إعادة اختراع التمثيل الضوئي
تاريخ النشر: 31/03/14 | 14:00على مدى عقود، كان تطوير الطاقة المتجددة- والمناقشات السياسية التي تحيط بها- يركز إلى حد كبير على توليد الطاقة الكهربائية. ولكن ما يزيد على 60% من الطاقة في العالم توفره مباشرة أشكال الوقود الكيميائية (الوقود الأحفوري في الأساس)، في غياب أي تحويل وسيط للكهرباء. ولا يجوز لأي جهد واقعي لمكافحة الانحباس الحراري العالمي من خلال خفض الانبعاثات الكربونية أن يتجاهل هذا القيد الأساسي.
والواقع أن العديد من التطبيقات التي تعتمد على الوقود الأحفوري (مثل النقل الجوي أو إنتاج الألمونيوم) في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الصناعية لا يمكن إعادة تشكيلها لاستخدام الطاقة الكهربائية.
والوقود الأحفوري مطلوب فضلا عن ذلك لإنتاج الطاقة الكهربائية أيضا، سواء لتلبية الطلب أو التعويض عن الطبيعة المتقطعة لأنظمة الطاقة المتجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية. ولكن هل يوجد حقا بديل منخفض الكربون قابل للتطوير والتوسع؟
هناك نهج واعد يقوم على التمثيل الضوئي الاصطناعي، الذي يستخدم مواد غير بيولوجية لإنتاج الوقود من ضوء الشمس مباشرة. إن الشمس مصدر لا ينضب تقريبا من مصادر الطاقة، ما دامت الطاقة المختزنة في هيئة روابط كيميائية -كتلك التي نجدها في الوقود الأحفوري- يمكن الوصول إليها بشكل مريح وفعّال. ويجمع التمثيل الضوئي الاصطناعي بين هذه الميزات في تكنولوجيا قابلة للتطبيق وتعد بأمن الطاقة والاستدامة البيئية والاستقرار الاقتصادي.
وفي حين يزودنا التمثيل الضوئي الطبيعي بمخطط معقد أنيق لإنتاج أشكال الوقود الكيميائي من ضوء الشمس، فإن حدودا كبيرة تقيد أداءه. فمن المعروف أن نحو 10% فقط من ذروة الطاقة الشمسية تستخدم فعليا ولا تتجاوز كفاءة صافي تحويل الطاقة السنوي 1%، وكميات كبيرة من الطاقة تستهلك داخليا لتجديد -والحفاظ على- الآلية الجزيئية المتقنة من التمثيل الضوئي؛ وتُختزَن الطاقة في أشكال الوقود الكيميائي غير المتوافقة مع أنظمة الطاقة القائمة.
ومع ذلك فإن التمثيل الضوئي الاصطناعي، المستلهم من البديل الطبيعي، أظهر إمكانية للأداء المتفوق، فهو يوفر الطاقة في شكل يمكن استخدامه في بنية الطاقة الأساسية الحالية. وعلاوة على ذلك فإن النظام الاصطناعي بالكامل لا يتطلب استخدام الأراضي الصالحة للزراعة أو المياه الصالحة للشرب، ولن يرغمنا على الاختيار بين إنتاج الغذاء أو الوقود في استخدام الأراضي.
ويمكن الجمع بين تكنولوجيات الطاقة القائمة بالفعل لتوليد الوقود الكيميائي بكفاءة ولو بشكل غير مباشر من ضوء الشمس، ولكن ليس بعد بتكوين عملي وقابل للتطوير ومجد اقتصاديا في الوقت نفسه.
وعلى نحو مماثل فإن الكفاءة الإجمالية للأنظمة المتكاملة بالكامل لتحويل ضوء الشمس إلى وقود من الممكن أن تكون أعظم بنحو عشر مرات من أغلب الأنظمة البيولوجية التي تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة، ولكن تكاليف رأس المال أعلى من أن تسمح بالانتشار التجاري. وعلى هذا فإن الأولوية القصوى للباحثين لا بد أن تتلخص في تطوير مولد للوقود الشمسي يجمع بين القابلية للتطوير والجدوى الاقتصادية والقوة والكفاءة.
ويكمن المفتاح إلى إنشاء مثل هذا النظام في استخدام المواد المتوفرة في الأرض التي يمكنها أن تؤدي الوظائف الأساسية المتمثلة في امتصاص الضوء وتسهيل التفاعلات الكيميائية التي تشكل الوقود. فكما يعمل الكلوروفيل على امتصاص الضوء في عملية التمثيل الضوئي الطبيعية، فإن المواد المناسبة مطلوبة لاحتجاز وتحويل ضوء الشمس في الأنظمة الاصطناعية.
ورغم أن خصائص امتصاص الضوء في السليكون مناسبة للأجهزة الكهروضوئية، فإن الفولت الذي تولده (ما يقرب من 0.5 فولت) أضعف كثيرا من أن يكون كافيا لتكسير المياه في مولد الطاقة الشمسية.
ويتطلب النظام الاصطناعي أيضا محفزات لتسهيل الإنتاج الفعّال للوقود الكيميائي. ولا بد أن تكون هذه المحفزات عالية النشاط، ومستقرة، وتتكون، من أجل تمكين تطويرها على المستوى العالمي، من عناصر متوفرة في الأرض، مثل الحديد أو النيكل أو الكوبالت، وليس من المعادن النادرة المستخدمة الآن مثل الروثينيوم أو الإيريديوم.
ولا بد أن تكون عناصر النظام فضلا عن ذلك متكاملة بطريقة تضمن عملها جميعا على النحو الأمثل في إطار مجموعة مشتركة من ظروف التشغيل. ولا بد أن يتضمن النظام القابل للانتشار أيضا أبنية وعمليات تصنيع وأساليب إنشاء وتركيب فعالة من حيث التكلفة.
والأمر الأكثر أهمية هو أن تعمل مثل هذه الأنظمة بأمان، ففي أغلب تطبيقات التمثيل الضوئي الاصطناعي ينتج الوقود الغني بالطاقة مع الأكسجين، وهو ما يسفر عن خليط متفجر بالغ الخطورة، لذا لا بد من تطوير أغشية أو غير ذلك من الحواجز المادية والكيميائية من أجل عزل المنتجات بعضها عن بعض بطريقة جديرة بالثقة. وهذه الأولويات من شأنها أيضا أن تقضي على الحاجة إلى معدات معالجة طرفية معقدة التي تشكل ضرورة لفصل المنتجات قبل استخدامها في أغلب التطبيقات.
كيف إذن قد يبدو نظام التمثيل الضوئي الاصطناعي؟ والقالب المتصور ليس لوحة شمسية متصلة بوحدة للتحليل الكهربائي، وإنما لفافة رقيقة من طبقات شبيهة بالبلاستيك، وهي أشبه كثيرا بالنسيج القماشي العالي الأداء الموجود في سترة المطر، الذي يمكن بسطه وطيه حسب الحاجة. وتمتص المواد العلوية المياه وثاني أكسيد الكربون من الجو، أما الطبقة التالية الممتصة للضوء فسوف تسخر طاقة الشمس لإنتاج الوقود. ومن خلال فصله عن طريق الغشاء فإن الوقود لن يتسرب إلى الهواء ولكنه بدلا من ذلك يتقاطر عبر الجزء السفلي من المواد إلى صهريج تجميع لاستخدامه حسب الطلب في البنية الأساسية القائمة لإمدادات الطاقة.
وفي الظروف المثالية، يوفر توليد الوقود الشمسي المرونة في أنواع الوقود الكيميائي التي يمكن إنتاجها من أشعة الشمس. وفي أبسط صوره، ينقسم الماء إلى غازي الهيدروجين والأكسجين. ومن الممكن تحويل الهيدروجين إلى وقود سائل عن طريق ترقية الوقود الحيوي على سبيل المثال، أو حمله على التفاعل مع ثاني أكسيد الكربون في غاز المدخنة أو علاجه لإنتاج وقود سائل يمكن استخدامه في تطبيقات النقل. وبدلا من ذلك فإن المحفزات، كما هي الحال في أنظمة التمثيل الضوئي الطبيعية، يمكنها اختزال غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة، وفي هذه الحالة إلى ميثانول أو ميثان. وسوف تكون الأنظمة الأكثر فعالية قادرة على تقديم وقود غازي أو سائل.
لقد زودتنا التطورات الحديثة في علوم النانو والمواد والكيمياء والفيزياء بالأدوات اللازمة لتحقيق تقدم سريع في هذا المجال. والجائزة في نهاية المطاف هي تكنولوجيا الطاقة النظيفة التي هي في المتناول والقادرة على توفير الأساس لمستقبل الطاقة الآمنة المستدامة.