روائع من التاريخ(27)

تاريخ النشر: 17/05/16 | 0:31

مرت في التاريخ الإنساني حضارات متعاقبة على مدى قرون متلاحقة ولم ترث الإنسانية شيئاً من الحضارة الهندية أو الفارسية أو الفينيقية أو الفرعونية أو اليونانية وغيرها وكلها انقرضت بسهولة .
والقارئ لهذه الحضارات يملّ وغالباً ما يتضايق منها حين يمعن النظر فيما اتسمت به من الجور والتقسيمات الطبقية وانعدام العدالة .
ولكن الحضارة الإسلامية هي الحضارة التي اتسمت بكل ما يسر الإنسان وبضعفها خسر العالم فهي حضارة تحترم العقل وتعطيه فرصة للاجتهاد فيشارك في تشريع الحضارة على النحو الذي لا يتعارض مع النقل .
وأنا شخصياً كلما أشعر بالأسى والأسف على واقع المسلمين اليوم ومما يعانون منه من التخلف في كل المجالات الحياتية مع تفوق غيرهم عليهم أشعر حقاً أنّ أمتنا انحرفت عن صراطها المستقيم ولم تستفد من مخزونها الحضاري والثقافي ، وحين أتابع سجون عالمنا العربي والإسلامي أرى الظلم والجور الذي تمارسه هذه السجون على المستضعفين من المسجونين ، وأصبت بكثير من الدهشة حين سمعت من الفضائيات أن ألفاً ومأتي سجين في ليبيا قتلوا في السجن والأغرب من هذا أنه لم يعلم ذلك إلا بعد عشر سنوات ، وعن أمثال هذه السجون حدث ولا حرج ، كما أنّ بعض السجون العربية تمارس التعذيب بالوكالة لصالح أمريكا .
وحتى لا أشعر بالاكتئاب النفسي من وراء متابعة هذه الممارسات الظالمة أعمد مباشرة إلى استرجاع الحضارة الإسلامية فأجد فيها ما تطمئن نفسي إليه ويعيد لي الآمال .
و لنعرف ولو نماذج قليلة من تلك الحضارة العظيمة والعدالة التي لم تتكرر دعونا نتوقف على ثلاث محطات تمثّل نماذج مثلى للعدل فإليكم ذلك :
1ـ أمير يجلس ليقتصّ منه أحد الرعية أمام جنوده :
يقول جرير بن عبد الله البجلي : إن رجلاً كان مع أبي موسى الاشعري وكان ذا صوت ونكاية في العدو فغنموا مغنماً فأعطاه أبو موسى بعض سهمه ولم يوفه حقه ، فأبى الرجل أن يقبل حقه منقوصاً فجلده أبو موسى وحلق شعره فجمع الرجل شعره وذهب إلى عمر بن الخطاب ثم ضرب بشعره صدر عمر وقال : أما والله لولا النار لصنعت بعاملك ما صنعت . ثم حكى له ما صنع أبو موسى فكتب عمر إلى أبي موسى أن يمكن الرجل من أن يقتص منه إذا كان ما حدث صحيحاً . فقدم الرجل بكتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري فقال له الناس : اعف عنه . فقال : لا والله لا أدعه لأحد من الناس فلما قعد أبو موسى ليقتص منه رفع الرجل رأسه الى السماء ثم قال : اللهم إني قد عفوت عنه . تخيل هذا الموقف .

2ـ خادم يقتص من أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه
غضب عثمان بن عفان رضي الله عنه على خادمه فعرك أذنه بإصبعيه ( فرك أذنه ) فتألم الخادم فتذكر عثمان ـ قصاص الاخرة فنادى عليه وجلس بين يديه وألح عليه أن يقتص منه فكبر ذلك على الخادم . فعزم عليه عثمان ( أي أمره ) فاضطر الخادم على كره منه تنفيذ أمر الأمير، فأمسك الغلام بأذن أمير المؤمنين وشد عليها بأصبعيه وأمره عثمان أن يشد أكثر وأكثر قائلا له : ” إن قصاص الدنيا أهون من قصاص الآخرة ” .
ما أروع هذه العدالة وأجمله وربما يستغرب القارئ هذا العدل ولكن لا غرو إن كان أستاذ هذه الحضارة يقول : “ ثلاثة لا ترد دعوتهم :………. … ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبوب السماء ويقول الله سبحانه وتعالى : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ”
والمنهج الرباني يقول : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .

بقلم : محمود عبد السلام ياسين

m7mod3bdalslam

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة