إيطاليا بوابة مفتوحة على مآسي المهاجرين غير الشرعيين
تاريخ النشر: 29/10/13 | 23:00تحولت إيطاليا إلى بوابة مفتوحة على مصراعيها أمام سيول المهاجرين غير الشرعيين من الدول العربية غير النفطية، ودول إفريقيا وآسيا، لأن ثمانين في المئة من حدودها شواطئ بحر أوسطية وأدرياتيكية، وكل حدود جزيرتيها صقلية ولامبيدوزا شاطئية متوسطية، وأقرب إلى شواطئ دول شمال إفريقيا من شواطئ إيطاليا ذاتها، وخصوصا شواطئ تونس وليبيا.
وينشط مهربو المهاجرين غير الشرعيين خلال الصيف، استغلالا لصفاء الجو وهدوء أمواج البحر المتوسط، حيث يهربون إلى شواطئ إيطاليا نحو ٢٠٠٠ مهاجر غير شرعي كل شهر، عبر مراكب صغيرة متهالكة، يكدسون على ظهرها مئات الأشخاص، ما بين رجال وسيدات وشباب وقصر، وأحيانا أمهات حوامل، قد يلدن أثناء مغامرة التضحية بالنفس من أجل مستقبل أفضل، غير مأمون العواقب بكل تأكيد.
وتعد تونس وليبيا أكبر "منصتين" لإطلاق سيول المهاجرين غير الشرعيين. لكن تونس تتخصص في إطلاق المهاجرين التونسيين غير الشرعيين، وخصوصا بعد الثورة، حيث هرع إلى شواطئ لامبيدوزا وصقلية في الشهور الأولى من الثورة حوالي 50 ألف تونسي، معظمهم من الشباب في مقتبل العمر، وبعضمهم يكاد يكون أمي التعليم والخبرة والثقافة.
وهذا العدد الضخم أحدث مشكلة بين إيطاليا وفرنسا، لأن فرنسا رفضت السماح لإيطاليا بتركهم التوجه إليها عبر الحدود. واضطرت إيطاليا إلى منح الآلاف منهم تأشيرة بحث عن عمل، لكن الكثيرين أخفقوا وطلبوا من تلقاء أنفسهم إعادتهم إلى تونس.
ثلاثة مصائر للمهاجرين
ويتعرض المهاجرون غير الشرعيين إلى ثلاثة مصائر، عندما يبحرون إلى شواطئ إيطاليا، فإما الغرق، وهذا المصير يتكرر دائما وخلال أزمنة متقاربة، كما حدث مرتين متتاليين خلال سبتمبر الماضي، عندما غرق نحو ٣٠٠ مهاجر غير شرعي قبالة سواحل لامبيدوزا، وأعقب تلك الكارثة بأيام غرق العشرات في كارثة أخرى.
وتقول الإحصاءات الرسمية في إيطاليا إن سلطات خفر السواحل أنقذت 16 ألف مهاجر غير شرعي من الغرق خلال الشهور العشرة الأولى فقط من العام الحالي.
وأما المصير الثاني فهو الوقوع في المصائد الأمنية المنتشرة على الشواطئ بحرا وبرا، وفى هذه الحالة يودع المهاجرون غير الشرعيين، ومنهم من يتم إنقاذهم، في مراكز احتجاز تنتشر في ربوع إيطاليا، بداية من لامبيدوزا وصقلية. وفيها يأكلون ويشربون وأيضا يعالجون ويكسون، حتى يتم التعرف على هوياتهم الحقيقية.
فالمهاجرون غير الشرعيين، الذين يقعون في قبضة رجال الأمن يخفون هوياتهم الحقيقية، بعد أن يكونوا قد مزقوا جوازات سفرهم وألقوا بها في مياه البحر، على أمل التمويه على رجال الأمن لأطول فترة زمنية ممكنة، حتى تمر فترة التعرف على هوياتهم الحقيقية المحددة قانونا.
ولهذا مددت السلطات تلك الفترة إلى ستة شهور، لتتمكن من التعرف عليهم، ومن ثم، تعيدهم إلى بلادهم على نفقتها، أي نفقة السلطات الإيطالية.
وفي حالة مرور المدة القانونية دون التعرف على البعض منهم يلزم القانون بإخلاء سبيلهم، لكن مع إلزامهم بمغادرة البلاد بمعرفتهم خلال 15 يوما. وفي جميع تلك الحالات يضرب المهاجرون المحررون من مراكز الاحتجاز هذا الالتزام عرض الحائط، ويمرحون في البلاد أو البلاد المجاورة، مستفيدين من اتفاقية شنغن، التي تفتح الحدود دون مراقبة الهويات برا. لكنهم يتعرضون لإلقاء القبض عليهم عند مداهمتهم أو تعرضهم لتفتيش أمني في أي مكان.
وأما المصير الثالث فيتعرض له من ينجو من الغرق، وينجو من الوقف والاحتجاز، وينجح في التسلل بطريقة أو بأخرى، بطريق البر إلى أماكن أخرى بعيدا عن الشواطئ، وهربا من أعين رجال الأمن.
ويظل الهاربون هائمين على وجوههم حتى يجدون عملا غير شرعي، لأن هناك عقوبات مشددة على أصحاب العمل الذين يسمحون بتشغيل المهاجرين غير الشرعيين. أو يكون لديهم أقارب أو أصدقاء، فيلوذون بهم. والأمل الوحيد الذى يربط بين كل هؤلاء وأولئك هو خطوة الصفح الحكومية التي تلجأ إليها كل مدة زمنية، طالت أو قصرت، لتصحيح أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، الذين يعيشون بدون أوراق أو إقامات، لكنهم يعملون ويستطيعون تقديم عقود عمل مستوفاة الشروط القانونية المطلوبة. وفي هذه الحالة تكسب منهم مبلغا مناسبا من المال كرسوم وضرائب، وتقنن أوضاعهم، ليعملوا تحت سمع وبصر السلطات، بدلا من العمل والعيش في الظلام.
شرطي ليبي يقود شبكة تهريب
ويبحر من السواحل الليبية كل يوم عشرات الزوارق، التي تحمل مئات المهاجرين غير الشرعيين، من مصريين وفلسطينيين وصوماليين وسودانيين وإريتريين وجنسيات إفريقية مختلفة.
وقد انضم العراقيون ثم السوريون بأعداد كبيرة إلى سيول المهاجرين غير الشرعيين مؤخرا، بعد تزايد المعاناة من التردي الأمني في بلادهم، وتحول أماكن الصراعات في المنطقة إلى أماكن طاردة للمواطنين، الذين يفرون بالمئات يوميا، إما هربا بجلدهم، أو بحثا عن أماكن أخرى بديلة توفر لهم دفء الأمان
ويأتي المهاجرون غير الشرعيين من أماكن أخرى غير تونس وليبيا، كالمغرب والجزائر ومالطا واليونان، وأيضا من مصر وسوريا مباشرة، ومن دول شرق أوروبا عبر أفواج منظمة من سيارات الأجرة العاملة ضمن شبكات التهريب.
وتندرج بينهم أعداد كبيرة من الهاجرين الآسيويين، وخصوصا من بنغلاديش. فكل مهاجر غير شرعي يدفع ثمنا لتهريبه من 5 آلاف إلى 10 آلاف دولار، ما يساعد عصابات التهريب على جني ثروات طائلة من عملياتها المستمرة ليل نهار.
وقبل أيام قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز إنه ثبت قيام شرطي ليبي بقيادة مركب لتهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا، وهو الذي يفترض أن يكون في صفوف قوات الشرطة المطاردة للمهاجرين، وفقا للاتفاقيات المبرمة مع ليبيا، لوقف سيول الهجرة غير الشرعية من شواطئها.
إيطاليا عاجزة وأوروبا "هرمت"
وحتى الآن أخفقت كل الجهود الإيطالية المضنية في مواجهة تلك الظاهرة، التي تكبدها مليارات اليورو في مواجهة تبعاتها المستمرة دونما نقصان أو انقطاع.
كما أن اتفاقياتها مع دول شمال إفريقيا، التي تضمنت إهداءها سفنا لمراقبة المهاجرين غير الشرعيين على شواطئها، وإغراءها بمشروعات تنمية للشباب لإقناعهم بالعدول عن الهجرة، قد باءت بالفشل.
وقال وزير الداخلية أنجيلينو ألفانو في هذا الصدد إن إيطاليا لا يمكنها استيعاب جميع المهاجرين القادمين إليها، وبالتالي لا تستطيع توفير عمل لهم جميعا.
وقد زجت إيطاليا مؤخرا بقوات البحرية والجيش في عمليات مكافحة الهجرة غير الشرعية، تحت شعار "بحرنا"، ثم استنجدت بالاتحاد الأوروبي، الذى وافق في قمته قبل أيام على تحويل مهام التصدي للمهاجرين غير الشرعيين إلى مهام أوروبية مشتركة، بداية من ديسمبر القادم، وفى هذا الإطار وضع نظاما أوروبيا لمراقبة الحدود الخارجية للاتحاد.
كما ستراقب حدود الدول الأوروبية المندرجة في اتفاقية شنغن، بتفعيل مهام وكالة المراقبة "يورو سير" وقيام سلطات الدول الأعضاء بتبادل المعلومات والتعاون بشكل أفضل مع وكالة حرس الحدود الأوربية" فرونتكس" إلى جانب التصدي للجريمة المنظمة، العابرة للحدود، ومطاردة مهربى اللاجئين غير الشرعيين. ولم ترفض المشاركة في تلك الإجراءات الجماعية سوى بريطانيا وأيرلندا، اللتين لا تشاركان أصلا في اتفاقية شنغن لفتح الحدود.
وستتضمن الإجراءات الجديدة لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية كذلك تسهيل إجراءات الدخول ضمن أطر قانونية معينة، لنزع عمليات تهريب المهاجرين من أيدى عصابات التهريب