روائع من التاريخ(23)..قصة دينار العيار
تاريخ النشر: 10/04/16 | 0:06حكي أن رجلا يدعى ( دينار العيار ) .. كان له والدة صالحة تعظه وهو لا يتعظ … فمر في يوم من الأيام بمقبرة فأخذ منها عظمًا فتفتت في يده ففكر في نفسه وقال : ويحك يا دينار كأني بك وقد صار عظمك هكذا رفاتا .. والجسم ترابا .. فندم على التفريط وعزم على التوبة ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : الهي وسيــدي ألقيت إليك مقاليد امري فاقبلني وارحمني ثم أقبل نحو أمه متغير اللون منكسر القلب فقال : يا أماه ما يُصنع بالعبد الآبق إذا أخذه سيــده . قالت : يخشن ملبسه ومطعمه ويغل يديه وقدميه … قال : أريد جبة من صوف وأقراص من شعير وغليني وافعلي بي كما يفعل بالعبد الآبق لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني ..
ففعلت به كما أراد فإذا جن عليه الليل أخذ بالبكاء والعويل .. ويقول لنفسه : ويحك يا دينار ألك قوة على النار كيف تعرضت لغضب الجبار . ولايزال كذلك إلى الصباح … فقالت له امه : يا بني أرفق بنفسك .
فقال : دعيني أتعب قليلاً .. لعلي استـريح طويلا .. إن لدي غداً موقفاً طويلاً بين يدي رب جليل .. ولا يدري أيؤمر بي إلى ظل ظليل أو إلى شر مقيل . قالت : يا بني خذ لنفسك راحة . قال : أماه لست إلى
الراحة أطلب كأنك يا أماه غداً بالخلائق يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار مع أهلها .. فتركته وما هو عليه .. فأخذ في البكاء والعبادة وقراءة القرآن .. فقرأ في احدى الليالي قوله سبحانه وتعالى : ( فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون ) ففكر فيها وجعل يبكي حتى غشي عليه .. فجاءت امه اليه فنادته فلم يجبها .. فقالت له : يا حبيبي وقرة عيني أين الملتقى فقال بصوت ضعيف : يا أماه ان لم تجديني في عرصات القيامة فاسألي مالكا خازن النار عني .. ثم شهق فمات رحمه الله تعالى .. فغسلته أمه فجهزته وخرجت تنادي : أيها الناس هلموا الى صلاة على قتيل النار فجاء الناس من كل جانب .. فلم ير أكثر جمعاً ولا أغرز دمعاً من ذلك اليوم .. فلما دفنوه نام بعض أصدقائه تلك الليلة فرآه يتبختر في الجنة وعليه حلة خضراء وهو يقرأ ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) ويقول : وعزته وجلاله سألني ورحمني وغفر لي .. وتجاوز عني .. اخبروا والدتي عني بذلك .
بقلم : محمود عبد السلام ياسين