّذي يَجمعُ ما بينَ القارئِ والمُبدعِ في بوْتقةِ الحياةِ".

أهديكِ أغنيتي، إلى "سلامي لكَ مطرًا":

"ما بينَ زغبِ اليمامِ وطيورِ الغمامِ.. غزالُ الكرملِ الرّاكضِ مِن عينِ "أمّ الشّقف".. إلى مرج بن عامر… إلى سهلِ حوران.

أما قلتُ..

هي.. عودةُ الصيّادينَ مِنَ البحرِ عندَ الفجرِ.. هي.. صرخةُ الحصّادينَ في الظهيرةِ في عِزّ الحَرِّ.. هي.. قنديلُ العاشقِ في ضوءِ السّهرِ..

أليستْ أغنيةً.. تنبعثُ مِن بياضِ الورقِ في عطرِ الشّوقِ.. وعندكِ قصيدةٌ.. تموجُ مثلَ زُرقةِ البحرِ الكبيرِ..

أعودُ للشّعرِ.. للبحرِ .. لأمواج الكلماتِ فوقَ بياضِ الزّبدِ..

لهذا النّهرِ الّذي يَختارُ جهةَ الفِكرِ.. ومَصبَّ النّهاياتِ في خواتم البِرِّ الكبيرِ "الحياة".. لعصافيرِ الشّعر الّتي تطيرُ الآنَ مِن أوراقي..

سأكتبُ إليكِ أغنيةً..

وفي القلب "سلامي لكِ مطرًا "

وتهيمُ العصافيرُ فزعَةً مَذعورة

(إلى غابةٍ مُلوّثةٍ بالحربِ والعِصيان)

وتغدُرُ الدّنيا

(لِتُقاسمَنا رغيفَ الحياةِ والوطنِ)

وتطيرُ العصافيرُ والأغنية.. وتعودُ الكلماتُ وتغدو بعيدةً..

هذا الوطن..

بينَ رموشِ العينِ والمَنافي

مُعلنًا المُنى والأماني- وأنتِ همسُ السّواقي في غناءِ الماءِ..

وتعودُ

تفرُّ مِن بين أصابعي الأغنية..

(حينما تتقافزُ أيائلُ روحِكَ/ تُسَرِّحُ قطعانَ آمالي في باحةِ بوْحي/ لأتواثبَ فوقَ خرائطِ الدّهشة)

وأنا..

أغمسُ نقطةَ دمٍ مِن كرزِ الرّوح

وأبوحُ لعينيْكِ ..

الوهادُ والسّهوبُ وصغارُ أعشابُ طيبِ الأرضِ..

وأزرارُ الفلّ والياسمينُ ورائحةُ الحبَق البَرّيّ..

لربّما الأغنيةُ تصدحُ..

مِن سطوحِ قرميدِ القدسِ العتيقة..

مِن عبقِ أريجِ الشّعرِ المشغولِ برائحةِ امرأةٍ.. وعبقِ نساءِ الشّوق.. على طوق الزهر الأحمر وليالي العشق والغربة…

كلّما اقتربتُ أن أُلامسَ فستانَ الأغنية..

العروسُ تهربُ مني.. إلى عرسٍ آخر.. إلى حفلٍ بهيج بديع..

مَن يُلامسُ بياضَ زهرِ اللوزِ في ليلةِ عرسٍ..

مَن يُلامسُ جسدَ الأغنية في أقصى حالاتِ الوجدِ..

الشعرُ للحياةِ..

وما دونَ الأغنيةِ لا يَستحقُّ الحياة..

والملاذُ (مَلاذي- في عِتابِ الموْتِ وعقابِ الحياة) لكَ

أنْ أكتبَ عنكَ "الموتَ" وأنتَ تدفعُني للحياة..

وغزالي الكرمليّ يُنادي:

(أيا راعية الفؤاد… سرّحي غزالة قلبي شادنًا… في مراعي الغزل… لأُغافل وسَن النجوم..لأنجُمَ سماءَنا بقُبَلِ أسمائنا..تتشابكُ لثمًا.. تتواشجُ وهجًا.. فوق..انسكاب روحكِ..شعاعاتُ سحر ناعسة..تغمرُ عيوني.. تنهمرُ… موسيقا تتغندر…تهفو في.. انسياب البوح..على.. إيقاع رنين كأسيْن توّاقيْن للعناق)

ربّما..

عندها تطفو على سطحِ الخيالِ الأغنية..

غزالةٌ شاردةٌ في بَراري قلبي..

تصدحُ في غناءِ الصيّادينَ العائدينَ بأرزاقِ البحرِ..

والحصّادونَ يَصنعونَ المطرَ وأمجادَ البِرّ..

والعشّاقُ على نافذةِ القمرِ يُعلنونَ استمرارَ الحياة..

أما قلتُ..

ربّما.. الأغنيةُ غزالةٌ شاردةٌ في براري قلبي

تصدحُ بغيابِ الفرحِ في غِيابها

لا تُعاتبُ

وفي البُعدِ كلّ العتاب.

هكذا تبقيْن أنتِ.. وحدَكِ أنتِ.. وتغيبُ الأغنية..

أو تكمنُ في منافي الروحِ سِرّا..

(تصدحُ بهِ حوريّاتُ النجوم.. في سهولِ ليلي..

لتحتفيَ بأعراسِ حزني)

وأتذكّر- اِزرعي صدريَ حقلًا للسّنابل..

وحين تحصدينَ قمحي

وتعجنينَ خبزي

تذكّري خبزَ الآخرين- وأنتهي على ضفافِ الأغنية.

(اِزرعي سكرة دمي بخيالات الفرح.. شاغليني بمُرّ عفوكِ…

لتفيض أقمار عينيكِ.. نورًا… بخورًا…على…هضاب الحروف)

وكان ردّ آمال عوّاد رضوان- الشّاعر الجميل وهيب نديم وهبة

لا أخفيك أني فوجئت، حينما اتّصل بي أحدُ أصدقائي الشّعراء، ليخبرَني عن إهدائِكَ أغنية رائعة لـ "سلامي لك مطرا"، كَرَدٍّ على بعضِ ما وَرَدَ بالنّصوصِ الشّعريّة.

كيف وصلَهُ "سلامي لك مطرا"، وكتبي لا أودعُها على رفوفِ مكتبات، ولا أخضعها للبيع والشّراء؟

كيف وصله "سلامي لك مطرا"، في الوقت الّذي لم يَرِدْ اسمه بعْدُ، ضمنَ من تكبّدوا قبول هديّتي المتواضعة؟ كيف.. طالما أنّ كتبي ليست تُوَزَّعُ إلاّ إهداءً، ولم يتسنَّ لي إهداؤُهُ إلاّ لعشرات قليلة من متخصّصي اللّغة العربيّة الأصدقاء، وبعض أصدقائي من ذوّاقي الكلمة والشّعر؟

كيف للشّاعر وهيب وهبة أن يكتب عن آمال عوّاد رضوان، وليسَ هناك أبدًا مِن سابق معرفة بينهما من قبل، ولم يلتقيا إلّا من خلال حروف نصوص متفرّقة منشورةٍ، ربّما، تسترقُها العيونُ لتدرك كنهَ مذاقاتها…

استغربت حقا!

وكانتْ أغنيَتُكَ فانوسًا يستدرجُ قدمَيْ استطلاعي

لأبصرَ أوتارَ حروفي

يُناغمُها قوسُ حِبرِكَ المُمْعِنِ

بشفافيّةِ نبضِهِ المترفِ

كأنّما نَهلتَ مِن مَشاربِ حُلمي المَشبوبِ

في أفقٍ زئبقيٍّ..

أتراهُهُمُ الشّعراءَ يَردِمون هُوَّةَ زمنٍ مُتزلزلٍ

بملكوتِ الشّعر؟

كأنّما خفقاتُ أصابعِ الدّهشةِ.. خشعتْ شعرًا

لتَرسُمَ مَلامحَ الماءِ الحيِّ بِملْءِ عَيْنيْهِ

حدَّ الإغراقِ

ألعَلّها تُشاكسُ شخيرَ مُحالٍ تأبّطَ مِظلّةَ الحياةِ..

لتتفكّهَ بِتَرَنُّحِ أطيابِها؟

الأستاذ وهيب نديم وهبة..

تنعّمتُ حقّا بلذائذ أغنيتك، لكَ عميقُ شكري

فكان ردّ وهيب وهبه الآخر:


آمال

عصفورة الحنين تنقر شبّاكي

 ما بين البحر  اللغة"

 وشعاع الفوانيس

تحمل كلماتكِ الرقيقة الناعمة

 غناءَ عصفورةِ الصّباح

 رسالتكِ العائدة إلى الجبل الكرملي الشامخ تقولُ: أنتِ الشّامخة، العالية، الغالية، المبدعة الرائعة

 كي تزرع الدنيا "حدائق الشّعر" 

كيفَ سقطَ الطيرُ في يدي (الكتاب)

 لماذا أقولُ أنّ بعضَ الأشياء تفقدُ الكثيرَ حينَ تُقالُ

 أنّ الغموضَ، البحث عن المجهول، مخيلة القادم الآتي

 تكون بالرمز بالإشارة

الدين وحي

الكتابة إلهام

 هذيان

 .. وحين نفسّر سِرّ الكتابةِ نفقد رعشة الإحساس

وحين نفسّرُ سِرّ الحياة نفقد القدرة على التنفس

سرّ الحياة

 هذا الحنين العتيق الغامض الذي يشدّ الإنسانَ للبقاء لماذا كتبتُ الأغنية؟ 

هي قدرة كلماتكِ المزروعة (حدائق بابل)، المثقلة "باللغة" الرائعة، والثقافة العالية والروح الشفافة. حتّى أنّني كنتُ أخافُ وأنا أكتبُ، أن أجتازَ الحدودَ، وهنالكَ مَن يُفسّرُ الكلماتِ مُجاملةً، أو أنّ هنالكَ معرفةً مُسبقةً، لهذا بقيَتْ كلماتي بينَ حدودِ النّصّ واللغة.

الصديقة الفراشة المُحلقة في فضاء الإبداع آمال

أتمنّى أنْ يَستمرّ بيننا هذا التواصل الثقافيّ، وإلى لقاء.

وردّت آمال عوّاد رضوان:

اكْتَظَّتْ بِكَ جَوَانِحُ الْجَوَارِحِ

تَتَغَلْغَلُ فِي خَاصِرَةِ الظِّلالِ

أكَأنَّما حَلَّقَتْ أفْئِدَةُ نوارِسِكَ في يَمِّ اليَقينِ..

أم غَشِيَتْ قواربَ.. اعتَصَمْتْ في صَوامعِ الوَهْمِ؟

اشرَأَبَّتْ أعناقُ حروفِكَ المَحْمومةِ

مِن خلفِ سواحلِ أبجديّةٍ موصودةٍ

تُطاوِلُ نفَحاتِ مَلَكوتٍ..

تَخلّدَ في أقاصي الأساطيرِ

وَ … حيفا

ما بينَ صَدْرِ السّماواتِ وعَجْزِ الأرْضِيّاتِ

نبضُ آيةٍ مجيدةٍ

تَحُفُّها تراتيلُ أجواقِ مَلائكةٍ

وَ … بحرُ حيفا الموشومِ بعَصْفِ المنْفى

يَموجُ عارمًا بكرْملٍ يتنسّكُ

على شواطئِ قداسَةٍ مجْدولةٍ

يَثْمَلُ خَيالُكَ الشّاعرُ بندى الكرملِ

وَيَنْسَلُّ في معابرِ أديمِ الانتظارِ

يَنْسِلُ بِمِخْلَبِ حُلُمِهِ الشّقِيِّ

خيطَ لقاءٍ حاكَهُ المُحالُ!!

سِتّونَ شَهْقَة شَمْعَةٍ

غُمِسَتْ طَمْسًا

في ثقوبِ ذبالاتِ ضبابٍ

تقويمُ ميلادِ وطنٍ

تآكلَهُ هُزالٌ مشطورٌ

على عَرْشِ الحَسَراتِ

وَتَحْتَ كنفِ غَصّةٍ جَبْريّةٍ

تَمْتَثِلُ خُطى دمْعةٍ لأضْغاثِ وجعٍ

تَوَغَّلَ خَفْقًا مثقوبًا في بُؤَرِ الرّوحِ

أيَعودُ الضّياءُ المَوْعودُ؟

يُسعدُني أنْ أفترشَ وإيّاك بعضَ زغاريدِ الآمالِ لعروسِ الكرملِ الخلاّبةِ، نُراقصُ موجَها، ويُعطّرُ مساماتِ الرّوحِ رذاذُ ليلِها، نرتشفُ أثيرَ هواها، وترتشفُ دماءَنا كرومُ غُروبِها العابقِ بعِشقها.

الشّاعر وهيب نديم وهبة؛

دعِ الخيالَ يجولُ ويصولُ في بَراحِ سكْرَتِهِ المتيقّظةِ، دونَ أيِّ تصريحٍ أو جوازِ سفرٍ يتسكّعُ على الحدود، فتَهَلّلْ

لنتَهلّلَ بتهاليلِكَ العذبةِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة