إياس وإحسان في ديوانين جديدين

تاريخ النشر: 08/12/15 | 11:07

صادف في يوم واحد أن حظيتُ بديوانين صدرا سنة 2015 وهما لشابين ” قبلة بكامل شهرزادها ” للشاعر إياس يوسف ناصر من الجليل ” دمعة تخدع ظلها ” للشاعر إحسان موسى أبو غوش من القدس ” عروس عروبتكم “.
وبما أني شغوف بمعاقرة الشعر قديمه وحديثه، راقني المرور بتجربة مختلفة في القراءة، وهي أن أعطف على الديوانين معا، ومع قهوتي الصباحية رحت أرتشف من كلماتهما، ولا أعرف لماذا كان لقهوتي هذه المرة نكهة خاصة، ربما لأنها امتزجت بالشعر سيد الفنون بعد المسرح.
فهذا إياس ناصر يحفزني للإصغاء الى قصيدته الموسومة خذ ما تريد:
” قم للصباح وللندى / واستقبل اليوم الجديد / قم خذ سلامكَ منه / وانظر فيه للأمد البعيد “.
صورة شعرية تعبر عن حب الحياة وتحث على الطموح والإجتهاد والنظر الى المستقبل، وتنتهي الصورة بنتيجة مرضية. وهذا ما يُعرف بالإقفال الحسن في الشعر، أو كما قال ناقد فرنسي: الخاتمة الندية:
” قد كان يومي رائعا / وأخذت منه ما أريد… “.
قصيدة احسان أبو غوش ” يا موت قف هنيهة ” تتقاطع مع قصيدة ناصر، فاحسان توجه الى الحقيقة الخامسة في حياة الإنسان وهي الموت، يرفض أن يكون الموت سببا لتوقف الحياة، فالحياة يجب أن تستمر وتزهر حتى في أحلك الظروف:
” يا موت قف هنيهة / قف والتقط أنفاسك الأبديّة / دع زهرة النرجس / تحوّل من زفيرك / لؤلؤا لشهيقها / دعها تعود لمجدها / من عطرها “.
الى ان يقول:
” يا موت قف / بل مت ولو للحيظة / لأعيد أحلامنا بلمسات المساء / عطر الشباب “.
ولفتة طيبة من احسان ان أفرد للأمومة صفحة منها هذه الكلمات:
فلا للحياة بهاء / بدمعة أم تعطرها في / سكون الفضاء.
” ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ”
سورة لقمان.
اللافت في أوراق إياس ناصر كثرة قصائده في الحب والغزل، قصائد رقيقة سلسة، استطاع بموهبته أن يبث فيها روحا ونبضا، لكننا في الحقيقة قلّما نجد تفاوتا أو قفزات نوعية في التعبير عن العاطفة بين قصيدة وأخرى ؛ وكأني بهذه الحزمة اتفقت فيما بينها معاندة الشاعر والسير على وتيرة واحدة، باستثناء بعض اللقطات خرجت عن السرب كهذه الطفرة:
” دعيني أرتوي عينيك حتى / أذوب صبابة وأضيع شوقا / دعيني أشرب الشفتين خمرا / وأسكب من جرار القلب عشقا “.
تذوقتها مرارا وما شبعتُ ! هكذا نتبيّن تجلي الروح في الشعر حين نتفاعل معه حماسا وغبطة !.
وما دمنا في سيرة الروح قد نستغرب أن كلمة ” الروح ” وردت كثيرا عند احسان أبو غوش ! ربما تأثر بالفيلسوف الألماني هيجل، عبر هيجل ما معناه: أن الروح محركا فاعلا في إنجازات العظماء وفي حضارة الإنسان ؛ لكن ما يهمنا ههنا أن الشاعر يشاطرنا الرأي بأهمية وجود الروح في الشعر وفي العالم، وذلك عبر قصيدته بعنوان ” الروح ” اكتفي منها بالجزء المتعلق في الشعر:
” لو كان عالمنا بلا روح فلا / معنى لمعنى الأضحية ولبات فحوى الشعر شكلا من / صدور عاجزا لا يحمل المعنى / وفن الأحجية ! “.
كان يمكن لهذه القصيدة ان تتبوأ مرتبة جيدة في سلم الشعر لولا أنها استُهلت بشكل تقريري ! قصيدته عن الحداثة اتخذت طريقة السرد، وحملت لفظا زائدا لنفس المعنى !.
وفي القول عن الحداثة هناك تعريفات عديدة لها.. رأيي الخاص أن كل قصيدة ملائمة لعصرها وزمنها ومتلقيها هي حداثة أو حديثة.
وهذا ينطبق على قصيدة إياس ناصر ” ما بعد القصيدة ” يتعرض فيها لقضية أزمة القراء، قراء الشعر، وهي قضية ملحة ومقلقة تستوجب السؤال البديهي: ماذا سيكون مصير الشعر مستقبلا ؟! ؟
يقول ناصر:
” ماذا سيبقى / للقصيدة حينما / يلقى الستار / ويذهب الجمهور / ويصير مسرحها / يسَرِّحُ شَعرَها / حتى تنام / ويسكت التعبير “.
ان هذه القصيدة لها مصداقية في ميزان النقد، أي انها جاءت في وقتها وظرفها المناسب ؛ يقال أن ثلاثة أرباع القصيدة في مصداقيتها. وهذه المصداقية تنسحب على قصيدة ” في الحاجز ” لإحسان أبو غوش. قصيدة ممتازة بكل المقاييس، من حدث وتعبير وتركيز ودراما، والدراما هي روح القصيدة.
ولعل ما أتاح لقصيدته هذا النجاح، أن الشاعر يعايش الأحداث حضورا فكرا وشعورا، يكتب من صميم التجربة. هذه القصيدة تجسد معاناة الانسان الفلسطيني اليومية على الحواجز العسكرية وما تتركه هذه المعاناة من ألم في النفوس:
” ألا تتأنّى بمشيكَ ؟ حيثُ تسيرُ / كما أنتَ / فوقَ الرّكام / تدوسُ تراباً يغطّي بسطحٍ سميكٍ / جذور الحكاياتْ / على بعد ميلٍ / وخمسٍ وكعبينْ / هناكَ سذاجةُ جنديّ / أتى من بلاد الظّلام / فيصنعُ الذكريات / يحرّف تاريخ أغنيةٍ / تُراقصها الكلماتْ “.
من المسلم به أن للبيئتين الجغرافية والحياتية الأثر البارز في نصوص الشعراء. ومن الواضح أن إياس ناصر تـأثر بالناحيتين الجغرافية والحياتية، وهذا التأثر إنعكس في قصائده، بالجليل الساحر بأمكنته المهجرة والباقية: سحماتا ترشيحا عكا كفر برعم، وبجباله الخضر، أشجاره، أزهاره، حقوله وكروم العنب. وله تعابير مدهشة في هذا السياق كقوله ” عناقيد السنين” من قصيدته ” سافر معي ” وهي من أجمل قصائد الديوان إمتاعا وفكرة !
وعن البيئة الحياتية لا يخامرني شك بأنه قد تأثر شعرا بوالده الأديب الكبير يوسف ناصر.
أمّا إحسان أبو غوش فقد صب جُل اهتمامه في بيئته الحياتية وما تمر بها من احداث جسام، وإن كنا نرى في شعره القليل من ملامح الطبيعة كالربيع، فهو ليس ربيع البحتري:
” أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا……. ”
إنما هو الربيع الحزين يستدعي بكاء أطلاله:
” فراشة تشتاق من خلف الدّجى / عطرا شذيّا من / زهيرات الربيع / نبكي على أطلالها “.
نقطة أخيرة:
لا شك أن ديوان إياس ناصر ” قبلة بكامل شهرزادها ” هو ديوان متطور ذوقا وشعرا بالمقارنة مع ديوانه السابق ” قمح في كف أنثى ” صافحته سابقا نقدا متواضعا ؛ وان يتطور الشاعر بين ديوان وآخر فهذا جيد، بل ضروري لمن رام ولوجَ هذا الميدان.
ديوان إحسان أبو غوش، والذي هو باكورة أعماله يعتبر بداية موفقة، وإلا ما كنتُ لأستضيفه بهذا القدر من الإرتياح.

الناقد: نور عامر

480-35000nor-3amer2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة