بناء النفوس

تاريخ النشر: 27/02/16 | 1:09

إذا ألقيت نظرة في رحاب الكون، وطاف الفكر بأرجاء الحياة، ساتجدوا هذه الدنيا مليئة بالزخارف البراقة التي تخدع النفوس، ورأيت لماديات الحياة تأثيرا قد بلغ مداه في الأعماق، فانصرفت بعض النفوس عن طريق الجادة، وتنكبت نفوس أخرى الصراط السوي، فاهتزت هذه واضطربت تلك..ذلك لأن الدنيا إذا تملكت النفوس،وتربعت على عرش القلوب،حجبتها عن رؤية الحقيقة العليا، فترى هذه النفوس حائرة:مرة تتخبط في دياجير الظلام،وتراها يائسة مرة أخرى..فهي في حالة السراء جاحدة، وفي حالة الضراء يائسة،وكلا الأمرين أحلاهما مر(إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا.وإذا مسه الخير منوعا).
ثم استثنى الله جل شأنه من هذا النوع نوعا جديرا بالسعادتين:الدنيوية والأخروية،فقال في شأنه (إلا المصلين.الذين هم على صلاتهم دائمون.والذين في أموالهم حق معلوم.للسائل والمحروم.والذين يصدقون بيوم الدين.والذين هم من عذاب ربهم مشفقون.إن عذاب ربهم غير مأمون.والذين هم لفروجهم حافظون.إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون.والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون.والذين هم بشهاداتهم قائمون.والذين هم على صلاتهم حافظون.أولئك في جنات مكرمون)

يا أخا الإسلام:
قد يكون بناء القصور وتشييد البروج وناطحات السحاب أمرا سهلا يرجع إلى المهارة في فن المعمار،ولكن:ما أصعب بناء النفوس: فان بناءها سر من الأسرار الذي لا يقوى عليه إلا الذين صبروا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله..إذ أن هذه رسالة الأنبياء وغاية المخلصين،وتجارة مع الله لكل من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إني من المسلمين.
ولذلك فان بناء النفوس وتشييدها على أساس الحق، وتزكيتها بالصلاح والطهر،مطلب عظيم،وغاية عليا،وهدف من أعز الأهداف..
وقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسجد النبي صلوات الله وسلامه عليه يقول لبعض الصحابة:ليذكر لي كل منكم أعظم شئ يتمناه، قال أحدهم:أتمنى أن يكون لي مثل أحد ذهبا أنفقه في سبيل الله، وقال آخر:أتمنى أن يكون لي ملء المدينة خيلا أغزو به في سبيل الله وقال ثالث:أتمنى أن يكون لي ألف عبد أعتقهم ابتغاء مرضاة الله..وأخذ كل منهم يذكر ما يتمنى،وأمير المؤمنين يدير النقاش بينهم،ثم توجهوا إليه قائلين:فماذا تتمنى أنت يا أمير المؤمنين؟قال عمر:أتمنى ملء هذا المسجد رجالا أمثال أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
طيب الله ثراك يا عمر فقد أصبت كبد الحقيقة.وتمنيت المطلب الأعظم،فأمثال أبي بكر—من ذوي النفوس المطمئنة،والأفئدة البصيرة-هم الذين يملأون الكون أمنا و سلاما،ورحمة ووئاما،وإعزازا وإكراما..لأنها نفوس كان الحق هدفها،والخير غايتها،والقران إمامها والرسول أستاذها..نفوس كان أساسها توحيد الله، وسلوكها طاعة الله.
انه اليقين إذا عمر القلوب،والإخلاص إذا أضاء النفوس!!
(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن،فأولئك كان سعيهم مشكورا)
ما أعظم الإيمان في بناء النفوس،وما أجل رسالة التوحيد في تقويمها(ونفس وما سواها.فألهمها فجورها وتقواها.قد أفلح من زكاها.وقد خاب من دساها)
فاللهم إنا نسألك العافية في الدين و الدنيا.و العصمة من كل ذنب.و السلامة من كل إثم.و الغنيمة من كل بر

من كتاب الشيخ عبد الحميد كشك

1 013
الصورة من إرشيف بقجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة