إفتراس الزمن
تاريخ النشر: 04/08/16 | 7:32للأسف الشديد، كان كوكب ميلر أقرب لـ جارجَنتو Gargantau- الثقب الأسود الهائل الذي يدور حوله الكوكب[1]– مما اعتقد أفراد المهمة، وبالتالي كان النزول على سطحه يعني مزيداً من التباطؤ الزمني بالنسبة لهم. فكل ساعة يقضونها على الكوكب، ستعادل سبع سنوات من سنواتنا الأرضية. أضف إلى ذلك الوقت الذي سيقضونه في مدار ميلر حيث سيكون هناك تمددا زمنيا بتأثير الجاذبية أيضا.
اقترح حينها “كوبر” أنه بدلا من أن تدور السفينة الأمّ إندورانس Endurance في مدار كوكب ميلر، فإنها ستأخذ مدارا أوسع حول جارجنتو نفسه بعيد عن منطقة الانزياح الزمني، وبالتالي يقل الوقت المستَهلك نوعا ما، لينزل بعضهم على سطح الكوكب. محاولين أخذ د. ميلر من الكوكب بأسرع ما يمكن.
أينشتاين والجاذبية
كانت نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين (1879-1955) يمكن تطبيقها في عالم بدون جاذبية، فلا يوجد دور للجاذبية أو الكتلة في تلك النظرية. كانت نظرية الجاذبية الشهيرة لنيوتن موجودة، ولكن اتضح أنها تعد حالة خاصة من نظرية أعم. لذا نستطيع القول أنّ نظرية النسبية الخاصة ونظرية نيوتن للجاذبية هما حالتان خاصتان عن نظرية أشمل لابد من اكتشافها يوما ما(فالنسبية الخاصة تصلح للحالات التي لا توجد بها جاذبية، ونظرية نيوتن تصلح للسرعات الصغيرة بالنسبة لسرعة الضوء).[2]
بدأ أينشتاين العمل على نظريته الجديدة منذ عام 1907 عندما كان عاملا في مكتب براءات الاختراع، حتى وصل للنظرية ونشرها كاملة في عام 1916.
افترض أينشتاين في نظريته أن المكان والزمان متحدان في نسيج كوني أطلق عليه الزمكان (Space-time) هذا النسيج الكوني قابل للانحناء بواسطة الأجسام الثقيلة، فالشمس مثلا تحني الزمكان حولها، وهذا الانحناء تقع فيه الكواكب التي تدور حولها، وهذا هو سبب الجاذبية برأيه. فهي ليست كما قال نيوتن قوة بين جسمين. بل هي مجال تكونه الأجسام ذات الكتل الكبيرة (Massive objects) حولها، وتقع فيه الأجسام الأصغر، حتى الضوء نفسه ينحني عندما يمر شعاعه بتلك المناطق المنحنية. وبكلمات أخرى، الجاذبية هي ما يحدد شكل الفضاء.
قال أينشتاين نفسه بعد ذلك أن اكتشافه لتلك النظرية يعد “أعظم اكتشاف في حياته“، وقال العالم الإنجليزي بول ديراك Paul Dirac عن ذات النظرية أنّها “ربما تعد أعظم اكتشاف على الإطلاق“.[3]
إدنجتون وشهرزاد
في قصة “صباح الليلة الأولى بعد الألف”، يقول مؤلفها الفرنسي أندريه ميكيل على لسان شهرزاد : “كل ما يفهمه العقل الأصيل يجب أن يكون شائعا. فالمعرفة تنكر وجودها إن لم تُتقاسم“.[4]
والمعرفة التي لابد أن يتقاسمها البشر جميعهم، هي ما دفعت بعالم إنجليزي أن يحاول إثبات صحة كلام آخر ألماني –وهو أينشتاين- بعد حرب عالمية طاحنة تخاصم فيها إنجلترا وألمانيا، وقتّلوا مئات الآلاف من بعضهم البعض. في قصة يُضرب بها المثل في تخطي العلم الحدود الوهمية بين البلاد.
في عام 1919، وبعد أن تحدى العالم البريطاني الشاب آرثر إدنجتونArthur Eddington الجمعية الملكية، أثبت صحة جزء مهم من نظرية النسبية العامة، وهو الخاص بانحناء الضوء حول الأجسام الكبيرة.
قبل أينشتاين، كان العلماء بالفعل يعتقدون أنّ الجاذبية تجذب أشعة الضوء فتجعلها تنحني إذا مرت بجوارها، هذا بالطبع إن لم تكن كبيرة كفاية لتجذب الأشعة إليها فلا تستطيع الخروج، كما شرحنا سابقا.
لكن نظرية أينشتاين تنبأت بقيم جديدة للزوايا التي تصنعها الأشعة المنحنية مع المسار الاصلي لشعاع الضوء. وهنا كان دور إدنجتون، حيث سافر إلى جنوب أفريقيا عام 1919، حيث كان هناك كسوفا للشمس، ليحدد مواقع النجوم التي ستظهر له ويقارنها بالمواقع الأصلية لتلك النجوم، ويرى ما مدى الاختلاف بين الموقعين الذي سببته جاذبية الشمس. واختار إدنجتون وقت الكسوف حتى لا يكون لضوء الشمس أي تأثير على قياساته. وبالفعل كانت الانحرافات التي قاسها متطابقة مع ما قاله أينشتاين بنسبة خطأ ضئيلة جدا.
أول من توقع وجود الثقوب السوداء هو العالم الجيولوجي الإنجليزي جون ميشيل JohnMichell ، تحديدا في عام 1785، وقدم – حينها- توقعاته للجمعية الملكية في لندن. وكانت فكرته تعتمد على “سرعة الهروب من الجاذبية” Escape Velocity.
بالنسبة للأرض، فإنه يلزم لأي شئ (صاروخ مثلا) لكي يتحرر من جاذبيتها أن يتحرك بسرعة 11 كيلومترا في الثانية الواحدة تقريبا. بينما على القمر يكفي ما يزيد قليلا عن 2 كيلومترا لكل ثانية. أما الشمس فيلزمك 620 كيلومترا في الثانية لكي تهرب من سعيرها!
تساءل ميشيل، ما هي كتلة الجسم الذي لن يستطيع الضوء نفسه أن يهرب منها. فالضوء عنده (كما قال نيوتن قبله) كان عبارة عن جسيمات، وبالتالي يتأثر بالجاذبية. ووجد في النهاية أن نجما بحجم الشمس 500 مرة ولكن بنفس كثافة الشمس، لن يستطيع الضوء أن يهرب منه. وبالتالي لن يخرج أي ضوء منه، لأنه سيجذب شعاع الضوء للداخل. وبالتبعية سيبدو هذا النجم اسود.