بدائل طبيعية للمضادات الحيوية
تاريخ النشر: 14/09/13 | 4:52يعتبر اكتشاف البنسلين عام 1928، ومن ثم المضادات الحيوية عموما، من أهم الاكتشافات في عالم الطب وصحة الإنسان على مدى العصور، إلا أن هذه المواد القاتلة للجراثيم صارت تفقد قواها بالتدريج في الصراع ضد البكتيريا والفطريات والطفيليات. وإذ حرص العلم سنة بعد سنة، ومنذ عقود، على اكتشاف المزيد من المضادات الحيوية الجديدة والمؤثرة في البكتيريا، فإن الأخيرة طورت في ذلك الوقت مقاومة شديدة للمضادات الحيوية، وصار العلماء يبحثون دون كلل عن بديل يحقق لهم الانتصار على الجراثيم.
وسبق لمنظمة الصحة العالمية أن حذرت من خسارة المعركة مع البكتيريا بسبب ظاهرة المقاومة الجرثومية التي أحالت الكثير من المضادات الحيوية على التقاعد. وقالت مرغريت تشان، رئيسة المنظمة الدولية، إن الكثير من المضادات الحيوية الجديدة ستعجز خلال سنوات قليلة عن مكافحة الكثير من الأمراض الخطيرة المعدية. وأوردت تشان مثلا عن هذه الحالة بالعلاقة مع مكافحة السل على المستوى العالمي فقالت إن نصف مليون إنسان عام 2010 كانوا يعانون من الإصابة بنوع من عصيات كوخ عجزت كافة المضادات الحيوية عن معالجته، ومات ثلث هؤلاء بسبب المقاومة المطلقة التي كونتها هذه البكتيريا ضد المضادات الحيوية المعروفة.
بدائل جديدة
العلماء الألمان من معهد فراونهوفر للعلاج الخلوي والمناعي (IZI) في لايبزغ (شرق) يقولون الآن إنهم اكتشفوا بديلا للمضادات الحيوية قد يحدث ثورة جديدة في عالم مكافحة الجراثيم. ويفترض أن تكون هذه المواد أحماضا أمينية طبيعية ولكنها قادرة على قتل البكتيريا والفطريات والطفيليات، بل وحتى تدمير بكتيريا الفم المسؤولة عن تسوس الأسنان.
وذكر البروفسور أندرياس شوبيرت، رئيس مجموعة العمل التي أعلنت عن الاكتشاف، أنهم نجحوا حتى الآن في فصل وأرشفة 20 نوعا من هذه الأحماض الأمينية القاتلة للجراثيم بمختلف أنواعها. وهي بروتينات (بيبتايد) ذات سلاسل قصيرة. وأثبتت هذه المواد قدرة على قتل أنواع خطيرة من البكتيريا مثل الايشيريشيا كولي (إي كولاي) القولونية، وعصيات كوخ، وستريبتو كوكوس أوريوس أو المكورات العقدية (التي تعتبر من أهم مسببات الالتهابات في المستشفيات)، وبكتيريا ستربتوكوكوس ميوتانز التي تعيش في فم الإنسان بشكل طبيعي وتعتبر من أهم مسببات تسوس الأسنان. هذا عدا عن تأثيرها القاتل على الخمائر والفطريات وأنواع معينة من الفيروسات.
وأشار شوبيرت إلى أنهم توصلوا في خطوة أولية إلى عزل سلاسل بيبتايد قاتلة للبكتيريا والفطريات، ثم طوروا في خطوة لاحقة عدة أنواع قاتلة لأنواع معينة من هذه الجراثيم، ثم جربوها مختبريا على مستنبتات من هذه الجراثيم.
مضادات الفيروس
وتم أيضا تطوير بيبتايد خارق لجدران الكثير من أنواع الفيروسات، وهو ما يبشر بأنواع جديدة من الأدوية المقاومة للإنفلونزا وبعض الأمراض السرطانية التي تسببها الفيروسات. والمهم في هذه الأحماض الأمينية، حسب رأي الباحث، هو أنها لا تهاجم الخلايا السليمة وتستهدف الجراثيم تحديدا.
ويتوقع فريق العمل أن لا تقتصر فائدة الأحماض الأمينية القاتلة للجراثيم على مجال مقارعة الالتهابات والأمراض المعدية، لأن الأغذية الملوثة بالبكتيريا أو الفطريات تتسبب بملايين الحوادث سنويا، ويمكن لهذه الأحماض الأمينية الطبيعية، عند خلطها بالمعلبات كمثل، أن تقلص نسبة حالات التسمم، كما يمكنها أن تطيل فترة حفظ الأغذية.
وعبر شوبيرت عن قناعته بأن عزل هذه الأحماض الأمينية طبيعيا من جسم الإنسان سيكون ضمانة على أنها لن تتسبب بحساسيات لمن يتناولها. وهذه مزية أخرى ترفع كفة هذه البيبتايد على المضادات الحيوية التي يعاني البعض من حساسية ضدها. وقال إنه يستطيع مستقبلا تصور استخدام هذه الأحماض الأمينية في تعقيم المياه وفي تعقيم شبكات مياه الشرب.
جدير بالذكر أن المضادات الحيوية التقليدية لا تؤثر في الفيروسات، وإنما في البكتيريا وبعض الفطريات والطفيليات، مع ذلك يتناول الألمان يوميا 700 كلجم من المضادات الحيوية، حسب إحصائية نشرتها دائرة حماية المستهلك الألماني بالاشتراك مع قسم الأمراض المعدية في عيادة جامعة فرايبورغ (جنوب). ويستخدم الكثير من هذه المضادات الحيوية في معالجة التهاب القصبات رغم أن الفيروسات مسؤولة عن 80 في المائة من هذه الحالات.