الفأس والوسادة

تاريخ النشر: 24/02/16 | 2:01

كان (عمو مرزوق) رجلا كسولا جدا، يسكن في قرية معروفة بالكسل الشديد… وكعادته في كلّ مساء، كان (عمو مرزوق) راجعا إلى داره للنوم في فراشه بعدما ملّ التّجوال في قريته الفقيرة المليئة بالحجر والغبار والسّدر والشّوك…
وفي طريقه رأى وردة رائعة الجمال، وردة بيْن أشواك السّدر.
واااااووووو… أهذه وردة أمْ إنني أحلم؟
(عمو مرزوق) أعجب كثيرا بروعة تلك الوردة التي لا تشبه باقي الورود؛ فقطفها من مكانها، وشمّ عبيرها الفوّاح.
أم م م م…
وما أن اشتمّها حتى داخ و ذهب في نوم عميق…
وحين استفاق من دوْخته، وجد نفسه أمام ثلاثة رجال قصار جدّا، وثلاثتهم يلبسون ثيابا عجيبة، وكان أكبرهم شيخا شعره أبيض كالثلْج.
صرخ (عمو مرزوق):
ما هذا؟ يا للهول… أين أنا؟ منْ أنتم؟
من نحن؟ أم من أنت؟ – أجابه شيخ الأقزام – من الذي جاء بك إلى هنا؟
أنا مرزوق يا سيدي، أسكن في القرية الغالية، كنت في طريقي إلى داري للنّوم، رأيت وردة فأعجبتني، قطفتها، شممتها.. وبعدها لمْ أشعر بنفسي إلا وأنا أمامكم.
آه… إذنْ، اعلمْ أنّ تلك لم تكن وردة، إنّما هي “سيّدتنا صاحبة التّاج”
ماذا؟”سيّدتنا صاحبة التّاج”؟ سأل (عمو مرزوق)
نعم، ولا تظنّ أنّك منْ قطفها، بلْ اعْلمْ أنها هي التي قطفتْك من قريتك وأرادتك أن تأتي لتزور “بلادنا المنسية”. أجابه الشيخ.
ماذا؟ “البلاد المنسية”؟
نعم، بلاد العجائب والغرائب، وما لا رأيت ولا سمعت به في حياتك. هيّا قمْ. صرخ في وجهه الشيخ.
وجد (عمو مرزوق) نفسه قائما على رجْليْه.
هيّا معي للخارج.
وجد (عمو مرزوق) نفسه خارج ذلك المكان
انظر..
بدأ (عمو مرزوق) ينظر وينظر، ولكنّه لمْ ير شيئا، فقط السّواد والظّلمة. فقال له الشّيخ :
افتح عينيك جيّدا، وافتحْ قلبك إذا أردت الرؤية.
بدأ (عمو مرزوق) يفرك عينيْه بيديْه، والدموع سيل منها بغزارة، ثمّ جلس على الأرض باكيا صارخا:

واعععع… لمْ أعد أرى.. واععع… لم أعد أرى…
أمسكه الشيخ من يديْه قائلا:
نعمْ يا ولدي، أصبحت لا ترى. اعذرني، لا أستطيع أنْ أساعدك.
كيف لا تستطيع أن تساعدني؟ أنت السبب، منذ لحظات وأنا أٍى بعيْنيّ.
بدأ (عمو مرزوق) يدور في مكانه، يمشي ويسقط، حتى سقط على الأرض تعبا. وحين رآه شيخ الأقزام عى هذا الحال قال له:
احمد الله يا مرزوق أنّك لا تزال تمشي على رجْليْك.
ماذا؟ وهلْ تريدون أخذ رجْلاي كذلك؟؟؟ أين أنت يا أمّي؟؟ أنا في بلاد الأغوال والأهوال، ولست في بلاد العجائب. ماذا صنعت لكم يا أخي لتفعلوا بي كلّ هذا؟؟؟؟
كلّ ما تفعله أنت ورجال القرية كلّ يوْم في القرية لا يكْفيكم؟
وماذا فعلت يا أخي؟ قلْ لي وأعدك أنني لن أعيده، وسأتوب عنه توبة نصوحا.
منذ أن يبزغ فجر الصباح، وأنت غاطسون في النوم والوسادة والشّخير..
أخ خ خ…..
أقطّعها يا سيّدي، أقطّع هذه الوسادة التي جاءت بي لبلادكم هذه.
اسمع. نريدك أنْ تقطّعها وتنهض جميع أبناء القرية من نومهم، ثمّ أنْ تحملوا الفؤوس وتتوجّهوا إلى العمل. هذا وإلاّ ترحّمْ على رجْليْك. هيّا عدْ لقرية الرّقاد هذه.
وعيْناي يا سيّدي؟ وعيْناي؟…
وفتح عمي مرزوق عيناه على ضوء الصباح الرائع، واستمع لآذان الدّيك الأروع… وبسرعة البرق، حمل عمي مرزوق فأسه، وبدأ يطرق الأبواب قائلا:
>”أبا جمعة” هيا قم للعمل، “الحاج ميمون” كفى شخيرا… هيا يا رجال، لقدْ جاء وقت الجدّ والعمل. هيا: الفأس والقادوم…
وذهب عمي مرزوق برفقة رجال القرية، وبدأوا في العمل والعرق؛ يحرثون الأرض، وأنزل الله سبحانه خيْرات المطر عليْهم، فأنبتتْ أرضهم القمح والزّرع، والخضر، وأنواع الفواكه..
وأحاط بذلك السّدر والشّوْك الورود والأزهار… وكلّما مرّ عمي مرزوق بورد السّدر تذكّر فضْل “سيّدتنا صاحبة التاج” وحمد الله وشكره أنْ أبقى له عينيْه ورجْليْه اللذان بهما حوّل قريته لجنّة مخضرّة بعدما كانتْ مليئة بالغبار والرّمال.

أحمد بنسعيد

204

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة