ولسوف يعطيك ربك فترضى
تاريخ النشر: 26/12/15 | 14:05للهموم وجوه كثيرة أسوأها الوقوف عند حافة اليأس و فقدان الأمل وفي الآونة الأخيرة زار قلبي ضيف ثقيل لا يكاد يبرح مقامه فقد ابتليت بأمر أرهقني فالغم لازمني و الحزن صاحبني و الهم أحرق مقلتي و الدمع أغرقني… الفرح إن حضر يوما غاب بقية أيامي, القلب بحرارة يشتكي و ينادي الذي أهمني و لكن لا حياة لمن ينادي فبقي الألم يواسيني و الظلام يحضنني… نظرت للسماء شاكيا همي ألتمس رؤية الحمام لكني وجدتها مليئة بالغمام كأنها محملة بالغموم و كافة أنواع الهموم… و نظرت للأرض باكيا قلبي وجدت الحب فيها سرابا و القلوب مملوءة حقدا و عذابا…
فقدت ما أريد و أقام في قلبي كل هم كئيب و فقدت الكنز الثمين و كدت أفقد اليقين إلا أني رفضت الإنكسار و وجهت وجهي للعزيز الغفار له الحمد و الثناء مقتديا بالأنبياء… فتحت المصحف فسبحان الله وقع بصري على الآية: “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى” هاج قلبي و ضج و أحسست بأن الخطاب موجه لي:
“يا أيها المهموم الكسير يا أيها المغموم الحسير… يا أسير الحزن أبشر ثم أبشر ثم أبشر فما ودعك ربك… إذا غطى ظلمة الحزن بجلبابه نهارك و أطبق الغم بجناحيه عالمك فلسوف نعطيك و نرضيك…
إن عصفت بك عواصف الهم و زلزل قلبك الغم و أغرقك أمواج الحزن و اجتمعت عليك المصائب و نوائب الدهر و كثر عليك المصاعب فاهتف باسم رب المشارق و المغارب و سيزول كل تلك المتاعب… إن ضاق صدرك بالهموم و الغموم فاهتف يا حي يا قيوم فسترضى بالمقسوم
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
ربك أعلم بك منك و أعلم بمصابك و بلواك و يعلم متقلبك و مثواك و مأواك و يسمع دعائك و نجواك … إذا ألم البلوى قصم ظهرك و أوهن جسمك فسيكشف غمك و ينقض ظهرك… إن داهمك أمر عظيم سيكفيك ربك العظيم…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إن باعدك الأصحاب فرب الأرباب أدناك و اختارك من خلقه و ابتلاك… إن لم ينفعك الأقارب و الأنساب و تقطعت بك الأسباب فما ودعك ربك و ما قلاك… إن فقدت عزيز و إن فارقك حبيب فنحن منك قريب و أقرب من حبل الوريد…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إذا الهم طغى و بغى و كل من صاحب رجوته اتبع هواه فهوى و غوى و ودعك و قلى و لم تعرف كيف تستقيم على طريقتك الأولى و الفرح اختفى و تولى فاذكر شديد القوى محيى الموتى الذي أنشأك النشأة الأولى فهو قادر على أن يعيدك سيرتك الأولى إن وجدك عبدا إذا ذكر ربه صلى و نهى النفس عن الهوى و كان على الهدى…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إن ابتليت بمصيبة تحل النقم و ذنوب تغير النعم و حرمان ورث الندم و إن زللت للحصول على مريدك و ذكرتنا فنحن نغفر الزلة ونضع عنك وزرك و إن أذلك مريدك فنحن نجبر تلك الذلة و ننقض ظهرك و نشرح صدرك و نرفع لك ذكرك… إن همت نفسك بالمعصية و ابتليت بارتكاب السيئة فأكرمناك بفعل الحسنة و محونا عنك الخطيئة…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إن كنت في أمرك في حيرة عمياء و أذن الآخرين عن سماعك صماء و أصابتك الضراء فاعلم أن ربك يسمع و يرى و لسوف يعطيك ربك فترضى وليذيقنك نعماء بعد ضراء… إن لم يفهمك إلا القلة فسنجعلهم لك نعم الخلة و لسوف نعطيك و نرضيك ألم نجنبك فعل الرذيلة و أكرمناك بالأخلاق الكريمة الفضيلة!؟
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إن أحاطك الشيطان و لم تجد من يعطيك الحنان فتذكر الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء المنان خالق الأكوان الذي أغرقك بالنعم على مر الأزمان فاعتصم بالقرآن فهو الركن إن خانتك أركان و لسوف يعطيك ربك ما لم يكن في الحسبان و كل منه إحسان…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إذا ابتغيت أمرا و لم تبلغه و منعك الآخرون فما كان عطاء ربك محظورا بل ممنوح يغدو و يروح… إن طلبت ذوي الشأن و ردوك فتذكر ربك الذي كل يوم هو في شأن يعز و يزل يضيق و يوسع يبتلي فلان بالمحنة و يدفع عن علان النقمة و ذلك منه منة. يقي الإنسان شر نفسه و سلمه من شرور خلقه يسهل الشديد و منجز الوعيد…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إن كان حب المرضى من الورى بحب ليلى و سلمى و ندى و منى ذاك الحب الداني لنرزقنك قلبا يسري شوقا للقاء ربك الأعلى و لنكرمنك بالحب الراقي كمثل النبي موسى حين قال: “وعجلت إليك رب لترضى”
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إن كنت في زمرة المحزونين ذوي القلوب المنكسرة الخاشعة الصادقة فالله يغيث المنكوبين و ينصر المستضعفين و الصادقين و يجيب دعوة المضطرين رب إذا سئل لا يرد سائله و إذا رجي لا يخيب رجاءه أهل التقوى و أهل المغفرة…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
إن أظلمت أمامك الدروب و اشتدت الخطوب و الكروب فاذكر علام الغيوب بالخضوع و الخشوع ليشع قلبك نورا و يمتلئ صدرك سرورا و حبورا فمنك الدعاء و منه الإجابة فهو ربك الأعلى و لسوف يعطيك فترضى… إن انقطعت الآمال و أكثرت السؤال و شكوت لربك الحال ليبدلنك الحال…
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
سبح اسم ربك الأعلى و لسوف يعطيك ربك فترضى… إن ضاق صدرك وسعناه و إن مرضت شفيناك و إن ابتليت عافيناك… إن أخطأت فذاك طبع الإنسان و الكامل الله الرحمن…
حينها اغتنمت الثلث الأخير في غياهب السحر تحت ظلال الصمت حين ينزل رب العزة نزولا يليق بجلاله لزمت الإستغفار و دعوت العزيز الجبار بسهام الليل مستخدما بريد الإنكسار بعثت شكوتي إلى محكمة العدل في السماء ورفعت يدي و بسطت إليه أكف الضراعة أشكو همي و بثي و حزني إلى قاضي السماء من قاضي الأرض الذي عاملني بجفاء و أنا غارق بدموعي بكل جهد و عناء… قلت: “اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السماوات و الأرض يا ذا الجلال و الإكرام يا حي يا قيوم يا رب أدعوك دعاء الغريق في بحر همومه الذي لا يجد كشف ما هو فيه إلا أنت فيا رب لا تترك عبدك هالكا… اللهم يا الله برحمتك أستغيث و من غيرك أستغيث اللهم أغلقت الأبواب إلا بابك و خاب الرجاء إلا في جنابك و إنقطعت الآمال إلا فيك و خشعت الأصوات إلا صوتك,
اللهم يا مقلب القلوب اللهم يا علام الغيوب اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”… فلم أزل أناجي ربي حتى سمعت بخاطري (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فتبسمت رغم معاناتي و علمت أن ربي سيحقق العدل لي و ينهي ماساتي و لسوف يعطيني فيرضيني إن شاء… سكن دمي و جف عرقي… رق عظمي و ضعف… و هدأ قلبي و صمت …