إستوقفني في سيرة بديع الزمان

تاريخ النشر: 09/07/16 | 8:45

بديع الزمان الهمَذاني هو صاحب المقامات المشهور (967- 1007)، وغلب الرأي القائل إنه أول من ألفها.
يقال إنه أملى في نَيْسابور أربعمائة مقامة، لم يصل إلينا منها سوى اثنتين وخمسين.

حافظته عجيبة، يذكر الثعالبي أنه كان يعيد الخمسين بيتًا من الشعر بعد أن يسمعها مرة فقط، “لا يخرم حرفًا ولا يخل بمعنى”، وله عجائب في الترجمة عن الفارسية، فيجمع بين اللغتين “بالإبداع والإسراع”.
يقول الثعالبي:
“لم يُبقَ نظيره في ذكاء القريحة وسرعة الخاطر… ولم يُدرَك قرينه في ظرْف النثر ومُلَحه، وغُرر الشعر ونُكته”.
انظر: الثعالبي (يتيمة الدهر) ج4، ص 256.
..
من الجميل أن أذكِّر أن اسمه (أحمد بن الحسين)، وبالطبع تعرفون الشاعر الضخم الذي حمل هذا الاسم أيضًا! وكلاهما عاش عمرًا قصيرًا.

الطريف في خبر موته:
قيل جُنَّ في آخر حياته، وقيل إنه مات مسمومًا، وقيل إنه دُفن حيًا، فلما سمعوا صوته نبشوا قبره، فوجدوه في هيئة الجالس.
(من مقالة بدوي طبانة – انظر رأيه أدناه!)
أما ابن خَـلِّكان فيورد ما هو أقرب إلى التصور:
“قال الحاكم – توفي في هَراة (في بلاد خراسان) سنة ثلثمئة وثمان وتسعين، وسمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة، وعُجّل دفنه، فأفاق في قبره، وسُمع صوته بالليل، وأنه نُبش عنه، فوجدوه قد قبض على لحيته، فمات من هول القبر”.
انظر: ابن خـَلِّـكان (وفَـيَات الأعيان) ج1، ص 55.
..
لم يذكر لنا الثعالبي علة موته، وقد عاصره، وربما كان ذلك لإعجابه المتناهي به، إلى حد التنزيه، وربما لأنه لم يكن هناك داع يستدعي الذكر،
بل قال:
“وحين أربى على أربعين سنة ناداه الله فلبّاه… فقامت عليه نوادب الأدب، وانثلم حد القلم، وفقدت عين الفضل قرّتها، وجبهة الدهر غرّتها، وبكاه الأفاضل مع الفضائل، ورثاه الأكارم مع المكارم، على أنه ما مات من لم يمت ذِكره، ولقد خُلّد من بقي مع الأيام نظمه ونثره” ن. م – ص 258

الطريف الآخر-
قرأت في مقالة لبدوي طبانة (الهلال- سبتمبر 1973، ص 58) أنه حلل سلوك بديع الزمان، في دراسة متأنية، فوجد أن شخصية المكَدّي هي صورته، وأنه هو أبو الفتح الأسكندري الذي يظهر براعته ويرتجل ويُدهش، ويتفنن في صياغة العقدة، وهناك الحل بعد ذلك في ظهور حقيقة الشخصية المعجِبة التي تتكسب.
..
مما أعجبني وأنا أقرأ سيرة بديع الزمان رسالة قصيرة كتبها إلى ابن أخته:
“أنت ولدي ما دمت والعلم شانك، والمدرسة مكانك، والدفتر أليفك وحليفك، فإن قصّرت ولا إخالك، فغيري خالك”.
الثعالبي ن.م ، ص 275.

أ. د فاروق مواسي

faroqmwaseee

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة