"التسهيل والتكميل" إضافة نوعية للمكتبة الإسلامية

تاريخ النشر: 02/10/13 | 8:55

ازدانت المكتبة الإسلامية مؤخرا بكتاب جديد عنوانه "التسهيل والتكميل"، وهو عبارة عن نظم مصحوب بشرح نثري لمختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي من تأليف العالم الموريتاني الجليل الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله.

وقد نشرت الكتاب دار الرضوان لصاحبها أحمد سالك بن محمد الأمين بن ابوه وقدمته في طبعة أنيقة متقنة من ستة مجلدات كبار. وعكف على إعداد هذه الطبعة طيلة أربع سنوات، فريق من خبراء الدار لأعضائه باع واسع في البحث والتحقيق والتدريس الجامعي والإفتاء.

الشيخ خليل ومختصره

لا نبالغ إن قلنا إن ألفية ابن مالك ومختصر الشيخ خليل حظيا لدى الموريتانيين بدرجة من الاهتمام والتقدير لم تحظ بها المؤلفات اللغوية والفقهية الأخرى التي كانت متداولة بينهم. ولعل أبلغ تعبير عن حميمية علاقة الموريتانيين بهذين المصنفين، أنهم سموا صاحب الألفية "ولد مالك" بدل ابن مالك، أي أنهم اعتبروه واحدا منهم، وهو ما لم يفعلوه بأي من أئمة اللغة العربية الآخرين. كما درجوا على نطق اسم صاحب المختصر بـ "اخْليل"، أي أنهم ينطقونه بلهجتهم العامية تقريبا له، وهو ما لم يفعلوه بأي من أسماء سائر الفقهاء.

وقد اشتهر خليل بن إسحاق الجندي -وهو فقيه مصري توفي عام 776هـ- بمختصره الذي قدم فيه خلاصة شاملة ومركزة لأدبيات الفقه المالكي المتداولة في عصره.

وقد بلغت شروح مختصر خليل وحواشيه نحو المائتين، وحظي بقبول حسن في الغرب الإسلامي عموما، واعتنى به الموريتانيون عناية خاصة، فكان الكثير من أهل العلم يحفظون نصه كما يحفظون القرآن.

وذكر العالم والمؤرخ الموريتاني المختار ولد حامدون في موسوعته أسماء 59 عالما موريتانيا تناولوا مختصر الشيخ خليل شرحا وتعليقا وتنقيحا، أكثر من عشرة منهم كانت معالجاتهم في قالب النظم.

وقد شاع في موريتانيا نظم العلوم والمعارف المختلفة وبرع أهل البلاد في ذلك لسببين: أحدهما افتنانهم بالشعر وتفننهم في قرضه، والثاني سهولة حفظ النظم خاصة أن شح الكتب وحياة الترحال المستمر حوّلا الذاكرة الفردية إلى أهم حامل وحافظ للمعرفة.

الشيخ عدود وكتابه

يعتبر الشيخ محمد سالم ولد عدود (1929ـ2009) واحدا من أكبر علماء وقضاة وشعراء موريتانيا المعاصرة.

وقد جمع الشيخ عدود بين هذا العلم النظري الغزير وبين فقه الواقع، حيث عاش عصره مهنيا وإداريا وسياسيا من خلال المناصب السامية التي تقلدها، كرئاسة المحكمة العليا، ووزارة الثقافة والتوجيه الإسلامي، ورئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، فضلا عن عضوية عدد من المجامع والأكاديميات العربية الفقهية واللغوية.

ولم يطغَ بُعداه الفقهي والمهني على بعده اللغوي، حيث كان عالما لغويا من الطراز النادر دراية ورواية، كما كان شاعرا مبدعا، وقد خلف ديوانا عكست الكثيرُ من قصائده حس الرجل الاجتماعي والتزامه السياسي بقضايا وطنه الصغير وأمته الكبيرة.

وقد جسد كتاب التسهيل والتكميل -وهو نظم لمختصر الشيخ خليل- هذه الأبعاد المختلفة في شخصية الرجل. ولا غرابة في ذلك، فالشيخ عدود عكف على تأليف هذا الكتاب طيلة السنوات العشرين الأخيرة من حياته، وكان يسميه "مشروع العمر".

وهذا الكتاب بنصه النظمي وشرحه النثري يتسم بسلاسة وطلاوة تنضحان بشاعرية الرجل الفذة وتبحره اللغوي العميق.

كما أنه يمثل مدونة شاملة ومنقحة للفقه الإسلامي وخاصة المالكي، إذ هو عصارة تجربة علمية طويلة وغنية اشتهر صاحبها باطلاع فقهي قل نظيره في الاتساع، وبخبرة عملية جمعت بين القضاء والإفتاء والتدريس محليا، وبين الاحتكاك المباشر بأكبر علماء الأمة في المشرق والمغرب.

ويعد هذا الكتاب أيضا موسوعة إسلامية وعربية حقيقية، إذ لم يقتصر مؤلفه -كما قد يتوقع القارئ- على الفقه فقط، بل زخر أيضا بعلوم اللغة والأدب فتضمن مباحث نحوية وصرفية وبلاغية، وحوى روائع من الشعر والحكم.

كما أنه لم يركز -كأكثر أنظام وشروح مختصر الشيخ خليل- على عرض فروع المذهب المالكي واستعراض خلافات أئمته، بل بذل جهدا عميقا في تأصيل ما زخر به المختصر من أحكام تفصيلية، مستعينا بدرايته الراسخة وتمرسه الطويل بعلوم القرآن والحديث وبقدرته على الاجتهاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة