ما زالت حجة الطابو في كفرقرع

تاريخ النشر: 05/01/16 | 19:52

لقد أثار استغرابي وتعجبي، استدعائي من قبل معلمي روني الى مكتبه، بعد سنوات من القطيعة، وكان آخر استقباله لي في المكتب، عند استلامه “للعرش ” بعد وفاة ابيه بأسبوع، وأفهمني أن مكاني الأرض ومزروعاتها، ولا مكان لي في المكتب، ودلني على مكان العين، وعلى مكان الحاجب.!
“ماذا يريد مني هذا الرجل..!؟ ” قلت في نفسي،وانا أجر خطايا متجها الى مكتبه.
في طريقي اليه تذكرت كلمات أبيه، يوم ان دخلت اليه وهو يكابد سكرات موته الأخيرة.
“دير بالك على روني.. سيخرب المزرعة ان لم تنتبه اليه..! ”
وعندما أحس أنه لم يحظ بالرد الفعل الذي توقعه، أضاف بعينين دامعتين : ” من أجلي.. أرجوك..!؟ “.
سنتان مرتا على انتقال ابيه الى الرفيق الأعلى.. ولم أشاهد روني ألا في مرات لا تتعدى عدد أصابع يدي- ومن بعيد..!،أنا أشتغل في الأرض من الصباح حتى المساء، وهو لا يسأل عني ولا حتى عن المزرعة ، ولم نتبادل فيها الحديث ألا في مرة واحدة ،وذلك عندما سألني عن مكان مفتاح المخزن.
وعندما دخلت الى المخزن في صباح اليوم التالي، وجدت آثار ليلة حمراء ، تشهد على ذلك قناني الخمور المتناثره في أنحائه، ومتروكات من الملابس الداخلية النسوية، لا تدع مجال للشك عما حدث في تلك الليلة، ولم يرجع لي المفتاح، وعرفت بعد ذلك انه وكل به عامل تايلندي.. واستنتجت انه أقالني من مسؤولية المخزن، ولم أستغرب ذلك، فقدكانت هذه واحدة من مهمات سبق وأعفاني منها، وكان آخرها مصادرة “سيارة التندر ” القديمة مني وتسليمها الى عامل يهودي، يخدمه في أمور ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بأعمال المزرعة.
” ماذا يريد مني هذا الرجل.. حتى يستدعيني الى مكتبه بعد ان “قطع” رجلي منه !؟”.
وأوكل مهمات ادارة المزرعة الى عامل يهودى آخر، كان يهتم “بتيسير” أمور ” غزوات ” مجونه، أكثر بكثير من اهتمامه بتصريف شؤون المزرعة، مم جعلها تنهار من سيئ الى الأسوأ.
وكل العاملين فيها لاحظوا مقدار الخراب الذي حل بأشجاوها ومزروعاتها الأخرى، وتناقص انتاجها، وتدني جودة ثمارها، وتأكد الجميع ان الدمار آت عن قريب أليها ، وأفلاس صاحبها محتوم لامحالة.
” ما الذي يستفيده من التعليم في المدارس..!؟” رد أبوه على أبي، عندما توجه اليه طالبا معونته في مصاريف تعليمي في الثانوية
” هاته هون.. الى المزرعة، المدارس ما بتطعم خبز.!!” أكمل وهو يعرف أنه ليس في يد أبي حيلة، كي لا ينصاع لأوامره.
فالتحقت بالمزرعة، اغسل بأرضها وبأوراق أشجارها دموعي، واجفف بشمسها عرقي، وأتلفع بمغاراتها كي تقيني من لسعات قر الشتاء.
ومات أبي تحت شجرة الخروب الكبيرة.. نام عند الظهيرة،تحتها ليريح عظامه من تعب يوم عمل شاق بدأه ” من النجمة ” ، فلم يقم على رجليه من نومته هذه،أوصى ان ندفنه تحت شجرة الخروب، فرفض معلمه ناحوم ان ينعم عليه بهذه المكرمة،”فزرعناه ” في مقبرة القرية.
مشى المعلم وابنه بجنازة أبي وذررفوا دموعا غزيرة لفتت أنظار جموع المشيعين من أهل البلد ” يهودي ويبكي على عربي..!؟ ” سمعتها تنطلق من تلاطم أمواج عيونهم.
علاقة أبي مع مناحم بدأت مع النكبة.. استولى اليهود على منطقة المراح بعد ان طردوا سكانها منها، وعندما علم، ان أبي كان مشرفا من قبل ملاكيها على الأراضي، التي استلمها من دائرة أملاك الدولة، حضر الى بلدنا كفر قرع، وبحث عن أبي، وعرض عليه أن يستمر كما كان من قبل، مشرفا على الأرض، فقال أبي قولة،اعتاد على قولها،عندما تقهره نوائب الدهر : ” أشو ألي أجبرك على المر..!؟ ألي أمر منه..!!”
وكان المر عشرة أفواه “على المصطبة ” !!.
ماذا يريد مني هذا الرجل بعد هذه القطيعة..!؟ مذا يريد مني بعد ان قطع كل الحبال التي توصلني به.. وبعد أن وضعني على هامش المزرعة..!؟
ما زالت كلمات زرجته ترن في أذني.. تقدمت مني بينما كنت أقوم بأرواء الأشجار القريبة من بيتهم، حتى كادت تلتصق بي، وقالت بهمس مبهول :” سليم..غادر هذه المزرعة اللعينة، وابحث لك عن مكان آخر تلم به رزق أولادك..!!” قالتها ودخلت بيتها وتركتني غارقا في الصدمة التي أسقتني أياها، وبعد أيام انتشر في خبر مغادرتها المزرعة.
طرقت الباب،ودخلت بعد ان سمعت صوته يدعوني للدخول، وما ان جلست على الكرسي الموضوعة قبالته، بعد ان أصر على ذلك،حتى قال بلهجة تحمل شحنة مزيفة من الرجاء :
– أنا بحاجة اليك..!؟
– أنت..!؟ أنت بحاجة ألي..!؟ ألي أنا..!؟ قلت محررا قدرا قليلا من مخزون غلي عليه.
– أنا.. وأنت تربينا معا.. وأنت تعرف مقدار ” المعزة ” التي كان يكنها المرحوم والدي للمرحوم والدك.!أستمر في السير في خط التزلف الرخيص.
– روني قل ما تريد قوله، ولا تضيع وقتك الثمين سدا..! قلت لأقطع عليه خط الف والدوران
– سليم أريدك في أمر هام.. أنت لست بحاجة ألي لأشرح لك حالة المزرعة وأوضاعها السيئة، وأننا على حافة الأنهيار.!
– والمطلوب مني..!؟ صحت به،بعد ان شعرت ان حواسي على حافة الأنفجار.
– أن دائرة أراضي الدولة ” ستأخذ ” الأرض وتتركنا في العراء.!قالها مشددا على صيغة الجمع.
– والمطلوب مني.. !!؟ قلت وانا أقاوم الغليان الذي بدأ يتعالى من أعماقي المستعرة.
– أن تحضر لي حجة الطابو من ورثة أصحاب أراضي المزرعة.. فهم يسكنون في بلدكم.. كفر قرع.!!
– لماذا الحجة يا شمعون..!؟ فلم تحتاجونها عندما قمتم بالأستيلاء على الأرض..!! صرخت به وأنا اكاد ” أقتله “.
– انت تعلم،ان دائرة الأراضي هي التي استولت عليها، وليس أبي..!! وأريد الحجة كي أمنعهم من أخذها مني..!!
– كيف..!!
– أرفق الحجة مع الأتفاقية التي وقع عليها أصحاب الأرض العرب متنازلين عن أرضهم بيعا وشراء..!!
– وهل سيوافقون على تسليمها لك..!؟
– تستطيع ان تقنعهم بسهولة.. فهمهم ان الحجة التي بين أيديهم لا تساوي الحبر المخطوط عليها.. ! وكل شيئ بثمنه يا سليم..!! قال وابتسامة خبيثة تتراقص في عينيه.
– ولكن – يا شمعون – ما في اتفاقية..!! قلت متخابثا
– أنت عاقل يا سليم..!! قال وهو يحاول أفهامي؟ أنني لا أستطيع مجاراته في الخبث والدهاء.
“أنت ابن مناحم.. كيف أرضنا..!؟ “ساله بحسرة حسن الزيتاوي أحد أصحاب الأرض القراعنه.
“بويل..!! تحولت الى خراب.. أنها في حالة افلاس.. وستردها الوكالة ان لم نفعل شيئا لأنقاظها منهم..!”
“طبعا سترجعها الينا.. لأصحابها..!!”قال محمد القرعاوي أحد ملاك الأرض بخليط من السخرية والأستخفاف.
” والحل الوحيد أن تعطوني حجة طابو الأرض..لنرفقها مع الأتفاقية التي تنازلتم فيها عن الأرض لأبي..!!
وطردوه من البلد..وطرد من أرض المراح.. والحجة ما زالت في كفر قرع..!!

تأليف: يوسف جمال/ عرعرة

jmal-yosf2013

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة