الحُريّة
تاريخ النشر: 19/09/13 | 6:23كانت الفكرة فكرته، فقد أصرَّ فريد ابن التاسعة على أن يشتريَ له أبوه قفصًا ذهبيًا وفيه طائرا كَنار ، انّه يحبّ الكناري بلونه الأصفر المائل إلى الحُمرة وصوته العذب الرخيم ، فقد شاهده عند صديقه منير .
كان ذلك منذ سنة ، ولكن فريدًا تغيّر في هذه الأيام كثيرًا ، فقد علّمته معلمة الصّفّ والتي يحبّها كثيرًا ، علّمته أنّ الطيور والعصافير خُلقت لتعيش حُرّة تنعم بالفضاء والحريّة والربيع الذي ملأ الأرجاء ، لا أن تُحبس في أقفاص.
لقد فكّر فريد وفكّر …كيف يمكن أن يحرّر هذين الطائرين الجميلين من الأسر ، صحيح أن والده دفع ثمنهما مبلغًا من المال ، ولكنّ الحريّة أغلى ثمنًا !!.
احتار فريد هل يخبر امّه أم أباه بالأمر ، أم يتصرّف بنفسه ، وحكّ رأسه وضحك…
وفي اليوم التالي عندما جاءت الأم لتطعم الكناريين ، تعجّبت حين لم ترَ الا كناريًا واحدًا.
أين الثّاني تساءلت ، وتساءل الأب ، وتساءل حتّى فريد ، فباب القفص مقفَلٌ ولا أثر للريش بجانبه.
وظلّ اللغز لغزًا ، رغم أن الوالدين نظرا إلى ولدهما نظرة فيها شيء من الشّكّ .
مرّت الأيام والكناري يعيش الوحدة والحزن ، فأقترح الأب أن يشتري كناريًا آخر ، ولكنّ فريد حاول ان يمنع هذه الخطوة ، فاتفق الجميع على التأجيل.
اخذ فريد في عصر احد أيام الربيع المتأخرة القفص الذهبيّ والكناري في داخله، أخذه إلى الحديقة وعلّقه بغصن شجرة التوت ، وما هي إلا لحظات حتى هبط الكناري الثاني على القفص ، وأخذ يزقزق ويشارك شريكه الغناء.
نادى فريد والديه ، ونظر إليهما طويلا ، وكأنه يرجوهما شيئًا .
ولم يخب ظنّه ورجاه ، فها هو الأب يقوم إلى باب القفص الذهبيّ فيفتحه ، لينطلق الكناري الأسير إلى الخارج مسرعًا ومزقزقًا وكأنه يقول : شكرًا … شكرًا .
وطار الكناريان بعيدًا، وطار معهما فريد إلى غرفته ليعود حاملاً من حصّالته مبلغاً من المال ، وعرضه على أبيه لقاء حريّة العصفورين ، ومعتذرا بأنه هو هو الذي حرّر الكناري الأول ، في خطوة لتحرير الثاني .
ضحك الوالدان كثيرًا، ورفضا قبول المبلغ ، بل مدحاه على أخلاقه ومبادئه.
ظلّ القفص الذهبيّ مُعلَّقًا بشجرة التوت ، مفتوح الباب ، عامرًا بالطعام ، يبيت فيه الكناريان ليلا، ليطيرا صباحًا على أجنحة الحُريّة ، ليس قبل أن يُغرّدا أغنية الصّباح الجميلة على نافذة غرفة فريد.