أين حافة الكون؟
تاريخ النشر: 24/06/16 | 0:02أصبح من البديهي لدينا الآن نحن البشر أن الكون يتمدد ويتوسع، حيث كل مجرة في الكون تطير بعيدا عن المجرة الأخرى، وهذه الصفة المهمة عن الكون تجعلنا نطرح على أنفسنا سؤالا شائعا جدا بين الناس والطلاب وحتى علماء الفلك والكون وهو: إذا كان الكون يتوسع فإلى متى سيبقى يتوسع؟ وهل سيكون هنالك كون آخر؟ أم لا شيء من هذا التصور؟ وأين هي حدود هذا الكون المتمدد الذي نشاء من خلال فقاعة كونية تشبه الرغوة؟
الحقيقة أننا لا نعلم حتى الأن لا نعلم أين تقع حافة الكون إذا ما افترضنا وجود حافة له، لكن ما نقصده هنا حافة الكون المنظور أي الذي تراه مراصدنا الفلكية من خلال الضوء والأشعة الكونية المختلفة، ويبلغ قطر الكون المنظور 13 مليار و770 مليون سنة ضوئية، وهو أقدم ضوء نرصده حتى الآن حيث قطع هذه المسافة الشاسعة من الكون، وهذا الضوء هو بمثابة صندوق المعلومات الذي حمل لدينا المعلومات عن الثقوب الكونية السوداء والمجرات والعناقيد المجرية وأشباه النجوم وغيرها من المادة الكونية.
اذا ما نظرنا إلى الكون من الأرض وشاهدنا توزيع المجرات في الفضاء سنرى أننا نقع في مركز الكون، وسنشاهد أن كل المجرات تطير عنا بتناسق رائع وفي اتجاهات مختلفة ثابته وغير عشوائية، وتبدو وكأنها تطير نحو حافة الكون، ولو افترضنا أننا انتقلنا بمراصدنا إلى مجرة المرأة المسلسلة Andromeda اقرب المجرات إلى مجرتنا درب التبانة، ورصدنا الكون من هناك، سنرى أيضا أننا مركز الكون ومجرة درب التبانة تطير مبتعدة عنا مع المجرات الأخرى، ولو سافرنا بتلسكوباتنا إلى ابعد المجرات التي نراها في الكون ورصدنا المجرات من هناك سنرى أيضا أن كل المجرات تبتعد عنا بنفس الأسلوب أيضا.
ولكن إذا كانت كل المجرات في الفضاء تبتعد عن بعضها البعض وهو ما يدل على توسع الكون وتمدده، إذا فأين هو مركز الكون؟ وأين هي حدود الكون الذي يتمدد إلى ما شاء الله؟ أم ليس للكون حدود كما يعتقد بعض علماء الكون وأنه ماض في التمدد دون توقف؟
الحقيقة ووفقا للمفهوم الرياضي الحديث أن الكون يتمدد دون أن تكون له حافة كما نتصور في مخيلتنا، ولتقريب هذه الفكرة لنتصور أن الكون عبارة عن فقاعة ضخمة من الصابونsoap bubble تزداد حجما وتتوسع ونحن في مركزها، إذا نظرنا إلى الفقاعة من مجرة أخرى ستبدو الفقاعة مختلفة، لان هنالك مجرة مختلفة في مركز الفقاعة، حيث تنعدم وتختفي مفاهيم “الداخل” inside و “الحافة” edge وعليه فلا معنى للحافة هنا، بل أن كل ما يمكن وصفه أن مجرة تبتعد عن الأخرى دون تخيل للحافة أو الداخل أو المركز، فأنت عندما تسبح في الفضاء بعيدا عن الأرض والنجوم والكواكب والفضاء تحيط بك من كل جانب، فكيف ستحدد حينئذ المصطلحات المعهودة على الأرض مثل “فوق” و “تحت” و “أسفل” وكذلك “المركز” ؟
والان دعونا نعود خطوة للوراء، لنتصور الكون مثل فطيرة عجين وبداخلها حبات من الزبيب، وعندما ندخل فطيرة العجين إلى الفرن فإنها ستنتفخ وتتوسع، وتبتعد حبات الزبيب عن بعضها بسبب توسع الفطيرة، وهذا الابتعاد لحبات الزبيب عن بعضها سيكون بتناسق جميل بحسب تمدد الفطيرة، وعليه فالمجرات تبتعد عن بعضها مثل حبات الزبيب بتوافق مع تمدد الفضاء الكوني، وعليه فالمجرات لا تتمدد لوحدها مع بقاء الفضاء ثابتا بل يتمدد بتناسق هو الآخر، والمجرات تتمدد بتناسق مع تمدد البساط الكوني! ولكن بشرط دون أن نتخيل الحواف للكون كما هي الفطيرة المقرمشة، كما لا يجب أن تنخيل مركزا لها أيضا بل كل نقطة في الفطيرة هي المركز.
مشكلتنا نحن البشر أيضا أن عقولنا تتصور الكون بأبعاد ثلاثة وهي الطول والعرض والارتفاع، ولا يمكننا أن نتخيل الكون بأربعة أبعاد وفقا للنظرية النسبية العامة التي وضعها أينشتاين أن الكون مؤلف من أربعة أبعاد بعد أن أضاف البعد الرابع وهو “الزمن” Time ثم جاءت “نظرية الأوتار” string theory التي تقول أن للكون ربما أبعاد أخرى أكثر من أربعة، والحقيقة أن نظرية أينشتاين في إضافة البعد الرابع كان هنالك ما يدعمها ويثبتها، علما أننا لسنا بحاجة للبعد الرابع لكي نتصور الكون بالحافة حيث تكفي الأبعاد الثلاثة الرئيسية لذلك، وتستطيع لغة الرياضيات أن توضح لنا أن للكون حافة، حتى ولو كانت بصورة مغايرة عن معنى الحافة التي نراها في حياتنا اليومية.
ويبقى في آخر القول إن حافة الكون علمها عند الخالق سبحانه وتعالى وسيبقى كذلك حتى يتم قوله تعالى (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) 104، سورة الأنبياء.