حديث لغوي (19)

تاريخ النشر: 18/02/16 | 11:17

معنى (اعتقد) هو أيقن وآمن
وليس (ظن)

********************
كثيرًا ما يكتب الكتاب ويخطب الخطباء ويتحدثون في حديثهم مستخدمين في لغتهم كلمة (أعتقد) بمعنى أظن وأشك، بينما معناها في المعاجم يختلف تمامًا:
اعتقد فلان الأمر صدّقه،
ومعناها كذلك: ما عقد عليه قلبه وضميره، أو تدين به،
والعقيدة ما تديّن به الإنسان، بحيث لا يشك فيه.(1)

إذن “أنا أعتقد” تعني أوقن وأومن،
وليس معناها أظن وأشك.
..
يقول ابن الرومي:
من اغتدى بعدك يخشى الندى *** لم يعتقد في الله تعديلا
ويقول أبو العتاهية:
وألن جناحك تعتقد *** في الناس محمدة بلينه
..
لا تعتقد غير الذي تتلوه في *** النص الذي نطق الكتاب الحكم

يقول الزهاوي:
ونحن بعصر ليس يعتقد الورى *** بإلهة إلا إذا قام برهان

من نماذج النثر أورد ما هو في مفتتح الجزء الثامن من كتاب “البصائر والذخائر” يقول أبو حيان التوحيدي:
“أللهم لك أذل، وبك أعز، وإليك أشتاق، وتوحيدَك أعتقد، وعليك أعتمد…”
ومن شاء أن يطالع تكرار لفظة (اعتقد) ومصدرها بهذا المعنى لدى التوحيدي، فليراجع كتاب “الإمتاع والمؤانسة” – الليلة السابعة والعشرين.

سألني أحد المهتمين بدقائق العربية:
هل نقول:
اعتقد العالِم صحة الأمر أم بصحة الأمر؟

هناك من يخطّئ التعدية بالباء، وأرى هنا صواب الجملتين، ويسعفني في ذلك ما كتبه مصطفى الغلاييني في هذا السياق:
..
“لم يذكر اللغويون الفعل (اعتقد) إن تضمّن معنى صدق أو ثبت إلا متعديًا بنفسه.
أما إن تضمّن معنى “آمن” فإنه يجوز تعديته بالباء، لأن الفعل تختلف تعديته باختلاف استعماله، ليتضح معناه المراد، وقد قالوا (اعتقد بالله) بمعنى آمن به.
..

أخلص إلى القول إن (اعتقد) ليس فيها أي ظن(2) أو شك، فإذا أراد الكاتب أو الخطيب أن يستخدم كلمة تدل على الشك نوعًا ما فليقل:
أظن، أحسب، إخال ونحوها
ويمكن كذلك بنوع من الحيادية وعدم التأكيد:
أرى، أذهب، في تقديري… إلخ

….
ملاحظتان:

(1) لفظة “العقيدة” بهذا المعنى ليست واردة في “لسان العرب” و”تاج العروس” وفي معاجم أخرى قديمة كنت اطلعت عليها.

(2) لم أجد في كتب الأضداد ما يدل على أن (اعتقد) معناها أيقن، وظن، بل وجدت أن (ظن) هي التي تحمل المعنيين المتخالفين، فمعناها (شك)، ومعناها كذلك أحيانًا (أيقن)، نحو قوله تعالى في مدح المؤمنين:
“الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم” – سورة البقرة 46 وفي آية أخرى في السورة آية رقم 249.
“وإني ظننت أني ملاقٍ حسابيه”- الحاقة 20. والمعنى في هذه الآيات أنه موقن، فالمؤمن هنا لا يشك.

ب. فاروق مواسي

faroqmwaseee

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة