ظاهرة الإغفال التشريعي

تاريخ النشر: 12/01/16 | 11:30

تشمل الرقابة على دستورية القوانين السلوك الإيجابي للمشرع من خلال معرفة مدى تطابق القانون مع أحكام ومضمون الدستور، وتمتد إلى السلوك السلبي المتمثل في الامتناع عن سن القوانين، مما يترك فراغا قانونيا قد تستغله السلطة التنفيذية ، وينتج عن ذلك تداخل وتراكب في الاختصاص.
و في هذا الإطار، لقد عرفت الرقابة الدستورية على الإغفال التشريعي تطورا ملحوظا، فبعد أن كان القضاء الدستوري مترددا بالأخذ بها معتبرا أن امتناع المشرع عن التشريع تدخل ضمن سلطته التقديرية، ليتطور موقفه فيما بعد من خلال اعتبار الإغفال التشريعي مخالفا للدستور، وبالتالي يخضع لرقابته.
اختلفت النظم الدستورية المختلفة في كيفية معالجتها لمشكلة إغفال المشرع تنظيم بعض الموضوعات أو بعض جوانبها سواء كان هذا الإغفال كلياً أم جزئياً.
وتعتبر مشكلة كيفية معالجة الإغفال التشريعي أهم نقاط البحث في رقابة الإغفال لأنها تطرح بصورة مباشرة طبيعة العلاقة بين جهة الرقابة والسلطة التشريعية وحدود الرقابة وهل يحل القاضي الدستوري محل المشرع عند قيامه برقابة الإغفال خاصة في حالة الإغفال الكلي أو السكوت وما هي الوسائل الفنية التي يستطيع عن طريقها أن يراقب قاضي الدستورية مسألة الإغفال التشريعي دون أن يتجاوز حدود وظيفته.
ولقد عرفت النظم الدستورية أربعة صور لمعالجة الإغفال التشريعي وهي:
1- الأحكام الكاشفة:
يقتصر دور القاضي في هذه الصورة على مجرد الكشف عن وجود إخلال دستوري بصفة عامة ومن بين هذا الإخلال وجود إغفال تشريعي ولا يتجاوز دور القاضي الدستوري في هذه الصورة مجرد الكشف عن وجود إغفال تشريعي وإخطار السلطة التشريعية به دون أن يكون له مكنة الحكم بعدم دستوريته وأبرز مثال لذلك النظام البرتغالي حيث تنص المادة 283/2 على أن يقوم القاضي الدستوري بإخطار السلطة التشريعية المختصة بوجود إغفال تشريعي مخالف للدستور ، وتأخذ المادة 103 من الدستور البرازيلي بنفس الحل.
2- الأحكام الإيعازية:
في هذه الصورة لا يقتصر دور القاضي الدستوري على مجرد الكشف عن وجود إغفال تشريعي وإنما يخاطب المشرع ويوجه إليه نداء لسد هذا العجز أو الإغفال، وهذا الخطاب له أساليب وصيغ عديدة منها توجيه طلب مباشر أو توصية أو نصائح وقد تتضمن تأنيباً ويمكن أن يلجأ القاضي الدستوري إلى صيغة آمرة بأن يوجه ما يشبه الأمر لكن في النهاية ليس هناك إلزام على السلطة التشريعية بأن تستجيب لهذا الأمر أو حتى النداء أو التوجيه.
والنظم التي تبنت طريقة الأحكام الإيعازية منها ما لا يقتصر على مجرد الإيعاز بوجود إغفال وإنما تورد ما يفيد أن عدم تدخل المشرع خلال مدة معقولة لمعالجة هذا الإغفال فإن ذلك يؤدي إلى بطلان النص المتضمن هذا القصور.
وهذه الأحكام الأخيرة تعتبر وسيلة ضغط مناسبة يمكن عن طريقها إلزام المشرع بسد ثغرات النصوص التشريعية المتضمنة إغفال تشريعي.
وقد لجأت المحكمة الدستورية الإيطالية والأسبانية والألمانية إلى هذا الحل بحيث تكون القوانين المنطوية على الإغفال التشريعي دستورية بصورة مؤقتة وفي ذات الوقت تخطر المشرع وتنذره بأنه إذا ظلت القاعدة القانونية كذلك ولم يتدخل المشرع خلال فترة زمنية معقولة لتفادي هذا الإغفال التشريعي فإن ذلك سوف يؤدي بها إلى الحكم بعدم دستوريته في المرة القادمة. في هذه الصورة يتولى القاضي الدستوري معالجة الإغفال التشريعي عن طريق الحكم الصادر منه دون أن يوجه إلى المشرع أي نداء أو خطاب أو توصية أو حتى يمنحه مهلة لمعالجة الإغفال وعدم الدستورية هنا لا ينصب على النص بصورة كلية وإنما يقتصر فقط على الجزء المتضمن للإغفال فيكون إلغاء النص إلغاء “جزئياً”.
وهذه الطريقة هي التي اختارتها المحكمة الدستورية العليا لمعالجة موضوع الإغفال التشريعي وكذلك المجلس الدستوري الفرنسي. وسوف نفصل الكلام حولها بعض الشيء عند تناولنا لمعالجة المحكمة الدستورية العليا للإغفال التشريعي.
في هذه الحالة يقوم القاضي الدستوري بتفسير النص التشريعي مع الإضافة إلى النص ما أغفله أو سكت عنه حتى يكون متطابقاً مع الدستور. وتفسير القاضي الدستوري للنص يمكن أن يأخذ أحد ثلاث صور: الأولى: التفسير الإنشائي أو البناء الذي يكون الغرض منه ملء الفراغ التشريعي. الثانية: التفسير المحايد: الذي لا يتضمن أي إضافة إلى النص التشريعي، ويقتصر على مجرد التفسير. وأخيراً التفسير التوجيهي الذي لا يكون الغرض منه إلا توجيه القائمين على تطبيق القانون باتباع منهج معين أو اتباع الضوابط والتحفظات التي انتهى إليها القاضي الدستوري من خلال تفسيره للنص محل الرقابة.
أثيرت مسألة اختصاص القضاء فى مصر بمراقبة دستورية القوانين منذ زمن طويل يرجع إلى عام 1924 عندما دفع بعدم الدستورية لأول مرة أمام محكمة جنايات الإسكندرية ثم أمام محكمة تلا الجزئية عام 1926التى أصدرت حكمها الذى قرر صراحة حق القضاء فى رقابة دستورية القوانين وصولاً إلى حكم محكمة مصر الأهلية الصادر فى أول مايو 1941 الذى أكد فى متانة ووضوح حق القضاء فى رقابة دستورية القوانين ……حتى صدور حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر عام 1948 الذى يعد علاقة فارقة فى الاعتراف للقضاء بحقه فى رقابة دستورية القوانين …..إلخ
السكوت عن تنظيم مسألة ما أو عدم التدخل بالتشريع في موضوع معين هو ما يسميه الفقه بالإغفال الكلي ويخضعونه في بعض النظم لرقابة القاضي الدستوري بمعالجات مختلفة . وقد سبق أن أوردنا أن التدخل بالتشريع أو عدم التدخل وبمعنى آخر فإن تقرير الحاجة إلى التشريع ومن ثم التدخل لتنظيم الموضوع محل التشريع، أو عدم الحاجة إليه ومن ثم السكوت يعد أهم خصائص السلطة التقديرية للمشرع ما لم يطلب منه الدستور هذا التدخل ومن ثم فإن السكوت عن التنظيم لمسالة ما لا تعد من قبيل الإغفال التشريعي وليست مدعاة لرقابة المشرع في هذه الجزئية إذ لا توجد صلة بين الحاجة إلى التشريع وبين دستوريته. وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا أن تنظيم الحقوق منوط بالمشرع وكان استعماله لسلطته في هذا الشأن رخصة يباشرها، كلما اقتضاها الصالح العام، وفي الوقت الذي يراه مناسباً، إلا أن تدخله يغدو عزيمة إذا ما دعاه الدستور إلى تنظيم حق من الحقوق.
فإن أدى مسلكه إلى الإخلال بهذا الحق، كان ذلك مخالفاً للدستور وأكدت في موضع آخر بأن “إقرار قانون أو إصدار قرار بقانون في موضوع معين هو مما تستقل السلطتان التشريعية والتنفيذية بتقديره وفقاً لأحكام الدستور، ولا يجوز بالتالي حملها على التدخل في زمن معين أو على نحو ما. كذلك فإن قعودها عن إقرار تنظيم تشريعي في هذا النطاق، لا يعتبر بمثابة عقبة قانونية تحول بذاتها دون إنفاذ الأحكام الصادرة في المسائل الدستورية وفرضها على المعارضين لها لضمان النزول عليها.
انه يتعين ان يعلم الجميع والقوى العالمية والعالم اجمع ان مصر عبر تاريخها السحيق منذ الاف السنين كانت درة الاكوان قبل اكتشاف معظم تلك القوى من الوجود و هى التى علمت البشرية فى خشوع وخضوع وباعتراف فضل قنوع قيم العدالة واحترام القضاء وسيادة القانون فقد حظيت الالهة معات بنظرات التقديس والاجلال لدى المصريين القدماء وقدمت للانسانية ومضات مضيئة عن العدالة التى كانت اساسا لاختيار الحاكم لدى المصريين القدماء ودستورا يحرص الملك الفرعونى عليه الذى قال ( ان العدالة هى خبزى وانى اشرب دائما من نادها )
وفى وثيقة تاريخية يقول الملك الفرعونى لابنه -كما ذكرها العالم الالمانى ارمان -(اقض بالعدل بين الناس ولا تظلم الضعيف لصالح الغنى )ونصائح الملك خيتى الرابع احد ملوك الاسرة العاشرة لابنه مريكاورع وهو يعظه (يابنى تحلى بالفضائل حتى يثبت عرشك على الارض), ,ووثيقة احد ملوك الفراعنة لاحد وزرائه فى خطاب تعيينه بان يحرص على العدل بقوله (انظر عندما ياتى شاكى من مصر العليا او السفلى عليك ان تتاكد من ان كل شئ يتم طبقا للقانون
,ان كل امرئ يحصل على حقه ,ان ما يحبه الاله هو ان يتحقق العدل ,اما ما يمقته الاله هو ان يحابى جانب اكثر من الجانب الاخر ) ,وبردية الفلاح الفصيح خونانوب التى ضجت بالشكوى ضد الظلم وهو يقول للملك الفرعونى (اقم حياة الصدق ,اجب داعى الحمد ,واطرح الشر ارضا ,اقم العدالة ايها الحميد الذى يثنى عليه كل حميد ,فكن رحيما محسنا ,ونقب عن الحقيقة ,ولا تكن ظالما حتى تدور عليك الدوائر يوما ,لا تسلب فقيرا ماله ,ولا تنهب ضعيفا ,ان مال الصغير حياته ومن اخذ مال الصغير فقد خنقه )
ومن ثم فان الاحساس الفطرى للإنسان المصرى منذ فجر التاريخ حتى الان هو الايمان بفكرة العدالة اساسا للحكم فى البلاد وسياجا واقيا ضد الظلم والاستبداد .
خلاصة الأمر أن السكوت عن التنظيم أو ما قد يسمى بالإغفال الكلي ليس محلاً لرقابة الدستورية من جانب القضاء في الكثير من النظم وحتى تلك النظم التي تراقبه لا تراقبه مراقبة جادة لا تصل في مداها إلى ما هو أكثر من المناشدة أو الدعوة إلى ملء الفراغ التشريعي باستثناء القلة النادرة التي يعتبر فيها القاضي الدستوري شريكاً للسلطة التشريعية في مباشرة اختصاصها كما هو الحال بالنسبة للمحكمة الدستورية بجنوب أفريقيا لكن كيف نعالج مسألة السكوت عن التنظيم إذا لم يوجب الدستور التنظيم فإن التنظيم يكون رخصة من حق المشرع أن يستخدمها أو لا يستخدمها وأن يتخير الوقت المناسب لذلك وهذه مسألة سياسية وليست قانونية ولا يسأل عنها المشرع أمام القاضي الدستوري،
وإنما يسأل عنها سياسياً في ضوء توجهات الرأي العام الذي يستطيع ممارسة الضغط عليه عندما يرى حاجة المجتمع إلى تشريع ما. أن الرقابة على الإغفال التشريعي وجدت لدفع المشرع لعدم تخليه عن اختصاصه الأساسي المتمثل في سن القوانين كونها الأداة المباشرة لتفعيل دور الدستور وجعله منتجا على أرض الواقع ، وتجنب الفراغ القانوني الذي يؤدي إلى الفوضى داخل المجتمع لعدم وجود قوانين تتماشى مع حاجات الناس ، بالإضافة إلى مخالفة قواعد توزيع الاختصاص الدستوري بين السلطات المحددة في نصوص الدستور ذات الصبغة الآمرة ، مما يؤدي بالسلطة التنفيذية إلى سن ما أغفله المشرع بحكم تسييرها للشأن العام واحتكاكها اليومي بالمسائل المستجدة. ويحاول القضاء الدستوري التوفيق بين السلطة التقديرية للمشرع والحفاظ على سمو الدستور من خلال الرقابة على الإغفال التشريعي الذي يعد أحد أوجه مخالفة المشرع لاختصاصه الدستوري وذلك بالانحراف عن ممارسة صلاحياته.

بقلم: د.عادل عامر

3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة