العقوبة

تاريخ النشر: 20/07/16 | 0:03

قالَ المعلم:
استمعوا إليَّ جيداً، لقد عرفتُ التلميذ َ الذي اقتلعَ غرسة َ السرو ِ من حديقة ِ المدرسة، وعندما أرسلتُ في طلبـِه أنـْكرَ، وأقسمَ أنه لم يفعلْ ذلك.

أحضرتُ شهوداً على فعلتِه، فاحمرَّ من الخجل، لم أعاقبْه حتى الآن، ولكنني أطلبُ منكم أن تختاروا عقوبة ً مناسبة، فكِّروا في أفضل ِ عقوبة، وغداً سأستمعُ إلى اقتراحاتِكم.

أصغى التلاميذ ُ وهم مستاؤونَ جداً، عيبٌ أن يعبثَ أحدٌ بالمدرسة، والأكثرُ عيباً هو الكذب.
تمَنـَّوا لو عَرَفوا من هو ذلك التلميذ، وحاولوا أن يكشفوه، فلم يستطيعوا.
ذهبوا إلى بيوتهم، ولم يكونوا مرحينَ كالعادة، وراحوا يفكرون:
“ما هي أفضلُ عقوبة ٍ للكذاب؟”
***
في صباح اليوم ِ التالي دخلَ التلاميذ ُ إلى الصفِّ، ثم دخلَ المعلم، وتبادلَ التحية َ مع التلاميذ، ابتسمَ، وقال:
– ها.. هاتوا آراءَكم لِنرى.
وقفَ “سعد” وقدَّمَ إلى المعلم قضيباً من شجر الرمان قائلاً:

هذا أحسنُ دواءٍ للكذب ِ يا أستاذ.
أمَّا “أحمد” فاقترَحَ:
أستاذ.. أنا أرى أن يُفصَلَ الكذابُ يوماً أو يومين ِ من المدرسة.
كثيرونَ قالوا:
يجبُ أن نبلغَ أهلـَه، وهم يعاقبونـَه كما يريدون.
قالتْ “سلام”:
أوقفوه أمامَ تلاميذ ِ المدرسة، وقولـُوا هذا هو “الكذاب”.
أما “وليد” فقد أخرجَ مِقـَصَّاً، وأعطاهُ للمعلم، فقالَ المعلم:
-هل نحن في حِصَّة ٍ للرسم ِ والأشغال ِ يا “وليد”؟
أجابَ “وليد”:
-أفضلٌ عقوبة ٍ للكذاب ِ هي أن نقـُصَّ لسانـَه.
فقهقهَ الجميعُ، لقد أثارَ اقتراحُ “وليد” حركة ً لطيفة ً في الصفِّ.
صاحتْ “هدى”:
– أستاذ.. جاءَ “سليم”!
كان “سليم” غائباً حتى الآن، وحسِبَ زملاؤه أنه مريض، وها هو الآن يحضُرُ بعدَ عشر ِ دقائقَ من بداية ِ الدوام.
تعالى ضحكُ التلاميذ، وتصايحوا، صرخَ المعلم:
– ما هذا؟ سكوت.. سكوت..
ردَّ الجميع:
– انظرْ يا أستاذ، “سليم” يقودُ حماراً.
قالَ المعلم:
– حمار!.. غيرُ معقول.
فتحَ الباب، ونظرَ.. فعلاً “سليم” يقودُ حماراً، والحمارُ يحْرِن، ولا يسيرُ إلا بصعوبة.
– “سليم” .. ماذا تفعل؟
أجابَ “سليم”:
– سأخبرُكَ يا أستاذ، سأربـِط الحمار، وأحضُرُ حالاً.
بعدَ قليل ٍ كانَ “سليم” عندَ باب ِ الصفِّ، وراحَ يشرحُ للمعلم:
– عندي فكرة ٌ رائعة ٌ يا أستاذ، دَلـَّني عليها جَدِّي، فعندما طلبتُ منه أن يَدُلـَّني على أحسن ِ عقوبة ٍ للكذاب حدَّثـَني عن عقوبة ٍ كانوا يقومونَ بها في القرية فيما مضى من الأيام، فأعجبتـْني الفكرة ُ كثيراً، نأتي بالكذاب، ونجعلـُه يركبُ على الحمار بالمقلوب، ويمسكُ ذيلـَه، ثم يدورُ به في شوارع القرية، وعلى رأسه طـُرْطـُور.
حبسَ المعلمُ ضحكتـَه، وحاولَ أن يوقفَ ضحكَ التلاميذ، وقال:
– يا “سليم”.. تتأخـَّرُ عن المدرسة لتـُحضِرَ حماراً، أهذا معقولٌ؟
قال “سليم”:
– ماذا أفعلُ؟ هذا الحمارُ حمارٌ فعلاً، لا يمشي بسهولة، إنه حَرون، لعله يفضـِّل البقاءَ في الإسطبل.
مازحَهُ المعلم:
– أنا أرى يا “سليم” أن الحمارَ غيرُ موافق ٍ على فكرتِكَ، إنه غيرُ راض ٍ عن العقوبة ِ كما يبدو، لهذا يَحرِن.
زادتْ القـَهْقـَهَة.
دَقَّ المعلمُ على الطاولة، وقالَ بوقار:
– اسمعوا يا أبنائي.. لن نقـُصَّ لسانَ أحد، ولن نستعملَ قضيبَ الرمان، ولن نـُرْكِبَ الكذابَ على الحمار بالمقلوب، هناكَ اقتراحاتٌ صحيحة، لكنَّ العقوبة َ قد تمَّتْ، أتعرفونَ كيف؟ إن الكلامَ الذي سمعناه هو العقوبة، فالإنسانُ تؤثـِّر فيه الكلمة، فالذي كذبَ موجودٌ بينـَكم، وقد سمعَ كلامَنا، ولن يعودَ إلى الكذب، أنا واثق، أليسَ كذلك؟
“نعم أستاذ !!”
نطقَ “وجدي” بهذه الجملة ِ من غير قصْد، فتوجَّهَتْ أنظارُ الجميع نحوَه بحركة ٍ واحدة، إذاً هذا هو الذي كذبَ على المعلم.
اِحمَرَّّ وجهُ “وجدي” خجلاً، وهمستْ له “سهر”:
-لهذا لم تقدِّم ِ اِقتراحاً حولَ العقوبة.. يا عبقري!.
تصايحَ التلاميذ:
“الحمار!!.. الحمار!! أين الحمار؟”
وقفَ “سليم” في مكانه ِ بسرعة، فقالَ له المعلم:
– اجلسْ.. الحمارُ يعرفُ طريقَ البيت ِ أكثرَ منك!
لكن “سليم” لم يهدأْ تماماً، ظلَّ بالـُه مشغولاً، ويتمَلمَلُ في مكانه، وعلى الرغم ِ من كونِهِ مُجتهداً فقد أجابَ على سؤال ِ “ما هو حاصلُ ضرب ِ خمسة ٍ في خمسة؟”
أجابَ: “خمسة ٌ وخمسون”!!
لا تلوموه!! فقد نسيَ عقوبة َ “وجدي” وراحَ يفكرُ في عقوبة ٍ أخرى.. عقوبة ٍ من جدِّه.

بيان الصفدي

Untitled-15_3_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة