الشقيقان زيد وسيف أسيران بمنزلهما ووالديهما السجانان

تاريخ النشر: 01/01/16 | 17:26

يطلون برؤوسهم من نافذة المنزل، يرقبون المارة ذهابًا وإيابًا، شبابا وأطفالا بأعمارهم، تدميهم حسرة في بيتهم الذي تحول إلى سجن يحجبهم عن مدارسهم، أصدقائهم، وملعب اعتادوا ارتياده للعب فيه بشكل مستمر.

زيد الطويل (16 عاما)، داهمت قوات الاحتلال منزل عائلته مساء 6 حزيران الماضي وطلبت منه ومن شقيقه سيف الذي يصغره بعام هويتيهما، فطلبا منهم الانتظار حتى حضور والدهما، إلا أن الجنود باشروا في تفتيش المنزل والعبث بمحتوياته، رغم عدم امتلاكهم أمرا يقر ذلك، قبل أن ينتهي الأمر باعتقال الشقيقين ووالدهما تحت تهديد السلاح وضربهم داخل الدورية العسكرية.

زنازين العذاب!
ويقول زيد، إن قوات الاحتلال اقتادتهم لمخفر في “النبي يعقوب” للتحقيق معهما، وخلال ذلك منعتهما من الأكل والشرب حتى الواحدة بعد منتصف الليل، قبل أن ينقلا إلى المسكوبية حيث تعرضا للضرب المبرح والشتائم المهينة، وبقيا هناك 12 يوما على سرير من الباطون (نصف بلاطة) تغطيه فرشة سمكها بضع سنتيمترات أكل عليها الزمن، ما جعلهما غير قادرين على النوم سوى لوقت قصير.
ويضيف، أن شرطة الاحتلال كانت تمنعه وشقيقه من الاتصال بوالديهما، كما كانت تقتحم الزنزانة عند الخامسة فجرا لعد الأسرى، مبينا، أنه في إحدى الاقتحامات لم يستطع الاستيقاظ بسبب إرهاقه الشديد، فوجه له أحد عناصر الشرطة صعقة كهربائية يقول إنها “جعلته يقف كالخشبة”.
ولم تقتصر المعاناة على هذا الجانب، فخلال فترة الاعتقال هذه استعمل الشقيقان بطانيات متسخة وحماما مشتركا لكافة الأسرى، وتناولا طعاما لا يغني ولا يسمن من جوع، تمثل في أغلب الأيام بدجاج وأرز لم يطبخا جيدا، عدا عن قطع الكهرباء بشكل متعمد بين الحين والآخر.
يتدخل هنا سيف الشقيق الأصغر، ليوضح، أنه كان صاحب النصيب الأكبر من الضرب خلال اعتقالهما في المسكوبية، ويضيف، بأنه استدعي إلى المحكمة عند السادسة صباحا وبقي وحيدا ينتظر حتى الساعة الحادية عشر ليلا، ليخبروه بعدم وجود جلسة محاكمة له في ذلك اليوم.
انتهت فترة التوقيف في المسكوبية، لكن العناء هنا لم ينته بل بدأ لكن بشكل آخر. فالطفلين الشقيقين تم تحويلهما للحبس المنزلي المفتوح إلى حين إصدار حكم نهائي بحقهما، وقد بدأ تنفيذ الحكم بتاريخ 5 تموز وعقدت خلال هذه الفترة جلسة محاكمة لزيد في الرابع عشر من الشهر الجاري وتم تأجيل النظر في القضية حتى 22 شباط المقبل، كما عقدت جلسة أخرى لسيف اليوم الأربعاء وكانت النتيجة ذاتها أيضا.

الطفل أسير ووالديه السجانان
عقوبة الحبس المنزلي أصبحت خلال السنوات الماضية سياسة أساسية في تعامل سلطات الاحتلال مع القاصرين في القدس، وعند سماع هذه الكلمة قد يظن السامع أن الأمر تسهيل على الأطفال وتخفيف عنهم من عذابات السجن، إلا أن هذه السياسة تفتح الباب على عقوبات ليست أقل وطأة بحق الأطفال وعائلاتهم على حد سواء.
وتقول والدة الطفلين سيف وزيد، إن الاحتلال يعاقب العائلة بأكملها، حيث حرمتهم هذه العقوبة طوال شهر رمضان من زيارة الأقارب وأفقدتهم بهجة العيد وصلاتها أيضا، كما حولت المنزل إلى حبس وجميع أفراد العائلة أسرى وسجانين فيه.
وتضيف، أن العائلة تقدمت بطلب للسماح للطفلين بالانتظام في دوامهما المدرسي، مع التزام العائلة بتوصيلهما إلى المدرسة صباحا ومن المدرسة للبيت بعد انتهاء الدوام، لكن سلطات الاحتلال رفضت ذلك، بل ألزمت العائلة بكفالة مالية بقيمة 20 ألف شيكل ستجبرهم على دفعها في حال مخالفتهم العقوبة المقررة، وكذلك تحويل الطفلين للحبس الفعلي لمدة عام.
وتتوجه دورية من شرطة الاحتلال لمنزل العائلة كل يوم للتأكد من وجود الطفلين في المنزل، وقد تكون هذه “الغارات” المفاجئة ليلا خلال نوم زيد وسيف، إلا أن عناصر الشرطة يجبرون العائلة على إيقاظهما لرؤيتهما من النافذة قبل المغادرة.
ويقول والد الطفلين إن الاحتلال يفرض الحبس المنزلي لتعذيب الأهل أيضا وليس الطفل وحده، فهو يحول الوالدين والأشقاء لسجانين على الطفل، كما يجبر الأبوين على تنسيق أوقاتهما بحيث يبقى أحدهما على الأقل متواجدا في المنزل طوال الوقت، لضمان عدم مخالفة الطفلين للشروط في لحظة ملل.

آثار نفسية واجتماعية
وتعتبر منظمة “اليونسكو” التابعة للأمم المتحدة أن كل من لم يبلغ سن الـ 18 عاما يعد طفلا، وعليه فإنها تؤكد على ضرورة أن يكون المنزل مصدر أمان وراحة ومساحة للعب والدراسة، وهو ما تخالفه شرطة الاحتلال بتطبيقها عقوبة الحبس المنزلي.
وتوضح الأخصائية الاجتماعية عروب أبو زعرور، أن تحويل البيت لحبس للطفل يقضي فيه وقتا طويلا ويحرم خلاله من ممارسة ما اعتاد أن يمارسه، يؤدي لآثار نفسية سلبية عليه، منها تحويله لشخص عنيف من الداخل ورافض لوضعه ومجتمعه.
كما تتمثل هذه الآثار وفقا لعروب في قتل قدرة الطفل على الإبداع والعطاء بشكل إيجابي، هذا عدا عن الضيق والضغط النفسي والإحساس بالفراغ والملل الشديدين اللذين يسببهما احتجازه بين أربعة جدران هي في الأصل جدران منزله، ما يقد يقتل أيضا الطفل رغبته في الحياة.
وتضيف عروب، بأن هناك اختلاف بين مرحلتي الطفولة المبكرة والمراهقة، “فالمراهق تكون آثار الاعتقال المنزلي أشد صعوبة عليه، لأنه في هذه الفترة يكون قد بدأ بتكوين هوية خاصة به وتحديد هدفه في الحياة وما يحب وما يكره، وقد يؤدي حبسه في المنزل لقتل قدرته على الاحتكاك بالآخرين والعطاء واكتساب الخبرات ايضا”.
وتشير إلى أن هذا النوع من الحبس يحدث شرخا في العلاقة بين الطفل ووالديه، خاصة إذا احتاج أحدهما لمغادرة المنزل لقضاء أي غرض، مقابل رقابتهما الشديدة عليه لعدم مخالفة شروط الحبس المنزلي وتحويله للحبس الفعلي، مبينة، أن هذا الشرخ يحدث نتيجة عدم نضوج الأطفال بما فيه الكفاية.
وترى عروب أنه يتوجب على الأهل بذل مجهود كبير في التخفيف عن أبنائهم، من خلال وضع برنامج يومي يتخلله نشاطات رياضية وقراءة، بالإضافة لاستشارة أخصائيين نفسيين لمعرفة كيفية عمل جلسات تفريغ نفسي لأبنائهم، وأخصائيين نفسيين للأهل أيضا للتخفيف عنهم وكسر أي حواجز قد تحدث بينهم وبين أطفالهم.
تجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال تستخدم عقوبة الحبس المنزلي في حال كان الطفل أصغر من 14 عاما ويمنع القانون تحويله إلى المعتقلات والسجون، كما تستخدمه في حالات خاصة أثناء عقد جلسات محاكمة لأحد الأطفال، حيث تضعه في الحبس المنزلي لحين صدور الحكم بحقه.
كيوبرس

1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة