إحترس تلفونك مُراقب وعميل للمخابرات

تاريخ النشر: 30/10/13 | 6:55

ما حدث من مراقبة تليفونات زعماء العالم من جانب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لم يكن بحاجة إلى اختراع جديد أو متخصصين في التتبع، بل صار من البساطة أن يعهد به إلى فني صغير بأي شركة اتصالات، فقط يكون المفتاح هو رقم الهاتف المراد مراقبته، سواء كان لأنجيلا ميركل أو أية مواطنة أخرى حول العالم.

فهناك في كل مكان من حولك.. من يعد عليك أنفاسك.. يحسب بدقة حركاتك وسكناتك. يعرف موضعك بالضبط وأين ومتى تتحرك.. ولو كنت في عمق الصحراء أو في أعالى البحار.

هو يعرف كل صغيرة وكبيرة عنك.. سرك..وعلانيتك. باختصار هناك من يستبيحك.. علمت أم لم تعلم ورغما عن أنفك!

عذرا.. فليس هذا الذي نتحدث عنه منتسبا إلى كائنات علوية أو جني من بني الجان. ولا حتى جهاز استخبارات دولة كبرى ولا صغرى ولا أمن دولة ولا وطنى.. إنه جاسوس إلكتروني شديد الدقة ذو خلايا حساسة تراها كنقش الأعمال السفليةعلى سطحه.. ثم إنك تنفق عليه من مالك وترعاه رعاية الأم لوليدها وفقده قد يربك كل أحوالك ويشل حياتك ولو مؤقتا.

هو.. بالضبط جهاز تلفونك الخاص، سواء كان من الأجهزة الحديثة أو البدائية في عالم المحمول.. أو هو بالأحرى شريحة الموبايل الـ(SIM).

فمنذ تاريخ شرائك خط هاتفك المحمول وتلفون سيادتك مسجل تاريخه مع أول مكالمة بعد فتح الخط ومعروف بالدقة.. مع من تحدثت وكم استغرقت مدد مكالماتك ومتى انقطع الاتصال.. سواء لنفاد الرصيد – لو كنت من فئة الشاحنين- أو لأن البطارية فرغت فجأة أو أغلقت أنت أو محدثك في الوجه الآخر.

وماذا يعنى؟! فالكثيرون يعرفون ذلك جيدا ولا يعنيهم هذا الأمر؟!

لكن كثيرين أيضا لا يعرفون.. والأكثر أنهم لا يعرفون أن هناك في ملفات المشتركين على أجهزة شركات الاتصالات المرعبة، إمكانية تسجيل كل المكالمات بوضوح أكثر من وضوح التليفون الأرضي.

حقا هناك ملايين المكالمات تجرى كل يوم ومليارات الدقائق المستهلكة بفائدة وبلا فائدة ويدخل في قلب المستحيل متابعتها مباشرة.. لكن على أي حال هناك الإمكانية المتاحة للعودة إلى تليفونك وسجله الأكثر دقة من سجل بلطجي مسجل خطرا على كمبيوتر الأمن العام.. حتى يمكن معرفة تاريخ مكالماتك وتحليلها بأدق الأجهزة والأساليب.

غير أن القانون.. بالتأكيد يحمى حياتك الشخصية وأسرارك الخاصة مالم ترتكب جريمة ويصدر إذن من القاضي الجزئي المختص بمنطقتك.. إذ أن المراقبة تدخل في اختصاصات القضاء ودور النيابة فقط، هو طلب مراقبتك المسبب من القاضي المختص.

لكن المشكلة الحقيقية هو أنك لا تملك سرك إذا تحدثت في تليفونك الخاص -بدون أي اعتبار لإطلاق مجمع االغة العربية اسم "المسرة" قديما عند بداية التليفون البدائي " أبو منفله" الذي لم يعد يذكره أحد.

وأصبح بعدها باسم "هاتف"، فلم يعد الاسم السابق يناسب هذا الاقتحام التكنولوجي الذي التزم به صناع هذا القطاع في العالم تحت ضغط هائل من الإجراءات الأمنية.

كان في البداية يقع تحت سيطرة الدول الكبري ومن علامات تقدمها في مجال المراقبة ويمكن من غرفة صغيرة تابعة لقلعة المخابرات الأمريكية في تكساس مثلا أن ترصد مكالمة بين اثنين في قنا أو كيب تاون أو نيودلهي.

لكن التقدم المذهل والمجنون في تكنولوجيا الاتصال الرهيب، جعل الإمكانية تنتقل إلى الدول الغلبانة ثم إلى الشركات العاملة في مجالات الاتصالات الأرضية والمحمولة.. ويا عالم ما يمكن أن يحدث من "عيال عفاريت" لا يغادرون اللاب توب والآي باد آناء الليل وأطراف النهار وهم قادرون على اختراق أي موقع وفعل أي شيْ.

يعني يا سيدى لاخصوصية ولا حرية ولا غيرها.. في عالم اتصالات اليوم وغدا.

وشيء آخر أشد خطورة.. هو أن هاتف سعادتك المحمول حتى لو أغلقته أو فصل شحنة، فإنه بقادر على أن يحدد مكانك بالضبط ويرصد حركتك طالما في جيبك أو يدك.

وهذه الخاصية تعمل بها بعض شركات الاتصالات في دول أجنبية وعربية باشتراك خاص. وكانت الحجة للشركات التى تفعل هذه الخاصية، هي أن بعض مرتادي الصحارى في رحلات السفاري قد يضلون الطريق ويهلكون.

فبدلا من أجهزة الـ "جي بي إس" المكلفة، فالخاصية الجي بي إسية أضيفت إلى الهاتف المحمول أو إلى شريحة الهاتف المحمول، فأنت تحت العين من أي فنى حديث التعيين، إينما ووقتما كنت وتكون.

بالتأكيد هو أمر مزعج للغاية، خاصة وأنت محاصر بموجات كهرو مغناطيسية لاتهدد صحتك فحسب، بل تقتل حريتك وتنتهك خصوصيتك وتستبيح كل أسرارك في مكالماتك الشخصية حتى لو كانت "بريئة".

وكثيرون يلهثون وراء إغراءات شركات المحمول في دعاياتها الشرسة لاستدراج أكبر عدد ممكن من الزبائن وإجراء أكبر عدد من المكالمات والدقائق المجانية والكلام تجاوز قيمته القديمة، فلم يعد من فضة وانقلبت القاعدة ليصبح من ذهب وهذا الذهب تدفع أنت بفاتورتك أو كارت شحنك أو "ع الهوا" ثمن صب هذا الذهب ودمغه بل وضريبة مبيعاته.. تدفع كل هذا وأنت تتكلم براحتك أو تظن أنك تتحدث "ببلاش"؟.

ولا يخدعنك أحد بأنك يمكن أن تعرف بقليل من الذكاء أن هاتفك مراقب بسماع صدى صوت أو "تكتكة" فتلك أساليب قديمة أكل الدهر عليها وشرب وتجاوزتها التكنولوجا التى صارت هي سيدة الحياة بلا منازع.

والإنسان أمام هذا التقدم التقني المتهور، ليس سوى سلعة أو دافع الضرائب.. وحريته تقع تحت سطوة لا تعرف الرحمة تجعله عبدا مطيعا أو راغما وهو يظن بالدعاية الخبيثة أنه صار حرا يتنقل بمكالماته، حيث يشاء، فيجري وهو جالس على مقهى بالشرق الاوسط مكالمة مع صديقته، بينما هي تعبر على ظهر يخت، مضيق ماجلان في الأقصي من طرف أمريكا الجنوبية.

يمكن أيضا أن تنقل إليه صورة حية مباشرة لما يجري في مضيق ورأس ماجلان في أقصى جنوب أمريكا اللاتينية، عن طريق واحد من مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الهاتف نفسه.

لكن أنت بالتاكيد واقع تحت سيطرة مباشرة يتعهدها الفنيون ذوي الدخل المرتفع المتناوبون على "شيفتات" الموقع الجهنمي.. وليس هذا فقط هو ما عرفوه عنك فقد سبق أن قدمت بنفسك كل معلوماتك في القسم المخصص لها في بداية الاشتراك، فهم يعرفون تمام المعرفة كل شيء عنك :من أنت.. وزوج من..وووالد من.. وشقيق من.. وصديق من.. وابن من.

بالطبع القانون يحميك إذا ما تم استخدام هذه المعلومات لما يضر مصلحتك أو تهديدك ويحرم ويجرم استغلالها أو تهديدك دون إذنك او إذن القضاء بناء على معلومة ما عن اتصالاتك.

ولكن هذه الحصانة القانونية لم تنفع أحدا، فهناك مئات الألوف من الناس وجدوا مكالمات وصورا ومقاطع فيديو عن طريق الموبايل لهم على الموقع الناري "يو تيوب" ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا.. وحتى لو فعلوا فماذا بعد الفضيحة.

بالتأكيد لا يمكن أن تستغل واحدة من شركات المحمول أو الشركات المالكة لمواقع الإنترنت ذلك وسوف تؤكد دائما أنها تكفل لك الحفاظ على خصوصياتك وأسرارك التى كتبتها يداك طواعية.

لكنك في النهاية أنت رهينة تحت السطوة التكنولوجية ومكبل بألف كابل ولا ولن تستطيع منها فكاكا.

ولا تقل أو تتوهم أنه يمكن بالتحايل أن تضع بياناتك وهمية وعن عمد وتدخل بألف حساب على إيميلاتك وتويتراتك وفيس بوكاتك ويو تيوباتك.. ولكنك لن تكون أذكى من شركات الإنترنت التى لديها من الإمكانية – ومنذ فترة ليست بالطويلة – أن تحدد كل معلومات جهازك ولا توبك وتعرف عنه أكثر مما تعرف أنت ولو كنت من "الهاكرز" ثم أنها مهتمة فقط " لأمر ما بتحيل تعليقاتك ومشاركاتك مع أصدقاء قائمتك ومجموعاتك" فمن خلال ذلك، تعرف هذه المواقع ومن وراءها جيدا، كيف يتجه تفكير الناس في بلدك.

والقانون، صحيح، سوف يحميك ولكن حمايته فقط في ساحات المحاكم وسيقف حائلا دون دخولك قفص الاتهام مالم تتخذ ضدك الإجراءات المسبقة المعقدة التى يحيط بها القانون حرمة الحياة الخاصة.

لكن القانون يا سيدي يسير بسرعة سلحفاة بجانب صاروخ إلكتروني.

وبالتأكيد فأن المنظمات الحقوقية، تلك التى تشعل النيران شرقا وغربا وشمالا وجنوبا والمهمومة بقضايا حقوق الإنسان لاسيما الحريات، سوف تستغرق من الوقت طويلا حتى تعود للدفاع عن خصوصيات الفرد والمطالبة بسن قوانين صارمة تزيد من حصانة الحياة الخاصة تجاه هذه الاختراقات الإليكترونية في عالم لا يعرف سوى الاستسلام للتطور ولو دفع الإنسان جزءا من حريته وتنتهك أدق حقوقه في حياته الخاصة بسبب هذا هذا التطور المجنون.

فالتكنولوجيا التى ظن الإنسان أنها وسيلته لنيل حريته ظنا أنه تغلب بها على الطبيعة، صارت كما تنبأت قصص وأفلام الخيال العلمي قد تحولت لكائن في غاية من البشاعة يستعبد الإنسان الذي أدمنها ولم يعد ممكنا له إلا أن يكون عبدا لها طوعا وكرها.

وكالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة