الفنون الادبية والاساليب البلاغية

تاريخ النشر: 07/10/13 | 8:00

اللغة العربية ذات علوم كثيرة تنسب اليها ,وتتفرع منها , وتنبثق عنها , وكل علم وفن له شآنه وشأوه والحاجة الماسة الداعية اليه , وكل علم له دوره الذي يقوم به ,وفائدته الاصطلاحية والجمالية التي تستفاد منه , ومع ان لكل علم اغراضه الخاصة , الا ان هذه العلوم يكمل بعضها بعضا , فبينها صلة ورحم للآنها منبثقة ومتولدة كلها من ابنة مضر (لغة القرآن الكريم )فنحن نجد صلة وشيجة وقوية بين علمي النحو والصرف , ومتن اللغة , وفقه اللغة, وعلوم البيان والبلاغة .ولهذه العلوم البلاغية اثارها الحسية والنفسية التي تتصل اتصالا مباشرا بنواحي الحياة المتعددة ,والبلاغة التي تمكن المتكلم ان يأسر المخاطبين حينما يخترق ببيانه واسلوبه البابهم وقلوبهم ,فاذا كان الناس يشترون العبيد باموالهم فانهم يشترون الاحرار باحسانهم, وقد يكون الاحسان بما يفؤج الكرب , ويستر الجسم ,ويشبع البطن ,فانه

كذلكبما يمتع العواطف ويقنع القلوب ,ويؤثر في النفوس , ولكن ما الفصاحة وما البلاغة ؟حينما نذهب نلتمس في معاجم اللغةعن معنى الفصاحة والبلاغة ,نجد ان هاتين الكلمتين لا تخرجان عن السنن المألوفة ,والاساليب المعروفة في وضع العرب لكلماتهم ,فهي الكلمات التي ننطق بها الان وضع اكثرها لتدل على اشياء مادية محسوسة , لان العرب كغيرهم من الامم في نشأتهم الاولى , لم تكن لهم الا الامور

الضرورية التي يتعاملون بها ويحتاجون اليها , وفي الاغلب امور ساذجة لا تخرج عن الحاجات الاولى لآي امة من الامم ,فلم تكن هناك امور معنوية وقضايا حضارية ليضعوا لها الكلمات التي تدل عليها , فاي كلمة ذات دلالة ثقلفية او حضارية او فكرية عندما ترجعها الى الاصل تجد انها وضعت لتدل على اشياء محسوسة ,ثم تدرجوا في استعمالها ,الى ما كانت تدعو الحاجة اليه من امور طارئة ,مع ملاحظة الصلة بين هذه المعاني التي وضعت لها هذه الكلمات , وان كانت قد مرت بمراحل كثيرة متباعدة .ولنأخذ مثلا كلمة (كتاب).فلا تذكر لها غير هذا المعنى وهو الة الثقافة ووسيلة العلم .فالكتاب هو ذلك الشئ الذي يصلنا بما حولنا وبما هو بعيد عنا من شتى العلوم والمعارف .

وحينما ننظر في هذه المادة , مادة (ك,ت,ب)نجد ان العرب اول ما وضعوها لغير هذه الدلالة التي نجدها اليوم ,لانهم لم يكونوا يعرفون القراءة ولا الكتابة ,وانما كان وضعها لشئ هم في امس الحاجة اليه .انهم يريدون ان يستروا اجسامهم وعوراتهم , وان يتقوا الحر والبرد

لا بد اذن من لباس ,وهذا اللباس لا بد له من خياطة وحياكة ونسج ,لذا نجد كلمة "كتب"تدل على ضم الخيوط بعضها لبعض ,فالكتب لغة" هو الضم والجمع"ثم توسع في هذه الكلمة حينما دعت الحاجة لذلك والحت الضرورة ,واصبح العرب قبائل متعددة يغزو بعضها البعض ,

ولابد لكل قبيلة من اشداء يدافعون عنها , وتتقي شر الاعداء , كما وقاهم اللباس شر الحر والبرد,وعندما رأوا هؤلاء المدافعين وهم يتجمعون ينضم بعضهم الى بعض , كان لابد من كلمة توضع لهم وتناسب في الدلالة عليهم ,فوضعت كلمة (كتيبة)وامتد الزمن وامتدت معه جذور الامة , واتسعت الفروع المنبثقة عن هذه الجذور,واصبح للعرب صلة بغيرهم من الامم , وصارت هناك معاملات وعلاقات اواغراض دعتهم الى ان يعرفو الخط ورسم الاحرف ,فلا بد اذن من كلمة يضعونها لهذا المولود الجديد , وهو ضم الحروف الى بعضها البعض, فوضعوا كلمة "كتب" فنجد صلة لا من حيث الناحية الشكلية فحب ,وانما من حيث الناحية الوظيفة المعنويةكذلك ,فكما ان المنسج

الذي ضمت فيه الخيوط يقيهم الحر والبرد ويستر عوراتهم, كذلك الجند تقيهم الاعداء والاعتداء والعار , وهكذا القراءة والكتابة تقيهم انواعا كثيرة من الاذى , وتجلب لهم اشياء كثيرة من الخير ,واذا اخذت اي كلمة من الكلمات تجد انها مرت بهذه المراحل ,وتدرجوا في

استعمالها من معنى لاخر .

الفصاحة :مادة فصاحة (ف, ص,ح)كان اول وضع لها عند العرب يتناسب مع حاجاتهم الاساسية ,فالانعام تشكل جانبا هاما ومهما في حياتهم,ينسجون اصوافها واوبارها واشعارها ثيابا لهم , ويآكلون لحومها ,ويشربون البانها ,ويقرون اضيافهم . فلا عجب اذن ان نجد هذه المادة :ف,ص,ح"يضعها العرب للبن الذي يحلب من الانعام ,فهذا اللبن حين يحلب يعلوه رغوة فاذا خلا هذا الحليب من هذه الرغوة التي تشوبه سمي فصيحا .اذن "فصح اللبن" خلا مما يشوبه ويكدره , واصبح صريحا نقيا سائغا شرابه .فاستعملت هذه الكلمة لتدل على الظهور والابانة والسلامة من كل ما يشوبه ويكدره . فافصح الصبح بضوئه حينما تزول الظلمة التي تختلط بضوئه,ثم استعملت الفصاحة فيما بعد لتدل على الكلام الظاهر في معناه ,الخفيف على لسان منى ينطق به وعلى سمع من يوجه اليه ,ثم صار للفصاحة بعد ذلك فصلها الخاص بها الذي تعرف فيه شروطها ومجالاتها من انواع القول .

البلاغة :اما البلاغة فيظهر انها وضعت اول ما وضعت لتدل على الوصول الى المكان والنهاية الى الغاية التي يقصدها العرب في بداوتهم ورحيلهم من مكان لاخر ,ثم تطور هذا اللفظ ليشمل مع هذا المدلول الحسي امورا معنوية ينتهي بها صاحيها الى ما يريد ان يصلاليه من غايات متعددة .فلم تعد البلاغة محصورة في القول اولا ,وان كان القول فيما بعد اوسع ميادينها بل ميدانها الوحيد .

مما تقدم تدرك ان للفصاحة والبلاغة اصلين مختلفين في اول الوضع .فالفصاحة وضعت للخلوص من الشوائب , لانها وضعت لخلوص الحليب مما عليه من رغوة , والبلاغة للوصول والانتهاء . فالفصلحة والبلاغة والبراعة والبديع كلها تدل على شئ واحد وهو الكلام الجيد السهل الذي لا عيب فيه .

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة