فارس…وسيف العدالة
تاريخ النشر: 17/06/16 | 7:11في مكان ما بعالمنا العربي الكبير ولد فارس .. وكأي طفل كان يحتاج إلى حنان أمه وعطف أبيه .. لكن أعداء العرب حرموه من كليهما .. فنشأ يتيماً حزيناً .. لكنه أقسم أن يرد الظلم عن كل طفل وطفلة .. وعن كل شاب وفتاة مهما كان الثمن .. في مكان ما يعيش فارس .. هو لا يريد أن يعرف أحد مكانه .. لكنه سيظهر كلما أحس خطراً يهدد أبناء جيله .. وعندها .. سيكون لسيفه قول لا كأي قول .. وفعل لا كأي فعل ..
أشرقت شمس ذلك الصباح باردة .. كانت مجرد ضياء بلا حرارة .. أطلت على السهول متثاقلة وكأنها أمضت الليل في صراع طويل من أجل البقاء ..
أخفى الضباب منذ ساعات الفجر الأولى ملامح بيوت القرية الصغيرة .. فبدت قبيل اطلالة شعاع الشمس كأشباح أو رؤوس شياطين ..
كان كل من يحط رحاله على أطراف القرية تنتابه رعشة سرعان ما تسري في أطرافه كلما تقدم نحو بيوت القرية العتيقة .. فيؤثر أن يبقى في مكانه حتى تطرد أشعة الشمس تلك الضباب من السماء ومن سهول القرية وتبرز مفاتن اللون الأخضر للعشب وروعة اللون الأزرق الصافي للجدول الكبير الذي تبرق أطراف أمواجه حين تنعكس عليها أشعة الشمس كما لو كانت جواهر أو ماسات صغيرة ..
لكن شمس ذلك الصباح ضعفت أمام الضباب المنتشر في كل أرجاء القرية والسهول المحيطة بها .. لتنذر بيوم حار جداً ..
لم تكن الشمس وحدها من استيقظ مبكراً .. فجميع أهل القرية يستيقظون قبلها .. كل يعرف ما وراءه من أعمال ويؤديها بشكل تلقائي منذ آلاف السنين .. تستطيع أن تسمع أصواتهم الخشنة تعلو من وسط الضباب بين حين وآخر لكنك لا ترى سوى خيالات لا يمكنك تمييزها إن كانت لبشر أم لغيرهم ..
في منزل خشبي كبير بللت حوائطه من الخارج قطرات الندى فبدا كما لو كان غمر في مياه الجدول الكبير .. كانت صرخات مكتومة لامرأة في المخاض تنطلق بين حين وآخر .. وعلى إثرها يشق عواء الكلاب السمينة التي تحرس المكان الصمت المهيب ..
مضت ساعة على هذا الحال والشمس لم تحسم بعد معركتها مع الضباب .. كانت هناك أشباح تتحرك هنا وهناك دخولاً وخروجاً من ذلك البيت الخشبي .. حين غمر المكان بكاء رضيع يطل للمرة الأولى على هذه الحياة .. كان هذا الصوت لبطل صغير ولد للتو .. إنه ” فارس ” .. حلم والديه .. ذلك الحلم الذي انتظراه طويلاً لكنهما كانا يعلمان أنه سيتحقق يوماً ..
كان والده ” جاسر ” يعلم أن ذلك الرضيع سيكون له في المستقبل شأن عظيم .. لكن من فسر له الحلم أنذره أن ابنه ” فارس ” سيقاسي الأمرين في حياته .. لكن والده كان يكذب مفسر الأحلام لكن صوت ذلك الرجل بقي يتردد في ذهنه كلما آوى إلى الفراش : ” سيكون لفارس شأن عظيم ” ..
لذلك حينما كان والده يحمله بين ذراعيه ويهدهده كان يرى فوق جبينه هالة من النور تضفي مهابة على ملامحه التي كانت تبدو له حزينة .. فيبتسم لفارس ثم يغلبه البكاء يخفي وجهه في صدر ابنه حتى تجف دموعه ..
ولم تكن ” حسناء ” شقيقة ” فارس ” الكبرى تختلف عنه في الملامح .. بل كانت لها ذات الملامح .. كانت في الخامسة من عمرها حين ولد ” فارس ” .. وجدت في البداية صعوبة في نطق اسمه فلم تكن قد أتقنت بعد الكلام .. لكنها ابتكرت لنفسها الحل المناسب لنطق ذلك الاسم الصعب فلم تكف عن مناداته بـ ” فايس ” ويبدو أنها لم تستطع أن تعدل طريقة نطقها لهذا الاسم فيما بعد ..
أما والدته فقد فارقت الحياة بعد مولده بعدة أيام من تأثير حمى النفاس .. ولعل هذا هو أول مشواره مع المتاعب التي توقعها مفسر الأحلام .
ولم يمض شهر واحد على مولده حتى حلت بأهل قريته كارثة .. فقد بدأت قريته تتعرض لهجمات العصابات المنظمة التي كان أفرادها في كل مرة يأسرون بعض جميلات القرية ويحرقون عدداً من منازلها الخشبية حتى قرر رجال القرية تشكيل فرقة لصد هجمات هذه العصابات واستعادة فتياتها الجميلات .. أما أخطر هذه الهجمات فهي تلك التي تعرض لها بيت أهله الخشبي لعدوان من هؤلاء الأشرار
أحرق الأعداء بيت ” جاسر ” وأسرته فأتت النيران على أثاث البيت وكان أثاثاً فقيراً لكنه كان بالغ الأهمية بالنسبة لأسرة فارس الصغيرة .. فذاك السرير العتيق شهد ميلاد ” حسناء ” ومن بعدها ” فارس ” .. كما شهد وفاة أمهما والتي كانت الحدث الأكثر حزناً في حياة والده .. كان هناك أغراض كثيرة أتت عليها النيران التي شبت في غياب رب الأسرة .. كان يعمل في الحقل حينما جاءه النبأ : ” لقد أحرق اللصوص بيتك وبيوت عدد من أهل القرية ” .. فصرخ في وجه من أبلغه النبأ : وحسناء وفراس ؟ .. فأجابه : أنقذهما القدر
كاد الوالد يطير من الفرحة لنجاة حسناء وفارس .. لكنه كان قلقاً بشدة مما حدث فمنزله استغرق منه عشرة سنوات ليتم بناءه .. وأثاثه المحترق لن يعوضه بسهولة .. وحين وصل إلى المكان وجد منزله قد تحول إلى رماد ولم يبق منه سوى بعض العوارض الخشبية التي كان الدخان لازال يتصاعد منها .. كان أهل القرية الذين هرولوا لإنقاذ طفليه ملتفين حولهما بينما حملت حسناء الصغيرة شقيقها الرضيع وعلامات الخوف تشكل ملامحها الرقيقة
لم يصدق نفسه حين رأى صغيرته وطفله الرضيع على قيد الحياة وأقسم أن ينتقم من أعدائه ولكن بعد أن يؤمن مكاناً لطفليه .. عرضت عليه نساء العائلة أن يتكفلن بطفليه الذين لم يعد لهما مأوى بعد ما حدث .. ولكنه بعد رفض اختار ” نائلة ” ابنة عمه الوحيدة لتربي صغاره لأنه من الآن فصاعداً سينضم إلى جيش القرية الذي وهب نفسه للصد عن القرية وحمايتها من الأعداء .. وكانت نائلة قد تزوجت قبله بعدة سنوات وأنجبت ثلاثة بنات أكبرهن كانت في العاشرة.